الانتخابات ومتطلبات المرحلة المقبلة – أهمية المشاركة في الانتخابات سواء بالترشّح أم بالانتخاب
المشاركة في الانتخابات بالترشّح وكذا التصويت هو الخيارُ الأصْوب، وفيه تحقيق المصلحة العامة للبلاد، وللمسلمين جميعًا، وذلك بتقديم الرّجل الصّالح القويّ، ذي الكفاءة والخِبرة والعِلم، الذي يسعى في خِدمة بلاده بإخلاصٍ واجْتهاد ومُثابرة، ويقدم المَشورة بأمانة، وينتفع به الناس في دينهم ودنياهم، وهذا وإنْ كان هو الخيار الأصْوب، لكنّه الخيار الأصْعب، فهو خيارُ المُشَاركة البنَّاءة، وخيار المُشَاركة النزيهة، وخيارُ المشاركة المستقيمة على الكتاب والسُّنّة المطهرة، بفهم سلفِ الأمة وفِقهها، وهذا ما رآه علماؤنا الأفاضل بنَظرهم الثاقب، وعلمهم الواسع، وخبرتهم الطّويلة، كالشيخ العلامة عبدالعزيز ابن باز، والعلامة الألباني، والعلامة ابن عثيمين، رحم الله الجميع.
خيرٌ من الابتعاد والعزلة
وهو خيرٌ لأهلِ الصّلاح والإصلاح والدعوة مِن الابتعاد أو الاعتزال، وترك هذا المجال وشأنه، نظراً لما يراه بعض الناس فيها مِنْ فتنٍ ومتاعب وإشكالات، وأضْرار نفسية، وذلك لمَا يترتّب على المشاركة في الترشّح والانتخاب؛ منْ مصالح دينيةٍ شرعيّة عظيمة، ومصالح دنيوية، وأمرٍ بالمَعْروف، ونهي عن المُنْكر، ووقوف في وجْه التّيارات المُنْحرفة المختلفة، المُعادية للحقّ، وللإسْلام الحق، والمُضادّة للأخلاق والقيّم الإسْلامية، فقد قال الله -تعالى-: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104)، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (النساء: 135).
تقليل المفاسد
فالنائبُ وإنْ كان لا يستطيع دَرْأ المَفاسد كلّها، لكنّه يُساهم بتقليلها قدْر اسْتطاعته، لكنْ هذا الأمر يَحتاج إلى الصّبر والمثابرة والمُجاهدة، والاتّصال بأهلِ العلم والخِبرة، والتواصل معهم دوماً، وعدم التّفرد بالرّأي والقَرار، كما يحدث أحيانًا.
النهي عن طلب الإمارة
الشخصُ لا ينبغي أن يُقدّم نفسه التّرشيح، لنَهي النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل عن طلبِ الإمَارة والمَنْصب، إنّما تختاره وتقدّمه الجماعة الصّالحة مِنْ إخوانه، بعد التشاور والنّظر فيما بينهم، وقد قال أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه -: «قلتُ يا رسُولَ الله؛ ألا تستعملني؟ قال: فضَربَ بيده على منكبي، فقال: «يا أبَا ذَر، إنّك ضَعيفٌ، وإنَّها أَمَانة، وإنّها يومَ القيامة خِزْيٌ ونَدامة، إلا مَنْ أخَذَها بِحقّها، وأدّى الذِي عليه فيها». رواه مسلم. ومعنى «أخَذَها بِحقّها»: أي: دونَ أنْ يَطْلبها.
وفي هذا المجال أيضاً حديثٌ آخر: فعن عبدالرحمن بن سَمُرة - رضي الله عنه - قال: قال لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا عبدَ الرَّحمن، لا تَسْأل الإمَارة، فإنّك إنْ أُعْطِيتَها عن مَسألةٍ وُكِلتَ إليها، وإنْ أُعْطِيتها دُونَ مَسألةٍ أُعِنْتَ عليها». رواه البخاري. ومعنى «وكلتَ إليها»: لا يُعنيك عليها أحَد. ففي العبارة الأولى تَحْذير، وفي العبارة الثانية تبْشير، فإذا كان الرجلُ يسعى إلى الإمارة، ويَحْتال لها، ويبذل الجُهد لها، ويتقدّم لطلبها، ولو بوسائل مُلْتوية ومُحرّمة، ويعدها حقّاً منْ حقوقه، فإنّه بمقتضى هذا الحديث؛ لنْ يعان عليها لو أخذها، ويجب علينا نحنُ ألا نقبل مِنْ أحدٍ أنْ يُرشّح لنا نفسَه بنفسه.
ونبشر الإخوة الذين يُكلّفون بها مِنْ غير طَلَبٍ منهم لها، ومنْ غير حِرْصٍ منْهم عليها، أنّهم مُعانون عليها، أي: الله -تعالى- هو المُعين لهم عليها، فَضْلاً عن بقية إخوانهم الذين هم الذين قدّموه.
انْتخابُ الرجل الصّالح
يجبُ أنْ يكونَ هذا الاختيار على أساس الصّلاح والكفاءة، لا لأجْل القرابة، أو المعرفة والصّحبة، أو المحبّة، أو المَصلحة الشخصية، فإنّها منَ الشّهادة التي يُسأل عنها العبد يوم القيامة، كما قال الله -تعالى-: {سَتُكتبْ شهادتُهم ويسألون} (الزخرف:19)، ويَحْرم أخذ المقابل على التّصويت، منْ مالٍ، أو هديةٍ، أو قضاء حاجة، أو إنجاز معاملة، فكلّه مِنْ قبيل الرشوة المُحرّمة، وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لَعنَ اللهُ الرَّاشي والمُرْتَشي». رواه أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه .
لاتوجد تعليقات