الانتخابات البريطانية وأثرها على العالم العربي والإسلامي
جرت في السابع من هذا الشهر الانتخابات البريطانية، وقد اسفرت عن فوز واضح لحزب المحافظين على غريمهم التقليدي حزب العمال، ولكن التاريخ يؤكد أنه خلال العقود الثلاثة الماضية فاز المحافظون على مدى 18 عاما من الفترة 1979وحتى 1997 بالمرأة الحديدية (مارجريت تاتشر) وخلفها (جون ميجور)، ثم فاز حزب العمال على مدى 13 عاما من 1997 حتى 2010 (بتوني بلير) و(جوردن براون)، ثم الخمس سنوات الأخيرة فاز حزب المحافظين عام 2010 برئيس الوزراء الحالي (ديفيد كاميرون) الذي يعد أصغر رئيس وزراء، وهاهو ذا يفوز الآن بالولاية الثانية، ويعد مسلمو بريطانيا أن هذه الانتخابات مهمة لهم، وبالتالي يقومون بدراسة برامج الأحزاب المؤثرة لاستجلاء مواقفها ورؤاها حول قضايا الرئيسية وهي قضية فلسطين وكراهية المسلمين وإلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين، مع وجود رغبة باستثمار أصوات المسلمين استثماراً واضحاً.
حزب المحافظين ولاية ثانية
انتزع حزب المحافظين ولاية ثانية بفوزهم بأغلبية بسيطة جدا تبلغ 51% من عدد مقاعد البرلمان؛ حيث حصل على 331 مقعدا من 650 مجموع مقاعد مجلس العموم البريطاني بعد أن كانت 306 في 2010، لكنها تؤهله لتشكيل الحكومة منفردا، وقد خسر منافسة التقليدي حزب العمال خسارة كبيرة، فقد بلغت مقاعده 232 مقعدا، وكانت عام 2010 تبلغ 258 مقعدا،
المفاجأة الأبرز
يقول د. فايز بن عبدالله الشهري في مقالة بعنوان(فوز المحافظين ماذا يعني لنا ولأميركا والعالم؟!): نشرت في جريدة الرياض (11/5/2015) : «ولم تكن هذه النتيجة المفاجأة الأبرز، ولكن الصدمة التي لفتت الأنظار وصعقت حزب العمال (المنافس الرئيس) بشكل خاص هي حصول القوميين الأسكتلنديين (يدعون لاستقلال أسكتلندا) على 56 مقعدا من أصل 59 في أسكتلندا وفوز مرشحتهم الطالبة ذات ال20 ربيعا (ميري بلاك) على المرشّح (دوغلاس ألكسندر) أحد أهم قيادات العمال». ويقول الشهري: «ومع أن الفروق الأيدلوجية بين الأحزاب الرئيسة في بريطانيا لم تعد واضحة الملامح أمام العامة إلا أن المحافظين ظلوا عموماً في (يمين الوسط) منددين تنديداً غير مباشر بالوحدة الأوروبية وملوحين بأن الانضمام لمنطقة اليورو سيخضع لاستفتاء عام سنة 2017. ولعلّ من أهم ثمار فوز المحافظين بــ 331 مقعدًا من أصل 650 مقعدا في مجلس العموم البريطاني تمكين (لديفيد كاميرون) من تشكيل حكومة أغلبية لا يحتاج معها إلى الشراكة الهشة التي كان أنشأها مع الديمقراطيين الأحرار في الفترة الماضية التي لم يسلم من الانتقاد من خلالها».
ماذا يعني فوز المحافظين
ويتساءل د. الشهري: ماذا يعني فوز المحافظين في المملكة المتحدة بخمس سنوات قادمة من الحكم؟ ثم يجيب: «من المعروف تقليديا أن المحافظين ليسوا أصحاب مغامرات ولا يسعون كثيرا إلى الشعبويّة وتهييج الجماهير كما هي الحال مع العمال والديمقراطيين (في الولايات المتحدة). وبالنسبة للولايات المتحدة في ظل (أوباما) الديمقراطي فإن فوز المحافظين في بريطانيا سيضيف تعقيدا أكبر في تفهّم بعض سياسات الولايات المتحدة الخارجيّة ولاسيما وأن الديمقراطيين الأمريكيين سيضطرون للحركة مع حكومات غربيّة أخرى تتسم بالمحافظة ويقودها محافظون يمينيون إلى حد ما مثل (ستيفن هاربر) في كندا و(توني ابوت) في أستراليا إلى أن نصل إلى (جون كي) في نيوزيلندا.
حروب الديمقراطيين
وعلى الرغم من الصورة (الديمقراطيّة) المتسامحة التي يروّجها الديمقراطيون عن سياساتهم إلا أن التاريخ يحفظ أن الديمقراطيين خاضوا باسم الأميركيين الحربين الغربيتين (العالميتين) الأولى والثانية وكذلك الحرب الكوريّة وحرب فيتنام، وتلخيصا لهذه الحالة المتناقضة يردّد بعض الأميركيين عبارة «الجمهوريون قد يحبون الحرب، لكن الديمقراطيين هم من يخوضها». وفي حال نجاح (هيلاري كلينتون) الديمقراطيّة في الانتخابات الرئاسيّة العام القادم (2016) وهو احتمال مرجح، فقد يعني هذا المزيد من الفوضى في الشرق الأوسط وبشكل آخر ترك الأوضاع تتدهور أكثر دون حسم.
الجالية المسلمة
وفي تقرير للجزيرة أشارت فيه إلى «حث زعماء المسلمين في بريطانيا الجالية المسلمة على الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع في الانتخابات العامة المقررة، وعدوها فرصة نادرة لإحداث تغييرات إيجابية»؛ حيث يمثل المسلمون نحو 5% من سكان بريطانيا، ويشكلون نحو 20% من الناخبين في 26 دائرة انتخابية في إنجلترا و(ويلز) وحدهما ولا يشارك كثير منهم في العملية السياسية ولم يصوت نحو 47% من أبناء الجالية المسلمة في بريطانيا في الانتخابات العامة الماضية عام 2010، لكن زعماء الجالية يحثونهم على الإدلاء بأصواتهم واختيار ممثلين لهم في البرلمان.
الصوت المسلم
وبيَّن تقرير الجزيرة إلى اعتقاد «ممثلي الجالية المسلمة بأن الصوت المسلم مهم ويجب استخدامه للضغط على الأحزاب الرئيسة بهدف تحقيق مصالح أبناء الجالية من التعليم والصحة والسكن اللائق إلى جانب التصدي لليمين المتطرف المعادي للمهاجرين وعلى رأسهم المسلمين».
ورغم الانتقادات التي توجه لبعض السياسيين البريطانيين باستخدام المسلمين والمهاجرين ذريعة للشهرة, فإن الأحزاب الرئيسة الكبرى في البلاد أصبحت تحسب حسابا للصوت المسلم.
(الإسلاموفوبيا)
ويشير التقرير أيضا إلى أن (الإسلاموفوبيا) تتصدر أجندة مسلمي بريطانيا؛ حيث يعدونها من أهم القضايا التي تتهدد وجودهم، ولاسيما عقب حملة التحريض التي قادتها وسائل إعلام يمينية ضدهم خلال السنوات الماضية، كما ينشغل مسلمو بريطانيا بتصاعد القلق من انعكاسات ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية على الجاليات المسلمة بأوروبا، والمسلمون يستطيعون بمشاركتهم الإيجابية في الانتخابات تعطيل قوانين تستهدفهم أو تزيد من تنامي هذه الظاهرة، ووفق المنشورات، تعهد حزب العمال بالسعي لإنشاء وحدة لتسجيل ورصد الجرائم التي ترتكب بسبب الكراهية للمسلمين والعمل مع الشرطة للتصدي لها، ومواجهة الحملات التي تستهدفهم، وفي محور الصراع العربي الإسرائيلي، تعهد بالعمل على تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة، وأكد على التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان بالخارج. أما حزب المحافظين فتعهد بمراجعة التشريعات فيما يتعلق بجرائم الكراهية والتنويع في الأقليات المجندة بالشرطة، وحفظ حق المسلمين في المنتجات الحلال، ودعم حل الدولتين في فلسطين المحتلة.
لاتوجد تعليقات