رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد كامل الشريف 30 يوليو، 2019 0 تعليق

الاستمثال والتربية بالحب


يولد الواحد منا في هذا العالم ولا يعلم شيئا، وبالتدريج يشتد عوده، وتقوی حواسه، وينمو إدراكه، فيبدأ بتكوين فكرة عما حوله. ويمر الطفل في سنواته الأولى بمرحلة يكون فيها ضعيفا ومعتمدا على والديه اعتمادا كبيرا، فيستمد منهما الغذاء إذا جاع، والماء إذا عطش، والدفء إذا برد، والأمن إذا خاف، والمعونة إذا عثر، فهما بالنسبة له كل شيء. إنهما أكبر منه، وعليه أن ينظر إلى أعلى حتى يراهما، هما قويان يحملانه بسهولة، فيرى العالم وهو على يديهما من منظور جديد، يرى ما حوله أشياء غامضة مجهولة كثيرة، فيسأل والديه فيجيبانه، أمي وأبي إذا يعرفان كل شيء، ويقدران على كل شيء، أليسا يقدمان لي كل ما أحتاج إليه؟ أليسا يجيبان عن أسئلتي كلها؟

فتقول البنت في نفسها: ما أجمل أن أكون مثل أمي!

ويقول الصبي في نفسه: ما أجمل أن أكون مثل أبي!

صورة ذهنية

     وهكذا تتكون في ذهن الطفل صورة للرجل الأمثل هي صورة أبيه، وصورة للمرأة المثلى هي صورة أمه، وتتولد الرغبة في أعماق نفس الصبي لأن يكبر حتى يكون مثل أبيه، مثله في كل شيء، وتتولد الرغبة في أعماق نفس البنت لتكون مثل أمها، مثلها في كل شيء. عند ذلك يقولون في علم النفس: إن عملية نفسية اسمها الاستمثال قد تمت في البنت وفي الصبي.

معنى الاستمثال

     البنت استمثلت أمها، والصبي استمثل أباه، أي: اتخذ كل منهما والده الذي من جنسه مثالا له، فتراه مدفوعا بشعوره إلى أن يصوغ نفسه على مثاله ومنواله، ويبدأ ذلك في الطفولة برغبة البنت في تقليد أمها في كل شيء، في لبس ملابس أمها الكبيرة، أو المشاركة في عمل أمها في المطبخ، أو رعاية دميتها كما ترعى أمها أخاها الصغير، أو حتى استعمال أدوات الزينة كما تستعملها أمها.

الرغبة في التقليد

كما يبدأ الأمر في الطفولة أيضا برغبة الصبي في تقليد أبيه في كل شيء، في ارتداء ملابسه، أو قيادة سيارته، أو في محاكاة مهنته إن كان قد اطلع عليها.

إدراك الواقع

وتتقدم السنون بالطفل، ويكتشف أن والديه يعرفان الكثير، لكنهما لا يعرفان كل شيء، ويكتشف أن والديه قادران على الكثير، لكنهما غير قادرين على كل شيء.

     ويبدأ الطفل في إدراك الواقع أكثر.. ويذهب الطفل إلى المدرسة فيحتك ببالغين آخرين من معلمين ومعلمات، ويبدأ بملاحظة صفات الكبار الآخرين، ومزاياهم، وملاحظة الفوارق بين المعلمة وبين أمه، وبين المعلم وبين أبيه، عندها تهتز الصورة التي كونها الطفل عن المرأة المثلى التي كانت نسخة عن أمه، وتهتز الصورة التي كونها عن «الرجل الأمثل التي كانت نسخة عن أبيه.

حب النفس

     ونحن مفطورون على أن نحب لأنفسنا أحسن شيء، وأفضل شيء، وأمثل شيء؛ فإذا مالاحظ الطفل -صبيا كان أم بنتا- صفة في معلمته ليست في أمه، وبدت هذه الصفة رائعة في نظره، فإنه دون شعور منه يضيفها إلى صورة أمه التي في ذهنه، لتصبح صورة المرأة المثلى في ذهنه صورة أمه مضافا إليها تلك الصفة؛ التي أخذها من معلمته، أي: تبدأ تلك الصورة بالتعديل، وهكذا كلما التقى الطفل بامرأة غير أمه فيها مزية، أو صفة أعجبته ليست في أمه عدل في صورة المرأة المثلى، التي في ذهنه بمقتضى ذلك.

الرجل المثالي

ويحدث الشيء ذاته عندما يلتقي الطفل برجل غير أبيه (معلمه مثلا) ويرى فيه صفات تعجبه لا يراها في أبيه فيحوِّر، ويعدل في صورة (الرجل المثالي) في ذهنه، فيضيف إلى صورة أبيه التي كانت النموذج قبل ذلك.

المرأة المثالية

     ومن جهة أخرى، قد تشتمل صورة المرأة المثالية في ذهن الطفل على صفات رآها في رجل، وقد تشتمل صورة الرجل المثالي في ذهنه على صفات رآها في امرأة، فقد تستمثل البنت أباها في صفة من صفاته لم تجدها واضحة في أمها، وأعجبتها في أبيها أكثر، فتدمج البنت هذه الصفة بصورة المرأة المثالية التي تود أن تصبح مثلها، ومثال ذلك أن تعجب البنت بصفات أبيها القيادية في البيت، ودوره كآمر ناه، بالمقارنة مع أمها التي ربما كانت شخصيتها ضعيفة، خضوعة، معتمدة على الآخرين.

     وكذلك الحال بالنسبة للصبي؛ الذي قد يعجب بصفة في أمه أوضح، فيدمج هذه الصفة في تصوره للرجل الأمثل؛ الذي يحلم أن يكون مثله يوما ما، ومثال ذلك أن يعجبه من أمه أسلوبها الرحيم ورعايتها له بالمقارنة مع أبيه ؛ الذي قد يكون قاسيا معه، لا يظهر له الحب والحنان.

اقتباس الصفات

     لكن على ما يبدو، يكون اقتباس البنت لصفة من صفات أبيها، أو أي رجل آخر، وإضافتها إلى تصورها على المرأة المثلى أصعب بكثير من اقتباس الصفات من أمها، أو من النساء الأخريات، وكذلك يكون اقتباس الصبي لصفة من أمه، أو من امرأة أخرى أصعب بكثير من اقتباسه الصفات من أبيه، أو من رجال آخرين.

تقوية الاستمثال

     وهذا يقودنا إلى الكلام على الأمور التي تقوي عملية استمثال طفل لأمه، أو لأبيه، أو لغيرهما من الكبار، فمعرفة ما يقوي هذا الاستمثال وما يضعفه مهم لتربية أولادنا على الإسلام؛ إذ لو حرصنا على التخلق بأخلاق الإسلام في شؤوننا كلها مع أطفالنا، وفي الوقت نفسه استطعنا أن نجعل استمثالهم لنا على أشده، فإن أخلاق الإسلام ستصير جزءا من تصورهم للمرأة المثالية والرجل المثالي الذي تتوق أنفسهم إلى التشبه بها، وتحقيقه في أنفسهم، كل بحسب جنسه.

ضعف الاستمثال

وبالمقابل فإن كانت هنالك عوامل تضعف استمثال أولادنا لنا، وبالتالي تجعلهم يستمثلون آخرين غيرنا ربما كانوا بعيدين عن أخلاق الإسلام وهديه، فإن عدم انتباهنا لتلك العوامل يهدد تربيتنا لأولادنا على الإسلام تهديدا كبيراً.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك