رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 4 أبريل، 2023 0 تعليق

البشائر النبـوية للأعمـال الخيرية (13)  خير الناس أنفعهم للناس

عنْ جَابِرٍ بن عبدالله - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ». أخرجه الشهاب في مسنده (1234)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3289)، هذا الحديث أصل عظيم وقاعدة كلية، في أعمال الخير المتنوعة، وتزداد خيرية الفرد والمؤسسة كلما انتشر النفع في المجتمعات وعمّ. وتشير كلمة الخير: إلى كل ما فيه نفع وصلاح، أو كان وسيلة وأداة لنفع أو صلاح، وقيل: إن الخير: هو العمل الذي يَعُم نفعُه.

مقاصدِ الشريعة الكلية الثابتة

     وعملُ الخير من مقاصدِ الشريعة الكلية الثابتة، بدلالة النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة، التي وردت في الحضِّ عليه ومدح فاعليه، وترتيب الأجور العظيمة على ذلك في الآخرة، والمنافع المختلفة القاصرة والمتعدية في الدنيا؛ لأن أصلَ الشريعة وأساسها هو مصلحة العباد في المعاش والمعاد، فإذا كان الفعل يتعدى صاحبه إلى غيره، فنفعُه وثوابُه أكثرُ من الفعل الذي يقتصر أثره على صاحبه، كما في القاعدة الفقهية (العملُ المتعدي أفضلُ من القاصر).

المقصود بالعمل الخيري

     والعمل الخيري باختصار: هو بَذلٌ لتحقيقِ منفعة، وتفصيله من المنظور الشرعي: بذلُ مالٍ أو جهدٍ أو وقت، من أجلِ نفعِ الناسِ والتخفيفِ من معاناتهم، بدافعِ الرغبةِ في نيلِ الثوابِ من عندِ الله -سبحانه-، ويقوم به (فردٌ أو مجموعةٌ أو مؤسسةٌ)، من خلالِ العديدِ من الأنشطةِ الوقفيةِ والإغاثيةِ والتنمويةِ وغير ذلك، وفي الحديث «خير الناس أنفعهم للناس» أي بالإحسان إليهم بماله وجاهه، فإنهم عباد الله وأحبهم إليه وأنفعهم لعياله أي أشرفهم عنده أكثرهم نفعا للناس بنعمة يسديها أو نقمة يزويها عنهم دينا أو دنيا ومنافع الدين أشرف قدرا وأبقى نفعا.

الْعِبَادَة الْمُتَعَدِّيَة

     وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبَادَةَ الْمُتَعَدِّيَةَ إلَى الآخر أَفْضَلُ مِنْ الْقَاصِرَةِ؛ لِأَنَّ خَيْرَ النَّاسِ مَنْ يَنْفَعُ النَّاسَ، قال ابن نجيم: بِنَاءُ الرِّبَاطِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ أَفْضَلُ عَنْ الْحَجَّةِ الثَّانِيَةِ، فالنفع الذي يقدمه العاملون في المؤسسات الخيرية عظيم جدا بمختلف المجالات.

     والنفع هنا لا يقتصر على النفع المادي فقط، ولكنه يمتد ليشمل النفع بالعلم، والنفع بالرأي، والنفع بالنصيحة، والنفع بالمشورة، والنفع بالجاه، والنفع بالسلطان، ونحو ذلك، فكل ما استطعت أن تنفع به إخوانك المسلمين فنفعتهم به، فأنت داخل في قوله -[- خير الناس أنفعهم للناس.

     قال أبو عثمان عبدالله بنُ عثمان شَيْخُ الْبُخَارِيِّ: مَا سَأَلَنِي أَحَدٌ حَاجَةً إلَّا قُمْت لَهُ بِنَفْسِي، فَإِنْ تَمَّ وَإِلَّا قُمْت لَهُ بِمَالِي، فَإِنْ تَمَّ وَإِلَّا اسْتَعَنَّا لَهُ بِالْإِخْوَانِ، فَإِنْ تَمَّ وَإِلَّا اسْتَعَنْت لَهُ بِالسُّلْطَانِ.

     فأحب الأعمال: هي السعادة التي تدخلها على قلب المسلم، وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأفراد، فقد يتحقق السرور في قلب المسلم بسؤال أخيه عنه، وقد يتحقق بزيارة أخيه له، وقد يتحقق بهدية أخيه له، وقد يتحقق بأي شيء سوى ذلك، الأصل أن تدخل السرور عليه بأي طريقة استطعت، «أو يكشف عنه كربة»، والكربة: هي الشدة العظيمة التي توقع صاحبها في الهم والغم، فمن استطاع أن يكشف عن أخيه كربه، ويرفع عنه غمه، فقد وفق بذلك إلى أفضل الأعمال، «أو يقضي عنه دينا»، أي: تقضي عن صاحب الدين دينه، وذلك فيمن يعجز عن الوفاء بدينه، «أو تطرد عنه جوعا»، أي: بإطعامه أو إعطائه ما يقوم مقام الإطعام.

أبواب الخير كثيرة ومتعددة

      وأبواب الخير كثيرة ومتعددة، لا يحصرها شيء، وما على الإنسان إلا أن يجمع نفسه على فعل الخير ونفع الآخرين، وقد أجمل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض هذه الأبواب في قوله: «على كل مسلم صدقة، فقالوا: يا نبي الله فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر، فإنها له صدقة». متفق عليه.

     ونفع الناس يكون أيضاً بتعليمهم الخير قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن يُعلِّم الناس الخير: «إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةِ في جُحرِها وحتَّى الحوتِ ليصلُّونَ على مُعلِّم النَّاسِ الخيرَ» صحيح الجامع.

     ولا شك أن العملَ الخيري ركيزةٌ مهمةٌ وضرورٌة ملحةٌ في المجتمع الإسلامي؛ لذلك تنوعت وتكاثرت النصوصُ الشرعيةُ من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، التي تؤصل لعِظَمِ تَحَمُّلِ تلكَ الوظيفة والمسؤولية الإيمانية والأخلاقية، لكل من ينتمي لهذه الأمة.

 

 

من فوائد الحديث

1- من مكارم الأخلاق الحث على نفع الناس.

2- من يحمل هم عَمل الخير ويحرص عليه، يَنل عظيمَ الأجر وجزيل الثواب.

3- المشي في حاجة المسلمين، وتقديم النفع لهم، وقضاء حوائجهم، أعظم أجرا للإنسان، لأن النفع المتعدي أفضل من النفع القاصر.

4- تحفيز همم العاملين في المؤسسات الخيرية لابتكار أساليب جديدة في نفع الناس لإدخال السرور على أصحاب الحاجات.

5- المبادرة واستغلال الأوقات واغتنامها في فعل الخير.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك