الاستقرار المتأرجح في كينيا فــي ظــل تزايــد الإرهـــاب
لم تكن الحكومة الكينية بمأمن عن حلبة الصراع الدائم من هجمات الجماعات المتشددة التي تعانيها ليس كينيا فحسب بل دول شرق أفريقيا في الأونة الأخيرة، ولاسيما بعد أن تورطت الحكومة الكينية في إعطاء جيوشها الضوء الأخضر لاجتياح حركة الشباب المجاهدين في الصومال التي عزاها المراقبون الكينيون أنها خطر محدق على الأمن القومي للبلاد.
وطبعا لم يحم تدخل الجيش الكيني في الأراضي الصومالية بذلك الغرض أمنها القومي بل ازدادت الشعلة لهيبا وتوهجا؛ حيث أصبح هذا الدخول عاملا غيّر مسار الأمن الكيني إلى الحضيض، وكما يقال: «لا ترم حجرا إذا كان بيتك من زجاج» فبدا الأمن في كينيا يتدهور بعد تلك اللحظة الفارقة، وكان من أصعب ما مرّ على الكينيين هجوم مجمع (ويست غيت) في 21 سبتمبر عام 2013 الذي تبنت حركة الشباب مسؤوليته والذي راح ضحيته زهاء 100 شخص وإصابة عشرات الآخرين، وأصبح فيما بعد ضربة قاصمة للاقتصادي الكيني؛ حيث كان (ويست غيت) مصدرا مهما من مصادر الاقتصاد التي كان يعتمدها البلاد.
فجأة دوت طلقات الرصاص في أرجاء المركز التجاري الشهير ووسط الصرخات والأدخنة والدماء شهدت العاصمة الكينية نيروبي،الجزء المضيء من القارة السمراء هجوما عنيفا يعد من أعنف الهجمات التي تلقتها كينيا من قبل حركة الشباب المجاهدين. وكان لاختيار التوقيت والهدف مغزاه الواضح. فالهدف كان مركزا تجاريا شهيراً (ويست غيت مول) يتدفق عليه ألاف الأثرياء من الكينيين والسائحين الأجانب والدبلوماسيين, متلازما مع افتتاح أعمال الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ حيث يجتمع قادة دول العالم في مقر الأمم المتحدة بنيويورك لمناقشة أبرز القضايا والأحداث الدولية.
لكن المفارقة العجيبة أن أجهزة الاستخبارات الكينيية تعد هي الثاني في العالم من حيث القوة والاستطلاع واكتشاف النوايا، ومع ذلك هناك فراغ أمني واسع النطاق أرجع المراقبون سببه إلى الفساد المستشري في أروقة الحكومة الكينية؛ مما أدى إلى تعرضها إلى هجمات إرهابية لا تبقي ولا تذر، تحصد الأرواح، وتستهدف أرقى التجمعات، والغريب أيضا أن الأمن الكيني يتلقى تحذيرات من قبل وكالات أمنية قبل وقوع أي هجوم تشير إلى أن هناك هجمات وشيكة، وبخصوص هجوم مجمع (ويست غيت) حيث وصل إلى الشرطة الكينية قبل أيام من وقوع الحدث معلومات من قبل وكالات الأمن تنوه عن هجمات وشيكة خلال ثلاث مناسبات على الأقل في العام قبل وقوع الهجوم حسبما ذكر (ندونجو جيثينجي) رئيس لجنة الدفاع والعلاقات الخارجية الذي أجرى تحقيقات في الهجوم، وقال (جيثينجي): «اكتشفنا أنه كانت هناك معلومات عامة قدمت لا تشير بالتحديد إلى (ويست غيت )وأن هذه المعلومات إما أنها لم تلق اهتماما أو لم يبذل الحد الأدنى من الجهد في التعامل معها». وحدث بعد أيام ما هو غني عن التعريف والبيان.
في آخر شهر فبراير شباط الماضي وضعت قوات الأمن الكينية في حالة تأهب قصوى بعد أن حذرت جهات استخباراتية غربية في نيروبي من وقوع ما أسمتها بـ«هجمات إرهابية وشيكة» ضد مقر البرلمان الكيني، ومن المحتمل أن تكون هذه التحذيرات والهجمات التي تكهنتها تلك الجهات يمكن أن تقع في أي مكان من الأراضي الكينية. وان صحت هذه التحذيرات، فإنها ستكون ضربة قاصمة للأمن الكيني لها تداعياتها على الصعيد الإقليمي والدولي، ولاسيما وأن كينيا هي بمثابة محور لدول شرق أفريقيا، وإن صحت هذه الضربة المقبلة ربما ستكون أعنف من أخواتها لكونها تتزامن في مرحلة تمرها الحركة يمكن وصفها بمرحلة الانتقام ثأرا لمقتل زعيمها.
وذكرت (أنيلي بوثا)، وهي ضابطة شرطة سابقة تعمل الآن في مجال مكافحة الإرهاب في معهد الدراسات الأمنية إن حركة الشباب ستحاول شن مزيد من الهجمات خارج قاعدتها في الصومال، مشيرة إلى أن حركة الشباب ستحاول مرارا وتكرارا تخويف السكان في (كينيا) و(أوغندا) و(بوروندي) و(منطقة شرق أفريقيا) بأسرها، أي الدول الرئيسة المساهمة بقوات لها في بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال.وأكدت بوثا أن حركة الشباب قد نجحت في توصيل رسالة إلى الناس خارج الصومال.
هناك أسئلة كثيرة وقليل من الأجوبة حول هشاشة الأمن في كينيا؛ ذلك أن الانحطاط المتزايد للقضية الأمنية باتت على المحك، وعلق القضاء الكيني العمل الجمعة من شهر يناير/كانون الثاني بثماني مواد رئيسة في قانون مكافحة الإرهاب الجديد بانتظار مراجعته كاملا بعد رفع المعارضة شكوى قالت فيها: إنها تخشى من المساس بحقوق الإنسان وتحويل كينيا إلى نظام دكتاتوري.
وتعزيزا للأمن الكيني تعهدت بريطانيا بمساعدة كينيا في تقوية قدراتها الدفاعية والأمنية، بقرابة 8.6 مليار شلن كيني (حوالي 87.3 مليون دولار). وقال المندوب السامي البريطاني لكينيا (كريستيان تيرنر): «أتحدث عن قدرة متطورة على تأمين الحدود، واتصالات آمنة، وأمن مطارات، وأجهزة كشف عن القنابل، وتكنولوجيات حفظ (البيانات) والطب الشرعي، وأضاف أن بلاده تستوعب أن كينيا كانت تواجه تحديات في ظل حربها المستمرة ضد الإرهاب في منطقة شرق أفريقيا، لافتا إلى أن لندن سوف تتشارك تجربتها وخبرتها في مجال مكافحة الإرهاب مع كينيا.
ومع كل هذه الجهود غير القليلة التي يبذلها الكينيون والدول الحليفة لها، يبدو أن الحكومة الكينية لم تستفد من الدروس السابقة والهجمات العنيفة التي تلقتها مؤخرا من حركة الشباب المجاهدين في عقر دارها، كما أنها لم تستغل من ذلك الحادث (الدولي) الطابع في حشد التأييد والدعم العالمي وراء أنشطتها ضد الإرهاب من جانب وفي تدعيم ريادتها في منطقة الشرق الأفريقي بوصفها شريكا فاعلا في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.
ولدى استقراء الوثائق الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة يمكن القول: إن جهود الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في المنطقة عموما- من خلال قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن وتقارير اللجان ذات الصلة- قد عملت على بلورة القاعدة العرفية التى تحرم الإرهاب وتأكيدها وتقرر عدم مشروعيته، كما ساهمت فى تنبيه الرأى العام العالمي إلى خطورة العمليات الإرهابية وضرورة إدانتها.
وعلى الرغم من أن استقرار كينيا مهم لشرق أفريقيا أبدت الحكومة الكينية قلقها تجاه هجمات حركة الشباب المتصاعدة ولاسيما في المناطق الحدودية، إلا أن هشاشة الأمن والفساد المستشري في أروقة الحكومة لهو الأمر الذي يرجح به المحللون مسؤوليته عن الانفلات الأمني السائد في البلاد، ومادام الأخير قائما فلن يتمكن الكينيون من استقرار بلادهم بصورة أو بأخرى.
لاتوجد تعليقات