رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 26 ديسمبر، 2017 0 تعليق

الاحتفال بالكريسماس محرمٌ بالاتفاق

دلَّت نصوص الكتاب الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وعمل الأمة الإسلامية، على حرمة مشاركة المشركين والوثنيين وأهل الكتاب -من يهود ونصارى- في أعيادهم، وشعائر دينهم وطقوسهم.

التحريم من القرآن

     فمن الكتاب العزيز؛ قوله -تبارك وتعالى-: {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (الفرقان:72)، قال أهل التفسير، كمجاهد والربيع بن أنس وعكرمة وغيرهم من السلف أن المقصود بـ{الزُّورَ} هو: أعياد المشركين، كما في تفسير الإمام ابن جرير وغيره، وهذا لما في أعيادهم من الشرك والباطل والمنكرات، والفواحش والخنا، كما هو معلوم ومشاهد.

التحريم من السُنة

     وأما من السنة النبوية: فروى الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه قال: « قَدِمَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «ما هذان اليومان؟»، قالوا: كُنَّا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله قد أبدلكم بها خيرًا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر» (متفق عليه) فوجه الدلالة من الحديث: أن العيدين الجاهليين لم يُقِرَّهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: «إن الله قد أبدلكم بها يومين آخرين» والإبدال من الشيء، يقتضي ترك المبدل منه؛ إذْ لا يجمع بين البدل والمبدل منه» قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم؛ مخالفة أصحاب الجحيم: (1/432)..

     وعن الثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: «نذر رجل على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينحر إبلًا ببوانه، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني نذرت أن أنحر إبلًا ببوانة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبَد؟» قالوا: لا، قال: «فهل كان فيها عيدٌ من أعيادهم» قال: لا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أوفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم» (رواه أبو داود: 3313)، وإسناده على شرط الشيخين، وهذا الحديث: يدل على أن الذبح بمكان عيد المشركين، أو محل أوثانهم؛ معصية لله -تعالى-. كما أن المشاركة لهم في أعيادهم واحتفالاتهم الباطلة، مشابهة لهم، وتوليًا لهم ولذويهم، وقد قال -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة:51).

ليس مِنَّا من تشبّه بغيرنا

     وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «ليس مِنَّا من تشبّه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى» (رواه الترمذي بسندٍ حسن). وقال أيضًا: «ومَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم» (رواه أحمد). والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وقد ذكرنا منها ما يكفي. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان خطورة هذه الأعياد على الأمة: «والمحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرّهم عليها، أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها؛ فإن الأمة حُذِّروا مشابهة اليهود والنصارى، وأخبروا أن سيفعل قومٌ منهم هذا المحذور، بخلاف دين الجاهلية، فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر، منذ اخترام أنفس المؤمنين عمومًا» (اقتضاء الصراط المستقيم؛ مخالفة أصحاب الجحيم: (1/435)، وقال في موضع آخر ما معناه: «الصراط المستقيم: هو أمور باطنة في القلب، من اعتقادات وإرادات وغير ذلك، وأمور ظاهرة: من أقوال وأفعال قد تكون عبادات، وقد تكون أيضًا عادات في الطعام واللباس والنكاح والمسكن، والاجتماع والافتراق، والسفر والإقامة، والركوب وغير ذلك.

الأمور الباطنة والظاهرة

وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال، يوجب أمورًا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر، من سائر الأعمال يوجب للقلب شعورًا وأحوالًا. وقد بعث الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم -، وشرع له من المناهج والشريعة، ما يُخالِف سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في هديهم الظاهر، لِما في مشابهتهم من المفاسد، ومنها:

- أن المشاركة في الهدي الظاهر، تُورث تناسبًا وتشاكلًا وتقاربًا بين المتشابهيَن، وهذا خلاف المعاداة التي أمر الله -تعالى- بها المؤمنين.

- أن المشاركة في الهدي الظاهر، تُوجب الاختلاط، وارتفاع التمييز بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين.

- أن اتباع هديهم سبب للخسران، وغضب الله -تعالى- وسخطه، فالمشارك لهم فيه، مشارك لهم في أسباب الغضب، والخسران في الدنيا والآخرة

الإحساس بالمفارقة

وكلما كان القلب أتم حياة، وأعرف بالإسلام ظاهرًا وباطنًا -وليس مجرد التسمية به- كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطنًا وظاهرًا أتم، وبعده عن أخلاقهم وعاداتهم أشد». إلى آخر كلامه -رحمه الله تعالى-، وليرجع من أراد الاستزادة إلى كتاب الإمام أحمد (اقتضاء الصراط المستقيم؛ مخالفة أصحاب الجحيم).

احتفالهم بميلادِ نبي الله المسيح

     ثم -أيها المسلم اللبيب- لنلقِ نظرة على ليلة احتفالهم بميلادِ نبي الله المسيح -عليه الصلاة والسلام- كما يزعمون! وما يحصل فيها من الفساد والشرّ العظيم، مما لا يكاد يعد ولا يحصى، مما يعافه كل صاحب دين وفطرة مستقيمة، في ليلة ميلاد مزعومة! سبحانك هذا بهتان عظيم! فهل هذا هو دين الله عز وجل؟! وهل هذا ماجاءت به الرسالات السماوية الكريمة؟! وهل هذا ما جاء به النبيون الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟!

عيسى عليه السلام في القرآن الكريم

في كتابنا الكريم -القرآن العظيم- ماذا يقول المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام؟ يقول الله -تعالى- عنه، إنه قال: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا. وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} (مريم:30-32).

هذا دين المسيح إن كنتم تعقلون! هذا دين المرسلين، هذا دين الله للعالمين، عبوديةٌ وخشوع لله ربِّ السموات والأرضين، ومحافظة على الصلوات والقربات، وإيتاء للزكاة والطهارات، وبر للوالدين وصلة للأرحام، أفلا تتفكرون؟! أفلا ترجعون! أفلا تتوبون!

     ثم العجب من المسلم الموحِّد، القائل في صلاته: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (الفاتحة:6-7)، وهو أعظم دعاء، كيف يتابع المغضوب عليهم والضالين على مثل هذه الأعمال؟! {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} (آل عمران:8). وبناءً على ما تقدم من الأدلة، وأقوال علماء الأمة، وما في هذه الأعياد من المفاسد والشرور، يتبين لنا حرمة مشاركة أهل الكتاب أو المشركين وغيرهم في أعيادهم، وشعائر أديانهم الباطلة. ربنا لا تهلكنا بما فعل السفهاء مِنَّا: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} (الأعراف من الآية:155).

 

 

فتوى الشيخ ابن عثيمين

 سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن حكم، تهنئة النصارى بعيد (الكريسماس)، وكيف نرد عليهم إذا هنؤونا بها؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهـذه المناسبة؟ وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئاً مما ذكر بغير قصد؟

     فقال رحمه الله: تهنئة الكفار بعيد (الكريسماس) أو غيره من أعيادهم الدينية حــرام بالاتفاق ، كما نقل ذلك ابن القيم - رحمه الله - في كتابه (أحكام أهـل الذمـة)، حيث قال: «وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو: تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنـزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمـاً عند الله، وأشد مقتـاً من التهنئة بشرب الخمر وقتـل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه». انتهى كلامه - رحمه الله -.

     وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حرامًا وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم؛ لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعـائر الكفر، ورضىً به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحـرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره؛ لأن الله -تعالى- لا يرضى بذلك، كما قال الله -تعالى-: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم} (الزمر: 7) وقال -تعالى-: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (سورة المائدة: 3) وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا. وإذا هنؤونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك؛ لأنها ليست بأعياد لنا؛ ولأنهـا أعياد لا يرضاها الله -تعالى-؛ ولأنهـا إما مبتدعة في دينهم، وإما مشروعة، لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث به محمد-صلى الله عليه وسلم-، إلى جميع الخلق، وقال فيه: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} (آل عمران: 85). وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام؛ لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها؛ لما في ذلك من مشاركتهم فيها، وكذلك يحـرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهـذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من تشبه بقوم فهو منهم». قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم): «مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء». انتهى كلامه - رحمه الله -. ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم، سواء فعله مجاملة أم توددًا أم حياء أم لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك