الانحـراف في الإصــلاح ؟!
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
أما بعد : أسباب الانحراف في فهم الإصلاح وأولوياته وتصوراته، يرجع إلى ثلاثة أسباب:
السبب الأول: التأثر بمذاهب أهل البدع في الإصلاح، التي تقرر هذه المخالفات للكتاب والسنة المطهرة:
مثاله تأثر بعض دعاة التغيير والإصلاح: بمذهب الخوارج الذي يسعي إلى إسقاط هيبة السلطان والدولة ، والإنكار عليه علانية، والسعي في تأليب الناس عليه ، واستعمال المظاهرات ضده، أو للضغط عليه بغيره من الأسالييب، بل والسعي في خلعه وإزالته.
وهذا الطريق هو حقيقة مذهب الخوارج، القائلين بوجوب خلع الإمام بمجرد الفسق، وارتكاب الكبيرة؟! ولا يرون له عند ذلك حُرمة ولا طاعة، بل يستبيحون دمه؟!
وكثير من هؤلاء يقول بقول الخوارج أيضا في التكفير بالكبيرة، والقول بإزالة الحاكم الجائر أو الفاسق، أو يلمح به إنْ لم يصرح.
السبب الثاني: الخلل في فهم التشريع السياسي الإسلامي، وبناء التصور السياسي المعاصر على وفق المبادئ الغربية الإلحادية؟! من العلمانية والديموقراطية والقومية وغيرها؟!
فأساؤوا الظن بشريعة رب العالمين في هذا الباب أو جهلوها ؟! واعتقدوا ما يضادها؟! فمن الحكم لله عز وجل إلى تحكيم الأصوات؟
ومن سيادة الشريعة إلى سيادة الشعب أو الدستور؟! ومن العبودية لله سبحانه إلى الحرية الفردية المطلقة ؟!
ومن سعة وسمو الأخوة الدينية الإيمانية، إلى ضيق ونتن القومية أو الوطنية؟!
كل ذلك تأثراً بالتيارات الفكرية الغربية؟! ونظريات الليبرالية السياسية، أو إرضاء للقوى الخارجية، مقابل تمكينهم من السلطة!
حتى ظن هؤلاء وصرح بعضهم : أن تحقيق العدالة والحرية للجميع ، لا يتحقق إلا عن طريق الدولة المدنية والانتخابات؟! وحكم الشعب للشعب؟! ونسوا أن الحكم لله تعالى وليس للعبيد! أو تجاهلوا ذلك! وردّدوا ألفاظ الغرب والشرق في تأليه الإنسان (جعله إلها حاكما بما يشاء؟!)، وشعاراته البراقة بمعانيها الفارغة ، كالحرية والإخاء والمساواة؟!
وهي شعارات الماسونية، كما هو معلوم عند العامة والخاصة.
وصرنا نسمع من يحاول أن يسوّغ هذه الثقافات الغربية، ويلبسها لباس الإسلام؟! كما حصل مثل ذلك سابقا من بعض الكتاب الإسلاميين مع الشيوعية والاشتراكية.
وصرنا نسمع الدعوة إلى حرية الأديان؟ واحترام وقبول الآخر (من الكفار والمشركين) والتعددية الحزبية، والدولة المدنية، وتداول السلطة، حتى من بعض المنتسبين العلم والدعوة، والدعاة إلى التغيير والإصلاح الديني، نعوذ بالله من الحور بعد الكور.
وذهب بعضهم لطرح فكرة الملكية الدستورية؟! وهي محاولة التفافٍ على السلطة كما يقال، وتمكينٌ لليبرالية والعلمانية، بإظهار نوع من التنازل لها، كخطوة أولى، وحتى لا يظهر مشروع الإصلاح المزعوم بمظهر العداء المحض، ومؤسس هذه الفكرة هو الليبرالي الملحد: «جون لوك» وقد طرح هذه الفكرة لمواجهة الملكية الإنجليزية في زمانه ، وهؤلاء يسعون على خطى سلفهم من فلاسفةِ ليبراليةِ الغربِ ومنظريهم؟ّ!
فهل يجوز منازعة الحاكم، والمنافسة على السلطة والتقليل من مقامه باسم الديموقراطية؟! إذا علمنا أن الإسلام قد أوجب للسلطان على رعيته السمعَ والطاعةَ في غير معصية، وحرَّم الخروج عليه ما لم نر كفرًا بواحًا، عندنا من الله فيه برهان، كما ثبت في الحديث الصحيح!
بل وراء ذلك كله اتباع الهوى، والهوس في تولي السلطة، والطمع في زينة الدنيا وحطامها!
وقد قال تعالى: {فإنْ لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومنْ أضلُ ممن اتبعَ هواه بغير هدى من الله إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين} (القصص: 50 ).
وفي خضم هذه الأهواء والنظريات والسياسات البعيدة عن الشرع، والتطيبقات العقلية لها، تتلاشى الأولويات الشرعية؟ فلا نجد أثرا للدعوة إلى توحيد الله عز وجل والتوحُّد على ذلك ، والتجرّد لمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعظيم سنته، والتمسك بأحكام شريعته.
وطاعة ولاة الأمر من الأمراء والعلماء، واعتقاد وجوب السمع والطاعة لهم دينا، ولزوم جماعة المسلمين ، والمحافظة على عصمة الدماء والأموال والأعراض والنسل، بل أصبحت مظاهر المنكرات بل والكبائر في محل القبولِ لدى هؤلاء؟!
أو في محل التغاضي عنها، كالربا والفواحش والاختلاط والسفور والخمور من غير نكير، بل ضاعت عقيدة الولاء والبراء ، وهجران أهل البدع ، حتى المغلظة منها؟!
بل صرنا نرى النقيض من ذلك؟! فنرى موالاة أهل البدع، بل وأهل الكفر والإشراك أيضا؟! والتودّد لهم وإرضائهم، وفي المقابل نجد الطعن على أهل السنة ومنهاجهم وعقيدتهم؟! واللمز والهمز بالقواعد والأحكام التي قررتها الشريعة الغراء، ودرج عليها السلف الصالح ، كلزوم جماعة المسلمين، والإقرار بالسمع والطاعة للأئمة وإنْ جاروا، وكالعناية بالنصيحة لهم سراً، حتى وُصف ذلك بأنه رضى بالظلم؟! وتحطيم للأمة وإذلال لها؟! وسعى بعضهم للطعن في الأحاديث الدالة على ذلك وتضعيفها؟!
السبب الثالث: الخلل والجهل في تصور واجبات الحاكم نحو شعبه، والتأثر بالنظرة الغربية الشهوانية:
فقد اعتقد كثيرٌ من المسلمين أن مسؤولية الحاكم وولي الأمر الأولى هي: الفناء في توفير الراحة والرفاهية والترف للشعب ، وأسباب السعادة والمتعة، ومجانية العلاج والتعليم، لتحقيق الرفاهية والمتعة؟!
وهكذا توفير الوظائف والرواتب ، ورعاية المعوقين ونحوها ، والصحيح: أن هذا وإنْ كان مما يلزم الدولة بقدر إمكانياتها، لكنه ليس هو أول مسؤوليات الحاكم، ولا أولويات الدولة المسلمة المؤمنة، لا سيما إذا كانت الدولة فقيرة، وبعض ذلك وإنْ دخل في عموم المصالح العامة، فإما أنْ يكون مباحا يجوز السعي إليه، ويُؤخذ منه بقدر الحاجة والقدرة، وأما ما كان واجبا أو مستحبا فإنه ينظر إليه بحسب درجته بين الأولويات الشرعية.
وإذا كان العالم الغربي غالبه ملحدٌ أو بعيد عن الدين، ولا همّ له إلا متاع الحياة الدنيا، فما بالنا نحن المسلمون الذين أكرمنا الله بالإسلام وبشريعته الغراء، نجعل مقاييسهم ومفاهيمهم مقاييساً لنا ومفاهيم؟! ومبادىء في حياتنا وتعاملاتنا مع بعضنا؟! وفي إقامة مجتمعاتنا التي يجب أن تكون كما أراد الله عز وجل لنا، قال سبحانه: {كنتم خيرَ أمةٍ أُخرجتْ للناسِ تَأمرونَ بالمعروف وتَنهون عن المنكر وتُؤمنون بالله} ( آل عمران: 110).
وقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنْ تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم والذين كفروا فتعساً لهم وأضلّ أعمالهم ذلك بأنهم كَرهوا ما أَنزل الله فأحبط أعمالهم} (محمد: 7 – 9 ).
وأهم ما يتعلق بالمصالح الدنيوية يرجع إلى أمرين، ذكرهما شيخ الإسلام ابن تيمية، وهما:
1- قَسم المال بين مستحقيه بالعدل.
2- وردع المعتدين والجناة .
والمقصود: إعطاء الناس حقوقهم المالية، ودفع الشر والمجرمين عنهم وحمايتهم، وتكميل ذلك بتوفير الخدمات التي تيسر أمور حياتهم ومعيشتهم، والناس بطبيعة الحال إذا أعطوا الأمن والعدل، قاموا بتدبير شؤون حياتهم ، والتصرف فيها والتكسب بما يعود عليهم بالخير والرفاهية، والدولة تقوم بمعونتهم في ذلك بقدر الاستطاعة، وبما يوافق أحكام الشريعة، ولكن عدم الفهم الصحيح لهذه النقطة يساهم في وقوع الانحراف في فهم الأولويات في الإصلاح، وبالتالي اتهام الآخرين بالتقصير والإخلال.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم والله تعالى أعلم
لاتوجد تعليقات