البشرية تتعذب بإقصاء الإسلام عنها
البشرية اليوم كلها تعاني، فبعضها يعاني الألم بسبب الاحتلال والاستبداد والحروب والمجاعات وسوء الطقس، وبعضها يعاني قلقاً وأمراضاً وأزمات بسبب التخمة والغنى والترف، وبرغم شعارات العلمانية والحداثة وما بعد الحداثة فإن (العالم الحر) هو الذي يتسبب في أكثر آلام الناس بسبب قيمه المغلوطة وسياساته الجائرة ونخبته الفاسدة.
فهذه الأزمة الاقتصادية التي تطحن الغرب الرأسمالي القائم على نظام الربا المحرم والنهم الاستهلاكي المجنون، أحدث قبل سنوات عدة كارثة بيع الديون المحرم في الإسلام، وها هي أولى النتائج أن 35% من الأمريكيين فقراء معدمون، وهذا بمثابة قنبلة موقوتة!
ومن قبل سقط الاتحاد السوفيتى ونظريته الماركسية في الاقتصاد، وها هي ذي الصين لم تتقدم وتزدهر اقتصادياً إلا بنبذ الماركسية في الاقتصاد بعد عقود من التخلف، ولكن الرأسمالية التي نفعتها في هذه المرحلة لن تتأخر أمراضها كثيراً في الظهور، فكلا النظامين يصطدمان بشريعة الله -عز وجل- ويتعارضان مع الفطرة السليمة ولهما آثار وبيلة، قد لا تظهر للناس مباشرة وبوضوح.
وهذا الصدام الاقتصادي مع شريعة الله -عز وجل- يعمل على تكدس الثروة بيد فئات محدودة جداً، واتساع دائرة الفقر والجوع في أنحاء كثيرة من العالم، وبدأت تتزايد هذه الشرائح حتى في الغرب ولم تعد تقتصر على العالم النامي.
وكالعادة في تاريخ البشرية هذا التكدس المالي لفئات محدودة يعقبه فساد وطغيان أخلاقي وقيمي {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى(6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} (العلق: 6-7)، أما الفساد والطغيان لهذا الغنى والثراء البعيد عن شرع الله -عز وجل- في جانب الإنسان فيتمثل في كسر قواعد الأخلاق ولاسيما العفة والحياء، حتى لم يعد هناك معيار للصواب والخطأ أو الحق والباطل، وأصبحت كل السلوكيات المشينة مقبولة ومعمولا بها، حتى وصل بهم الحال لتشريع كل أنواع الشذوذ مع البشر والحيوان، وإباحة المسكرات والمخدرات قانونيا، فكانت النتيجة ظهور الأمراض الجنسية التي لم تكن تعرف من قبل كمرض الإيدز، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من أخطار الفساد الأخلاقي فقال: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وأصبح الغرب مهدداً بالموت بسبب هذه الأمراض الجنسية الفتاكة وبسبب قلة الزواج وعدم إنجاب الأطفال، وقد شرح ذلك بالتفصيل المفكر الأمريكي باتريك بوكانن في كتابه موت الغرب.
إن هذا الفساد الضخم في الطبيعة وفي الإنسان الذي يهدد مسيرة الحياة والبشرية هو بسبب ارتكاب الناس المحرمات والموبقات في الأخلاق والمعاملات والمعتقد {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم: 41)، ولاحظوا أن هذه الآية جاءت في سورة الروم! والأكثر فسادا وطغيانا أنهم يسعون لفرض فسادهم على البشرية جمعاء عبر قوانين دولية تشرعن كل تلك الفواحش وتحميها كما تنص على ذلك بنود اتفاقية سيداو.
وهذا نتاج للإعراض عن شريعة الله -عز وجل-؛ فالشريعة الإسلامية لا تقتصر على الهداية الروحانية والإيمانية التي يفتقدها الغرب بشدة تحت وطأة العلمانية والحداثة وما بعد الحداثة؛ حيث تفشت فيه الفردانية الغالية والأنانية المطلقة والمادية المتوحشة، فأخذ يبحث عن خلاص بأي طريقة وسبيل، حتى انتشرت بينهم عبادة الشيطان بدلاً من عبادة الرحمن، وتروج بينهم اليوم الديانات الشرقية الوثنية بدلاً من عقيدة التوحيد الصافية.
وشريعة الإسلام لا تقتصر أيضاً على العبادات والشعائر، التي ضلت عنها شعوب العلمانية والحداثة، وأخذت تبحث عنها في طقوس الرقص والسحر واليوغا وغيرها، فزادتها ضلالاً على ضلالها!
بل شريعة الإسلام فيها أيضاً سعادة البشرية وهدايتها في جوانب الاقتصاد والبيئة والصحة والعمران والسياسة، بما احتوته من أصول كلية وقواعد أخلاقية ومقاصد شرعية، تكفل العدل والحق والرحمة والسلامة والسعادة للبشرية جمعاء، ومن هنا يتبين عظم جريمة المعادين لشريعة الإسلام في حق البشرية التائهة والمعذبة.
لاتوجد تعليقات