رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود عبد الحفيظ البرتاوي 8 يوليو، 2024 0 تعليق

الباحث في شؤون الفرق والجماعات الإسلامية – الشحات: التحصن بالعلم الشرعي هو السبيل لمواجهة المشككين في الدين وثوابته

  • ميدان الغزو الفكري والمواجهة المنهجية في كثير من الأحيان أكثر شراسة وقوة من المواجهة العسكرية لأنها مستمرة وباقية على الدوام
  • المنهج السلفي هو المنهج الوحيد القادر على تفنيد الشبهات التي تلقى على الناس والرد عليها والوقوف لها بالمرصاد
  • طلب العلم الشرعي فرض عين على كلِّ إنسان وهؤلاء الطاعنون دعاة على أبواب جهنم يستهدفون تدمير الثوابت والعبث بالأصول والتشكيك في الدين
  • السماح لهذه التيارات المنحرفة بالوجود في المجتمع يعطي مسوغا للتيارات التكفيرية لتنشر أفكارها المسمومة واتجاهاتها ومناهجها المنحرفة
  • الدعاة والعلماء وطلبة العلم بمثابة المصل الواقي في الأمة من الانحراف والانجراف إلى الفساد والضلال
  • الوقاية من هذه الأفكار المنحرفة يكون بالتمسك بالكتاب والسنة وفهمهما كما فهمهما السلف والعلماء عبر التاريخ
 

ظهرت في الآونة الأخيرة جرأة عجيبة على أصول الدين وشعائره وثوابته، من تيارات مختلفة ومتعددة التوجهات والرؤى، لكن الرابط بينها مهاجمة التراث الإسلامي عموما، والسلفي خصوصا، مع الطعن الدؤوب في أئمة المسلمين وعلمائهم، وقد التقت الفرقان بالباحث في شؤون الفرق والجماعات الإسلامية م. أحمد الشحات، ليسلط الضوء على هذا الموضوع وأبعاده.

  • ما أسباب هذا الهجوم المستميت على الثوابت الإسلامية ولا سيما التراث السلفي، والمحاولات الدائمة لتنحيته والحط من شأنه؟
  • هذا الهجوم هو هجوم ممنهج، لم يأتِ هكذا من فراغ، وإنما ينطلق من خلفية فكرية عند هؤلاء؛ لأنهم يتبنون الأطروحات الغربية التي تأخذ على عاتقها الطعن في دين الإسلام وتشويهه، والطعن في ثوابته ومحاولة تحريفه؛ حيث إنهم عجزوا عن اجتثاثه واقتلاعه من قلوب الناس، فراموا إلى زعزعة ثوابته والطعن فيها، وتشكيك الناس في هذا الدِّين العظيم، فهؤلاء رغم أنهم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، إلا أن أفكارهم غربية، وما تعلموا إلا على يد الغرب، ويستحيل أن يكون قد درس أحدٌ من هؤلاء على يد عالم من علماء المسلمين، ثم يخرج ويطعن في الثوابت بهذه الطريقة.
أما كونهم يركِّزون دائمًا على الهجوم على المنهج السلفي؛ فهذا لأن المنهج السلفي هو المنهج الوحيد القادر على تفنيد هذه الشبهات التي يلقون بها على الناس، والرد عليها، والوقوف لها بالمرصاد، والأهم من ذلك: أن المنهج السلفي المبارك يحرس الثغرات التي من خلالها ينفذ هؤلاء، مثل: قضية الموقف من العقل، وقضية الموقف من حجية السنة، وقضية الموقف من حجية أحاديث الآحاد، والموقف من التأويل، والموقف من بدع التصوف، كل هذه ثغرات في الحقيقة يستخدمها المشككون لكي يطعنوا فيها أو من خلالها في دين الإسلام، والمنهج السلفي -بفضل الله تبارك وتعالى- يعالج كل هذه القضايا، ويرد على كلِّ هذه الشبهات، ويسد هذه الثغرات، ومن ثم فهو سد منيع أمام هؤلاء من أن ينفذوا إلى داخل الأمة.
  • ما دلالات ظهور هذه الدعوات في هذا التوقيت؟
  • لا شك أن هذا التوقيت هو توقيت حساس، وهؤلاء الطاعنون المتهجمون على دين الأمة وثوابتها، راموا من ذلك أن يجمِّعوا هذه الجهود المتناثرة؛ لأن هؤلاء ليسوا بشخصيات مجهولة، بل لهم باع كبير، وتاريخ غير مشرف في الطعن في الثوابت، وبعضهم حكم عليه في قضايا بسبب ازدراء الأديان، فهم لهم ماضٍ قبيح، ولهم تاريخ قديم في هذا الطعن، ولكن الجديد هو مصارحة هؤلاء بتوجهاتهم وظهورهم علانية في مؤسسات ومنظمات تعلن هدفها بفجاجة، ولا شك أن هذا نوع من أنواع العمل الجماعي المنظم، لكي تكون هذه التجمعات المشبوهة بمثابة مظلة تضم كل من يستهدف الإضرار بدين الأمة وعقيدتها، وثوابت دينها، وترتب جهودهم وتنظمها؛ بحيث تكون رائجة عند الناس، وتحتوي على قدرٍ من التنوع، والأخطر من ذلك: أن هؤلاء يشجعون غيرهم من صغار الكُتَّاب، ومن يسمونهم باحثين ومن على شاكلتهم، لكي ينضموا إلى هذا الركب الآثم.

أحمد الشحات

وباختصار يمكننا أن نُرجع سبب هذا الهجوم المكثف على دين الأمة في ذلك التوقيت إلى هدفين رئيسيين:
  • الهدف الأول هو: تجميع الجهود السابقة وترتيبها لتبدو في شكل منظم ومرتب.
  • الهدف الثاني: تشجيع أفراد جدد لكي يحذوا حذوهم، ويقتفوا آثارهم.
 
  • كيف تنظر إلى المكائد المتلاحقة على المجتمع المسلم؟ وهل ترى أنها حققت أهدافها؟
  • المكائد لم تتوقف، ولن تتوقف، هكذا قال ربنا -تبارك وتعالى-: {وَلَا يَزَالُونَ ‌يُقَاتِلُونَكُمْ ‌حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة: 217)، وقال الله -عز وجل-: {‌وَدَّ ‌كَثِيرٌ ‌مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (البقرة: 109)، فالعداوة باقية ومتجذرة، والقتال مستمر حتى قيام الساعة، وأنواع المواجهة مختلفة وكثيرة، ليس القتال في المعارك فقط، ولكن ميدان الغزو الفكري والمواجهة المنهجية ربما تكون في كثير من الأحيان أكثر شراسة وقوة، وهي مستمرة وباقية على الدوام، وهي الأكثر خطورة من وجهة نظرنا؛ لأنها ربما لا ينتبه إليها كثيرٌ من الناس، بينما حالة القتال والمواجهة العسكرية يتحفَّز لها الناس ويسهل عليهم أن يعرفوا أهدافها وأغراضها، لكن المواجهة الفكرية دائمًا ما تحتاج إلى تنبه ويقظة، وتحتاج إلى مَن يفنِّد ملامح هذه الحرب، ويبيِّن خطورتها، ويعرِّف الناس كيفية الرد والطريقة، وغير ذلك. أما عن كونها حققت أهدافها أم لا؟ فالأمر كما ذكرتُ، الحرب مستمرة.
والمعيار في ذلك: مدى تمسك المسلمين بدينهم، ومدى حرصهم على إقامة شريعة ربهم -تبارك وتعالى-، ومدى اليقظة والتنبه، والفهم لهذه الحرب وطبيعتها، أما إذا كان هناك نوع من الغفلة ونوع من عدم التنبه، فبلا شك سينالون منا ويحققون أهدافهم، كما يحدث في كثير من الأماكن وكثير من الأزمان.
  • ما الخطر الحقيقي الذي يترتب على وجود هذه الشخصيات والآراء المتطرفة الداعية إلى هدم الثوابت الإسلامية والتشكيك فيها؟
  • هناك العديد من الأخطار التي تترتب على وجود هذه الشخصيات من أهمها ما يلي:
  • الأمر الأول: أن هذا منكر وفساد، وطعن في الدين، وهذا ينذر بالهلاك والخراب وحصول البلاء، والعذاب من الله -تبارك وتعالى-، عندما يُفسح المجال لمثل هذه المنكرات، ومثل هذا الطعن في دين الله -تبارك وتعالى-، فإن هذا أمر لو استمر، فيوشك الله -عز وجل- أن يعم الناس بعذاب من عنده.
  • الأمر الثاني: أن هذا يؤدي إلى ازدياد هذه الجرأة من هؤلاء، وتجرئة غيرهم على الطعن والتشكيك، لأن هناك من الزنادقة والمنافقين وغيرهم من أصحاب الأهواء ممن يتمنون أن يفتح لهم المجال، وأن تفسح لهم الساحات لكي ينشروا هذه القاذورات الفكرية على عموم الناس.
  • الأمر الثالث: أن في ذلك خطرًا على الشباب وعلى دينهم؛ لأنهم عندما يطرق سمعهم أن فلانًا باحث ومفكر، ويجدون أن بضاعته كلها إنما هي الطعن في القرآن والسنة، ورواة الأحاديث، وغير ذلك، فقد يتأثرون بكلامهم، والشبهة إنما تدخل على بعض ضعاف النفوس أو قليلي العلم، ولا سيما مع شيوع الجهل، فبلا شك كل هذه مخاطر يمكن أن تترتب على هذه الأفكار والتيارات المشبوهة.
  • هل تعد تجمعات هؤلاء الطاعنين أمرًا جديدًا؛ من حيث الفكرة ونشأتها وأهدافها أم هي في الحقيقة امتداد لمحاولات السابقين؟
  • هؤلاء في الحقيقة لم يأتوا بجديد، لا في طريقتهم، ولا في طبيعة موضوعاتهم والشبهات التي يلقونها على الناس، ولكن هي محاولات، وهم لا يملون ولا يكفون عن المحاولة، لعل أحدها تصيب، ولعلها تحدث أثرها القبيح في الناس بعد حين، ورغم أنهم - كما ذكرنا - يكررون ما سبق من شبهات، ولا يأتون بجديد يذكر في هذا الباب، إلا أنه بلا شك وجود الأضواء والإعلام، و(السوشيال ميديا)، وغيرها من الأمور التي تساهم في الترويج لهذه الأفكار، ولا شك أن هذا يعطي الأمر خطورة أشد من ذي قبل.
  • هل هذه الأفكار المنحرفة سببها البعد عن الكتاب والسنة؟
  • هذه الأفكار إنما هي نتيجة لاستقاء الدِّين من مصادر غير أمينة، وتلقي هذا الأمر عن طريق كتب المستشرقين، وعن طريق المراكز الغربية التي تبث هذه السموم، وبعض أبناء المسلمين - لأسباب كثيرة - ربما اتجه إلى أخذ دينه والتعرف عليه من خلال هؤلاء ومراكزهم المشبوهة اغترارًا بالدعايات الكاذبة والواهمة التي تروج لهؤلاء، إما بعلم منه بتوجهاتهم أو دون علم، ثم تكون النتيجة المؤسفة أنه يصير معول هدم لدينه ومتنكرًا لتاريخه، وطاعنًا في كتاب ربِّه، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم .
ولا شك أن هذا نتيجة لعدم الدراسة للعلوم الشرعية من مصادرها الأصلية، أما بالنسبة لعموم الناس فكون أنهم لم يتحصنوا بالعلم الشرعي الواجب، ولم يعرفوا الأحكام الشرعية من مظانها، هذا ربما يكون سببًا في التأثر، والوقاية من هذه الأمور تكون عن طريق التمسك بالكتاب والسنة وفهمهما كما فهمهما السلف والعلماء عبر التاريخ.
  • هل لهذه التيارات المنحرفة علاقة بظهور فكر التكفير والتيارات الصدامية مع الحكومات والمجتمعات؟
  • السماح لهذه التيارات المنحرفة بالوجود في المجتمع يعطي مسوغا للتيارات التكفيرية لأن تنشر أفكارها المسمومة واتجاهاتها، أو مناهجها المنحرفة؛ لأن هذه التيارات المنحرفة والصدامية تقول للشباب: إذا كانت الدولة مسلمة كما تقولون، والمسؤولون يغارون على دينهم ويحافظون عليه، فلماذا يتركون مثل هؤلاء يبثون أفكارهم وسمومهم؟!
وهذا الكلام حق أريد به باطل؛ لأنهم أولًا يكفرون الجميع دون احتياج لوجود مثل هذا المركز أو وجود هذه التيارات، فليس وجود هذا المركز أو وجود التيارات العالمانية والمنحرفة هو السبب الذي يجعلهم يكفرون الحكومات والمجتمعات، بل لو فعلت الدولة والمسؤولون وغيرهم كل شعائر الدين دون أن يوافقوا على مناهج هؤلاء التكفيريين المنحرفة وأفكارهم التكفيرية، لصاروا في أعينهم كفارًا أيضًا، فلذلك نقول لهم: هذه كلمة حق أريد بها باطل. وفي المقابل: نحن دائمًا ما نناشد المسؤولين والجهات والمؤسسات التي ربما أحيانًا تقول: يُواجَه الفكر بالفكر مثلًا، أو: مناخ حرية الأفكار قد يكون من ضريبته أن نسمع أفكارًا غير مرضية، ولكن عليكم بالرد، فنقول: هذا الأمر في الحقيقة لا يستقيم أن يكون في بلاد المسلمين، نعم، نحن نرد ونواجه، ولكن لا ينبغي أن يُعطَى لمثل هؤلاء صفة رسمية بالمرور، حتى لا يظن أحدٌ أنهم مدعومون من جانب الدول والحكومات، أو المؤسسات الرسمية، وأن الدول الإسلامية تسمح بمثل هذا الطعن الواضح الصريح في الكتاب والسنة، وفي أئمة المسلمين.
  • كيف يمكن كشف أساليب هؤلاء المنحرفين وبيان ضلالهم ليحذرهم عوام الأمة ولا يغترون بهم؟
  • كشف أساليب هؤلاء ميسورة وسهلة - بحمد الله - لكلِّ مَن تعلَّم العلم الشرعي الصحيح؛ لأن هذه الشبهات لا تنطلي إلا على جهال الناس، ولا ينخدع بها إلا من قلَّت بضاعته في العلم الشرعي، لذلك نحن ننصح الجميع أن يتحصنوا بالعلم الشرعي، والأمر لم يعد من باب الرفاهية، ولا من باب حتى فروض الكفاية، بل هو فرض عين على كلِّ إنسان أن يحصِّن دينه، فإن هؤلاء الطاعنين دعاة على أبواب جهنم، يستهدفون تدمير الثوابت، والعبث بالأصول، والتشكيك في الدين، وصولًا في النهاية إلى مرحلة الإلحاد، أو اللادين، أو غيرها، ومن ثم لا بد للجميع أن يعلِّم نفسه، وأصحابه، وأبناءَه العلم الشرعي النافع على يد العلماء الثقات المتخصصين في ذلك حتى يقينا الله -عز وجل- شرَّ سموم هؤلاء.
 

واجب أهل العلم والدعاة إلى الله تجاه دعاة الفتنة

  • ما واجب أهل العلم والدعاة إلى الله تجاه دعاة الفتنة؟
  • واجب الدعاة والعلماء وطلبة العلم في كلِّ زمان ومكان، وفي كل وقت وحين هو: أن يعلِّموا الناس دين الله -تبارك وتعالى-، ويبصِّرونهم بحقيقة ما يحيط بهم من مؤامرات، وكيد ومكر، وفتن، ويردون على الشبهات، وهم بذلك بمثابة المصل الواقي في الأمة من الانحراف، ومن الانجراف إلى الفساد وإلى الضلال - والعياذ بالله -، لكن بلا شك مع ازدياد الهجمات على القرآن والسنة، وتضافر جهود المشككين، فلابد أن تزداد جهود المصلحين، ولا بد أن تتركز أكثر، ولابد أن تتخصص أكثر، ولابد أن يستحضر العلماء والدعاة الردود على الشبهات، وعليهم أن يضعوا البرامج العلمية، والمناهج الشرعية التي تنشر هذا العلم بين عموم الناس، فيجب على العلماء أن يتبنوا منهجية تبسيط العلوم، بمعنى: أن يصل إلى الناس أصعب العلوم بطريقة يفهمونها دون الدخول في تفاصيل مشتتة، ولكن لا يصلح الآن أن نقول: إن هذه علوم متخصصة ولا يستقيم إلقاؤها على عموم الناس، بل لا بد أن تنتشر في مساجدنا، وكل ملتقياتنا شرح أصول العلوم، وما يتعلق بالقرآن والسنة من تفاصيل، حتى وإن كانت بطريقة مبسطة ميسرة يفهمها العامي، لكنها ترد على الشبهات الأصلية التي يلقيها هؤلاء، والله -عز وجل- من ورائهم محيط.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك