رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالقادر علي ورسمه 3 أغسطس، 2015 0 تعليق

الاتفاق النووي الإيراني – تأسيس إمبراطورية أم اعتراف بتقليص نفوذ؟

يرى الغرب أن إيران هي القوة القادرة على التحكم في قواعد اللعبة الجديدة بالمنطقة

90% من المواطنين الإيرانيين لا يثقون بمصداقية الطرف الأميركي، لكنهم يؤيدون المفاوضات النووية

 

الاتفاق النووي الإيراني يطرح تساؤلات عديدة في المنطقة، ويؤسس مرحلة جديدة، ويطرح المراقبون والمتابعون في الشأن الإيراني العديد من التساؤلات ومنها: هل سيقود الاتفاق إلى إخراج المنطقة من حالة الفوضى وبناء حالة من الاستقرار يكون لإيران وقوى إقليمية أخرى دور مؤثر فيها؟ أم أن تعاظم الدور الإيراني نتيجة الاتفاق سيكون سببًا لمزيد من المعضلات الإقليمية، مع ارتفاع في وتيرة الصراع بصورة قد تقود إلى مواجهات عسكرية؟

      وللإجابة عن هذه التساؤلات لا بد من الإشارة إلى وجود وجهات نظر تحليلية مختلفة؛ تنطلق من خلفيات أيدلوجية مختلفة حيث يرى بعض المحللين أن هذا الاتفاق يؤسس مرحلة جديدة من الهيمنة الإيرانية في المنطقة، وأنها ستكون بمثابة الآمر الناهي بسبب استراتيجيتها المبنية على مقاومة الهيمنة الغربية وبناء قوتها العسكرية رغم الحصار والعداء المعلن بينها وبين الغرب، بينما يرى الآخرون أن هذا الاتفاق هو نوع من السياسة الترويضية لنظام ولاية الفقيه وإعادة الاعتبار للتيار الإصلاحي الذي يحاول إعادة المجتمع الإيراني إلى آماله وتطلعاته للخروج من سنوات العزلة والحصار.

- شرطي المنطقة

      ومن جانبه يرى الكاتب البريطاني روبرت فيسك المتخصص في شؤون المنطقة أن «إيران الآن ستعود إلى الدور الذي كان الشاه يضطلع به، ستصبح شرطي الخليج»، ويضيف قائلا: إيران الآن على رأس قائمة الذين يمكن التفاوض معهم حول مستقبل سوريا ونظام الأسد، وضباط الحرس الثوري ومقاتلي حزب الله في خط المواجهة الأول مع الإسلاميين.

     وفي سياق نفسه يرى الكاتب السعودي مهنا الحبيل أن أن الاتفاق الإيراني الغربي انتهى بقاعدة التوافق بين الرؤية الغربية الاستراتيجية المرحلية مع إيران في عهدها الجديد، ويضيف الجبيل قائلا: وقد أصبح الغرب يرى أن إيران هي القوة القادرة على التحكم في قواعد اللعبة الجديدة بالمنطقة، وبالتالي فقد اعتمدها شريكا إقليميا، ثم بدأ إدارة نزاعاته معها في هذا الإطار المرحلي، حتى تتبين مسارات التصدع الكبرى في المشرق العربي، وخيوط خرائط الخليج الجديد والجغرافيا السياسية النهائية له، ويرى الحبيل أيضا أن المنطقة تعاني من غياب مشروع سياسي وطني إصلاحي؛ مما يجعل مواجهة إيران ميدانيا أصعب بكثير مما يتوقعه بعض المحللين، ويقول أيضا: رغم تعثرات إيرانية عديدة في اليمن بعد معارك عدن الأخيرة، وعجز النظام في سوريا وتراجعاته، وفشل حزب الله في القلمون، فإن بقاء هذه الملفات مفتوحة دون تحقيق حسم هنا أو هناك، تجعل فرص التقدم الإيراني في الخليج العربي أكثر.

- انفتاح على الجيران

     وفي سياق التقارب والتعاون الإقليمي المتوقع يرى الكاتب الباحث المصري بشير عبد الفتاح أن ثمة إشارات متنوعة أطلقها الرئيس روحاني خلال الآونة الأخيرة تشي بإمكانية حدوث تغيير إيجابي فيما يخص استراتيجية إيران؛ إذ حاول إظهارها باعتبارها بلداً قابلاً للانفتاح على جواره والعالم أجمع، ومستعدا للالتزام بالقوانين الدولية، والتعامل مع التناقضات والخلافات الموروثة في الداخل بطريقة مؤسسية تحترم الحق في الاختلاف، ويضيف قائلا: ربما اكتشف روحاني أن مواجهة معارضيه من التيار المحافظ -الذي نصب نفسه أميناً على إرث الثورة، ولا يزال نفوذه ممتدا داخل مجلس الشورى والحرس الثوري وسائر المؤسسات التي لا تخضع للسلطة المباشرة للرئيس المنتخب- لن تتأتى إلا من خلال الاستقواء بالشعب، ولاسيما بعد أن أضحى المزاج العام في إيران أكثر مرونة وليبرالية مما تبدو عليه الأصوات المتشددة والمحافظة.

- رفع العقوبات

     وفي السياق نفسه أبرزت الصحافة الإيرانية نتائج استطلاع للرأي تؤكد فيه أن 90% من المواطنين الإيرانيين لا يثقون بمصداقية الطرف الأميركي، لكنهم يؤيدون المفاوضات النووية، ويأتي ذلك مع بدء العد التنازلي لانطلاق التحضيرات للانتخابات البرلمانية التي ستُجرى في فبراير من العام القادم، وإذا ما صبَّت في صالح تيار الاعتدال فسيكون لها تأثير داعم لموقع روحاني ومكانته السياسية، وهو ما سيؤثِّر على مساحة حضور التيار المحافظ المسيطر على تركيبة مجلس الشورى، وهو المجلس المخوَّل بالمصادقة على أي اتفاق نووي قادم، وعليه فإن الرئيس روحاني والتيار الإصلاحي يعولون كثيرًا على إزالة العقوبات، قد يعزِّز الاتفاق النووي فرص حدوث تقارب بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وقد يفتح الطريق أمام تكوين تعاون إقليمي؛ مما يؤدي إلى تحقيق علاقات جيدة بين إيران وجيرانها، وذلك ينسحب على علاقة إيران مع السعودية؛ وهذا من شأنه أن يعمل على ضمان تدفق مستقر للنفط، الذي هو في مصلحة الولايات المتحدة وأصدقائها وحلفائها.

- لصالح الجميع

     وفي هذا الصدد أكدت منسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني خلال الأخيرة لإيران أنه من الممكن أن يصب هذا الاتفاق في صالح الجميع، وأن الاتفاق سيشكل فرصة اقتصادية مهمة لإيران، وأن إلغاء العقوبات سيضمن حضور المستثمرين الأوروبيين إليها، لكنها ركزت على فوائد الاتفاق الأخرى، وجعلت من الممكن الاستفادة منه، عبر طرح حلول لما يجري في المنطقة.

     وهذا يؤكد أن الاتفاق يضع من أولوياته استقرار المنطقة وطرح الحلول المناسبة لما يجري في المنطقة وأنه من المستحيل أن يكون هناك هيمنة إيرانية في المنطقة بل وأن الدور الإيراني يتمحور في السنوات القادمة في إثبات سلوكه الإيجابي تجاه أمن المنطقة واستقرارها حتى يتمكن من تحقيق رفع العقوبات التي يأمل الاصلاحيون أن تحقق لهم نموا اقتصاديا وجلب استثمارات دولية وهذا كله يتطلب استراتيجية جديدة للتعاون الإقليمي والدولي وإلا فإن نتائج الاتفاق لن تكون ذات جدوى للشعب الإيراني ولمستقبل التيار الإصلاحي أيضا الذي راهن تحقيق هذا النصر الدبلوماسي ليحقق له مستقبلا سياسيا تكون له كلمة الفصل في مستقبل البلاد.

 

أبرز مضامين الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية؟

      وبالقراءة المتأنية لبنود هذه الاتفاقية ندرك أن إيران لم تفرض على الغرب شروطها ولكنها تعاملت مع العالم في واقعية وسياسة؛ مما يغلق باب التوسع الإقليمي وحلم استعادة مجد الإمبراطورية الفارسية، والاتفاقية تفرض عليها قيودا كثيرة وتسمح للأمم والمتحدة والغرب المراقبة الحثيثة لتصرفاتها السياسية فضلا عن التدخلات المفاجئة للمراقبين الدوليين في شؤونها النووية التي تعد سيفا مصلتا على طموحاتها؛ مما يؤكد أن إيران ما بعد الاتفاقية تكون مسالمة، وتبحث علاقات حسن الجوار مع جيرانها رغم التصريحات النارية القادمة من هنا وهناك فضلا عن أنها اختارت صداقة مع (الشيطان الأكبر)! حتى ولو حاول المحافظون إرسال رسائل الممانعة إرضاء لبعض الشرائح الداخلية.

جاء في أبرز نقاط الاتفاقية على النحو الآتي:

- مدة إنتاج مادة انشطارية-

الهدف هو جعل المدة اللازمة لإيران لإنتاج ما يكفي من المادة الانشطارية لصنع قنبلة ذرية، من سنة كحد أدنى حتى عشر سنوات على الأقل، وجعل مثل هذه الخطوة قابلة للكشف على الفور. وهذه المدة تتراوح الآن بين شهرين وثلاثة أشهر.

- تخصيب اليورانيوم -

تخصيب اليورانيوم بواسطة أجهزة الطرد المركزي يفتح الطريق لاستخدامات مختلفة تبعا لمعدل تكثيف النظير المشع يو-235 : 3,5 إلى 5% بالنسبة للوقود النووي، و20% للاستخدام الطبي و90% لصنع قنبلة ذرية. وهذه المرحلة الأخيرة، الأكثر دقة، يعد إنجازها أيضا أسرع تقنيا.

- عدد أجهزة الطرد المركزي التي تملكها إيران ستخفض بالثلثين خلال فترة عشر سنوات. وسيسمح ل5060 منها فقط بتخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتجاوز 3,67% خلال فترة 15 سنة. وسيتعلق الأمر حصرا بأجهزة الطرد من الجيل الأول.

لكن إيران ستتمكن من مواصلة أنشطتها في مجال الأبحاث حول أجهزة طرد مركزية أكثر تطورا والبدء بتصنيعها بعد ثماني سنوات ولا سيما أجهزة من نوع أي ار-6 الأكثر قدرة بعشرة أضعاف من الآلات الحالية، وأي ار-8 التي تفوق قدرتها بعشرين مرة.

- وستخفض طهران مخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب من 10 آلاف كلغ حاليا إلى 300 كلغ على مدى 15 عاما.

- وافقت طهران على عدم بناء منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم طيلة 15 عاما.

- وافقت إيران على التوقف عن تخصيب اليورانيوم خلال 15 سنة على الأقل في موقع فوردو المدفون تحت الجبل، والذي يستحيل بحكم موقعه تدميره بعمل عسكري. ولن يكون هناك بعد الآن مواد انشطارية في فوردو على مدى 15 سنة على الأقل. وسيبقى الموقع مفتوحا لكنه لن يخصب اليورانيوم. وستسحب نحو ثلثي أجهزة الطرد الموجودة في فوردو من الموقع.

- موقع نطنز -

     هذه هي المنشأة الرئيسية لتخصيب اليورانيوم في إيران، وتضم حوالى 17 ألف جهاز طرد مركزي من نوع آي ار-1 من الجيل الأول، ونحو ألف جهاز من نوع آي ار-2 ام وهي أسرع وتتميز بقدرة استيعاب تصل إلى 50 ألفا في الإجمال. وقد وافقت طهران على أن يصبح نطنز منشأتها الوحيدة للتخصيب وأن تبقي فيه 5060 جهاز طرد فقط كلها من نوع آي ار-1. أما أجهزة الطرد من نوع آي ار-2 ام ستسحب وتوضع تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

- المراقبة -

ستكلف الوكالة الدولية للطاقة الذرية الموجودة أصلا في إيران، بمراقبة جميع المواقع النووية الإيرانية بانتظام مع تعزيز صلاحياتها إلى حد كبير.

- سيوسع مجال صلاحيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الآن فصاعدا لتشمل كل الشبكة النووية الإيرانية، بدءا من استخراج اليورانيوم وصولا إلى الأبحاث والتطوير مرورا بتحويل وتخصيب اليورانيوم. وسيتمكن مفتشو الوكالة من الوصول إلى مناجم اليورانيوم وإلى الأماكن التي تنتج فيها إيران (الكعكعة الصفراء) (مكثف اليورانيوم) طيلة 25 عاما.

- وافقت إيران أيضا على وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بطريقة محدود إلى مواقع غير نووية ولا سيما العسكرية منها في حال ساورتهم شكوك في إطار البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي التي التزمت إيران بتطبيقها والمصادقة عليها.

- البلوتونيوم -

يستهدف الاتفاق إلى جعل إنتاج إيران لمادة البلوتونيوم 239 أمرا مستحيلا، علما بأن هذه المادة هي العنصر الآخر الذي يمكن من صنع قنبلة ذرية.

- مفاعل المياه الثقيلة الذي هو قيد الإنشاء في اراك سيجري عليه تعديلات كي لا يتمكن من إنتاج البلوتونيوم من النوعية العسكرية.

- لن تتمكن طهران من بناء مفاعل جديد للمياه الثقيلة طيلة 15 عاما.

- العقوبات -

يفترض أن يصدر مجلس الأمن الدولي في وقت سريع قرارا جديدا للتصديق على الاتفاق وإلغاء كل القرارات السابقة ضد البرنامج النووي الإيراني. لكن بعض التدابير ستبقى بصورة استثنائية.

- العقوبات الأمريكية والأوروبية ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني، وتستهدف القطاعات المالية والطاقوية -خاصة الغاز والنفط- والنقل، وسترفع «فور تطبيق» إيران لالتزاماتها النووية التي يفترض أن يؤكدها تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أي على الأرجح ليس قبل 2016.

- العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على الأسلحة : ستبقى خلال خمس سنوات لكن يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يمنح بعض الاستثناءات. وتبقى أي تجارة مرتبطة بصواريخ بالستية يمكن شحنها برؤوس نووية محظورة لفترة غير محددة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك