الالتزام المؤسسي في العمل الدعوي
من مواصفات رجل الدعوة الرجولة في الصبر والمثابرة والجَلَد والمرابَطة وبذل الجهد والتضحية بالوقت والمال والنفس والراحة
ليعلم كل واحدٍ منا أنه على ثغر من ثغور الإسلام وفرض من الفروض الكفائية؛ فليحذر أن يؤتى الإسلام من قبله
من أهم صفات رجل الدعوة علوّ الهِمّة وعدم التخاذل أو التهرّب من المسؤولية أو إلقائها على غيرِه، وليعلم أن تكرار الاعتذار عن الأعمال والقعود من صفات المنافقين
هذه رسالة إلى كل من يعلم معنى العمل الجماعي والعمل المؤسسي ومشروعيته وثمرته وآدابه، ومعنى انتمائه للمؤسسة الدعوية ولوازم ذلك وتَبِعاته المترتبة عليه، بأنه ينبغي التحلي ببعض الصفات المهمة منها على سبيل المثال لا الحصر:
الأمانة والمسؤلية
تحمّل الأمانة والمسؤلية، وليعلم أن العمل للدين مسؤلية وشرف قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.
الحماسة والحُرقة
الحماسة والحُرقة على الدين والغيرة، والشعور بالقضية وآلام الأمة الإسلامية، وأن العمل للإسلام جزء من إيمانه، وأن يملأ عليه فكرَه وهمّه، ويشغل حياته، فعمر] وهو نائم يومًا في وقت القيلولة طرق عليه الباب في وقت لم يعتَدْه، فقام فَزِعًا يفتح الباب، فأول ما طرأ على فكره وقلبه: «أدَخَلَتْ غَسّان؟» وهو نائم يفكر في ثغور الدولة الإسلامية وحدودها وحروبها مع أعدائها والجهاد في سبيل الله، وقد كانت غَسّان تعاون الروم في الناحية الشمالية من ناحية (تبوك) المهدِّدة لحدود الدولة الإسلامية.
الجِدّية في الالتزام
الجِدّية في الالتزام وأخذ الدين بقوة، ليس بتوانٍ ولا كسلٍ ولا فُتور، قال تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} وقال: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ}، وقال: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، وقال: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}؛ فبعضهم عنده سلبية ولا مبالاة قاتلة.
السرعة والدقة
السرعة والدقة في إبلاغ التكاليف المطلوبة المنوطة بك وتنفيذها، وليعلم كل واحدٍ منا أنه على ثغر من ثغور الإسلام وفرض من الفروض الكفائية؛ فليحذر أن يؤتى الإسلام من قبله، ولا يتوقف الأمر على تغاير أحواله بين عُسر ويُسر ومَنْشَط ومَكْرَه، وما أَحَبّ وما كَرِه، شريطة أن يكون فيما هو طاعة لله وتعاون على البر والتقوى، فاذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة؛ قال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ»، وقال: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
الصبر والمثابرة
الرجولة في الصبر والمثابرة والجَلَد، والمرابَطة وبذل الجهد والتضحية بالوقت والمال والنفس والراحة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا}، وعدم الاستسلام للعقبات أوالمعوقات والتغلب عليها، قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}.
علوّ الهِمّة
علوّ الهِمّة، وعدم التخاذل أو التهرّب من المسؤولية أو إلقائها على غيرِه، وليعلم أن تكرار الاعتذار عن الأعمال والقعود من صفات المنافقين كما ذكر في سورة التوبة: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ}، {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا}، {ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ}.
الصِّدْق
الصِّدْق، وألّا يَمنّ على الله بعمله، وليحذر أن يتخلى عن موقعة فيقع تحت طائلة الآية: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوْا بِهَا بِكَافِرِيْنَ} وآية: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.
الإرادة والعزيمة
قوة الإرادة والعزيمة، وقوة التحمّل، قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}.
الإخلاص
الإخلاص وأن يبتغي بعمله وجه الله، ولايبتغي الشهرة والمكانة؛ فهو الخفي التقي الذي إن حضر لم يُعرف وإن غاب لم يُفتقد، فهو الجندي المجهول، قال صلى الله عليه وسلم : «طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعَنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ، طُوبَى لَهُ، ثُمَّ طُوبَى لَهُ».
العمل في صمت
يعمل في صمت، يُحسِن العمل، ولا يكثر الكلام والجدال والتحليل والانتقاد؛ فهو جزء من الحل وليس جزءًا من المشكلة، ولا يكثر الشكوى، يعلم دوره جيدًا ويقوم به، ولا يبحث عن الحلول من خارجه وماليس في وسعه، ويبدأ بنفسه.
يعمل بوسعه وطاقته
يفكر فيما هو في وسعه وطاقته وقدرته، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، قال الشيخ السعدي في تفسير قوله تعالى في سورة التوبة: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} من أحسن فيما يقدِر سقط عنه ما لا يقدر ووفّقه الله إلى ما لا يقدر، ومن عمل بما علم رزقه الله علم مالا يعلم، قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}، وإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه، وأن يحسنه ويؤديه بقدر الإمكان على الوجه الأمثل والأكمل.
عدم العجز
استفراغ الوُسع والحرص وعدم العجز، قال صلى الله عليه وسلم : «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ»، وقال: «إِنّمَا النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لاَ يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً»، وقال عمر رضي الله عنه : «اللهم إني أشكو إليك جَلَدَ الفاجر وعجز الثقة».
الأولويات العامة
تقديم الأولويات العامة والمصلحة العامة على الأولويات والمصالح الخاصة.
استشعار المسئولية
أن يستشعر كل واحد في الكيان أنه مسؤول عن نجاحه، والإحساس بالهَمّ الجمعي والمسؤولية عن نجاح كل عمل وكل جلسة، حتى وإن لم يكن مكلفًا بها، فانظر إلى ربعيّ بن عامر رضي الله عنه عندما سأله رُسْتُم ملك الفرس: ما الذي جاء بكم؟ فقال له: «نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة»؛ شعوره أنه مسؤول عن هذا الدين ولم يقُل رسول الله، ولا أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه، ولم يقل سعد ابن أبي وقاص أمير الجيش في القادسية.
أذكر مثالًا واحدًا من سيرة النبي صلىالله عليه وسلم في غزوة الأحزاب عندما قال صلى الله عليه وسلم: «من يأتيني بخبر القوم وله الجنة»؟ فلم يقم أحد، وكرر الكلام والطلب مرات، وسط صعوباتٍ وبرد شديد وجوع وظلام ورياح وحصار من عشرة آلاف من الأحزاب، وخوف وزلزلة للقلوب؛ فقال النبي صلىالله عليه وسلم : «قُم ياحذيفة». انتهى الأمر بتكليف محدد واضح، تعين الأمر عليه؛ فلا مناص ولا مفرّ ولامجادلة ولا اعتراض ولا مناقشة، فلم يقل: لماذا أنا؟ لماذا لايخرج فلان؟ ولكن استعان بالله وأخذ بالأسباب وتوكل على الله وقام بتنفيذ المهمة، ثم أصبح كاتم سر النبي صلىالله عليه وسلم ويعلم أسماء المنافقين.
لاتوجد تعليقات