رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 11 فبراير، 2014 0 تعليق

الانتماء الحقيقي للأوطان

     المحبة للأوطان والانتماء للأمة والبلدان أمر غريزي وطبيعة طبع الله النفوس عليها، وحين يولد الإنسان في أرض وينشأ فيها فيشرب ماءها ويتنفس هواءها ويحيا بين أهلها فإن فطرته تربطه بها فيحبها ويواليها، ويكفي لجرح مشاعر إنسان أن تشير بأنه لا وطن له، وقد اقترن حب الأرض بحب النفس في القرآن الكريم. قال الله - عز وجل -: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ } (النساء: 66)، وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح: عن عبد الله بن عدي بن حراء قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  واقفا جبال مكة فقال: «إنكِ لخيرُ أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجت منك ما خرجت». قال العيني رحمه الله: «ابتلى الله نبيه بفراق الوطن».

     ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم  أنه سيبقى مهاجرًا دعا بتحبيب المدينة إليه كما في الصحيحين وفي «صحيح البخاري»: أن النبي صلى الله عليه وسلم  كان إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته (أي أسرع بها).

     وإن من المغالطة الإيهام بالتعارض بين الوطنية بمفهومها الطبيعي وبين الإسلام، إن تصوير هذا التعارض ليس إلا حيلةً المستعمر الخبيث للنيل من الإسلام واستغلالًا للمحبة الغريزية للوطن لإيهام الناس بأن التمسك بتفاصيل الشريعة يعطل بعض مصالح الوطن، وذلك عبر مصادمة أحكام الشريعة بمطالب الوطنية.

     يجب ألا نسير بغفلة خلف الشعارات المستوردة والمصطلحات الدخيلة، التي تقسم الناس إلى فرق وطوائف تتباغض وتتناحر ويكيد بعضها لبعضا الآخر، ويفتح الباب واسعًا أمام العدو لتحقيق أهدافه ومراميه {وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (المؤمنون: 52).

ومن مقتضيات الانتماء للوطن: محبته والافتخار به وصيانته والدفاع عنه والنصيحة له والحرص على سلامته واحترام أفراده وتقدير علمائه وطاعة ولاة أمره.

ومن مقتضيات الوطنية: القيام بالواجبات والمسؤوليات كلٌّ في موقعه مع الأمانة والصدق.

ومن مقتضيات حب الوطن: احترام نظمه وثقافته والمحافظة على مرافقه وموارد الاقتصاد فيه، والحرص على مكتسباته وعوامل بنائه ورخائه، والحذر من كل ما يؤدي إلى نقصه.

إن الدفاع عن الوطن واجبٌ شرعي، وإن الموت في سبيل ذلك شهامةٌ وشهادة، وفي قصة الملأ من بني إسرائيل: غافر {قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا } (البقرة: 246).

     ولابد من قيام الكوادر الخيّرة من علماء ودعاة وفضلاء بدورهم المأمول في بث تلك القيم الفاضلة، والمثل العالية في أوساط المجتمع المسلم ودعوة الناس إليها من خلال المفاهيم الإسلامية الصحيحة، ووفق فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم.

ولا شك أن لذلك الانتماء لبلدنا الغالي حُقوقٌ وواجباتٌ، الوفاء بها مؤشر على صِدق الانتماء، وبرهانٌ على محبَّة الخير لها، ومن أهم الواجبات المَنُوطة بنا تجاه بلدنا :

     المحافظة على تديُّن المجتمع وصَلاحه، ونشْر الخير بين أبنائه، ومحاربة الفساد، وتجفيف منابعه قدْر الإمكان، فبلدنا قام على الإسلام، فالحرص على صَفاء الإسلام ونقائه مسؤوليَّة مشتركة بين الجميع؛ حكَّامًا ومحكومين، عُلَماء ومعلِّمين، دُعاة ومربِّين.

ليس من الوطنية أن تتحوَّل بعض وسائل الإعلام إلى وسيلة هدْم للقِيَمِ والأخلاق، والتشتُّت والافتراق، بعيدة عن هُموم مُواطِنيها، ومشاريع الإصلاح في بلدها.

ومن حُقوق الوطن على أهله: الإخلاص في العمل، والصدق في أداء أمانة الوظيفة، والانضباط بالأنظمة التي فيها المصلحة والمنفعة العامَّة.

     ومن واجبنا تجاه وطننا ترسيخُ القِيَم الاجتماعيَّة؛ حتى يعيشَ ذلكم الوطن لحمةً واحدةً، مُتعاوِنين مُتَآلِفين، يُعطَف فيه على الصغير، ويُوقَّر فيه ذو الشَّيبة، وتُسَدُّ فيه الفاقة، ويُواسَى فيه المحروم، ويُناصَح المُخطِئ، ويُسعى فيه لقَضاء حاجات المحتاجين؛ حتى يكونَ المجتمع بعد بذلك كالبُنيان يَشُدُّ بعضه بعضًا.

     وأخيرًا فإن من أشدُّ الناس نفعًا لبلدهم والوطن هم أولئك الرجال الذين بذَلُوا أموالهم وأوقاتهم في دعْم أعمال البر ومشاريع الخير التي ينتفع بها أبناء البلد، فهؤلاء من حقِّهم علينا أنْ يُدعَى لهم، ويُذكَر أثرُهم ومَآثِرُهم على البلاد والعباد.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك