رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالقادر علي ورسمه 1 سبتمبر، 2015 0 تعليق

الاتفاق الأمريكي التركي هل يحقق إسقاط الأسد أم هزيمة داعش؟

بعد أعوام من تباين الرؤى بين تركيا وأمريكا في الشأن السوري، وتضارب الاستراتيجيات لاح في الأفق في الآونة الأخيرة نوع من التفاهمات بين الطرفين وكل له أسبابه، إلا أن تركيا ما تزال تتمسك بمطلبها الرئيس المتعلق بإسقاط الأسد الذي يبدأ من تحديد منطقة عازلة لا تستطيع الطائرات السورية الوصول إليها حماية للاجئين والمعارضة المسلحة من الطيران الحكومي، بينما تضع الولايات المتحدة الأمريكية جل اهتمامها بهزيمة داعش ولا تعلق موضوع إسقاط الأسد ولاسيما بعد الاتفاق الذي أبرمته مع إيران حليفة سوريا في المنطقة؛ مما يعقد الوصول إلى التفاهمات الأمريكية التركية التي ما تزال تؤكد تمسك كل طرف بموقفه رغم الحفاظ على تفاهمات مرحلية.

تحالف أم تكتيك

     وفي هذا الشأن أكدت وزارة الدفاع الأميركية أن الولايات المتحدة استكملت التفاصيل التقنية للاتفاق المتعلق بإشراك تركيا في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وقالت: إن أنقرة ملتزمة بالمشاركة الكاملة بأسرع ما يمكن، وأضاف أن واشنطن تواصل حوارها مع تركيا لتقويم أكثر الخيارات جدوى لمواجهة التنظيم بما في ذلك إنشاء منطقة حدودية بطريقة تضمن أمن تركيا والاستقرار الإقليمي، وجاء ذلك بعد إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في مؤتمر صحفي بأنقرة أن مسؤولين من الجانبين وقعوا على الإجراءات التقنية المتعلقة بالعملية المشتركة ضد تنظيم الدولة.

     وتشير التقارير إلى وجود خلافات بين البلدين تتعلق بالمنطقة الآمنة في سوريا، فضلا عن أن الأمريكين يضعون تركيزهم بتنظيم الدولة بينما يرى الأتراك بأن هذا يمثل نوعا من التعامل مع أعراض الأزمة، وينبغي عدم تجاهل أصل المشكلة الذي يمثله النظام السوري، ويبدو أن هناك خلافات استراتيجية بين البلدين لم يتم تسويتها بعد إلا أنهما يتفقان ببعض التكتيكات المرحلية حتى الآن.

المنطقة الآمنة

     وفي سياق التفاهمات في المسائل الرئيسية نفت واشنطن أنها توصلت إلى اتفاق مع أنقرة على إقامة منطقة آمنة شمال سوريا، وقالت: إن الاتفاق يقتصر على استخدام المنشآت التركية لتعزيز العمليات الجوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، بينما نقل عن وكيل وزارة الخارجية التركية فريدون سيريليو أوغلو قوله: إن تركيا والولايات المتحدة اتفقتا على بنود (منطقة آمنة)  في شمال سوريا، ونسبت وسائل إعلام تركية إلى أوغلو قوله أيضا: إن هذه المنطقة الآمنة يبلغ طولها 98 كيلومترا وعرضها 45 كيلومترا، وستحرسها دوريات لمقاتلين من الجيش السوري الحر، وستسمح للقوات الأميركية والتركية بضرب تنظيم الدولة الإسلامية أو المسلحين الأكراد إذا دخلوا للمنطقة الآمنة، وقالت رويترز: إن مسؤولين أميركيين سبق أن كشفوا عن مباحثات بشأن حجم ومجال منطقة آمنة على طول الحدود التركية مع سوريا، لكن الهدف سيكون إخلاءها من مقاتلي تنظيم الدولة للسماح للمعارضة السورية المسلحة «المعتدلة» بحرية الحركة، ونفى هؤلاء المسؤولون إقامة منطقة آمنة «رسمية».

     وتمثل هذه التصريحات المتضاربة كلها نوعا من التكتيكات السياسية التي يستخدمها كل طرف لعدم كشف أوراقه أمام الأطراف الأخرى ومحاولة لإبقاء التفاصيل طي الكتمان إلى حين التوصل إلى نتائج مرضية للأطراف جميعا.

الأزمة السورية

     وما تزال تركيا تؤكد تمسكها بإنشاء المنطقة الآمنة في داخل الحدود السورية لمنع النظام السوري من استهداف المدنيين والمعارضة المسلحة، تمهيدا لإسقاطه من قبل المعارضة المسلحة المدعومة من قبلها، وفي هذا الصدد أكد نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتلموش أن بلاده متمسكة بثلاث نقاط لحل الأزمة السورية، مشددا على أنه في مقدمة تلك النقاط إنشاءَ منطقة آمنة بعمق خمسين كيلومترا وبطول مائة كيلومتر تبدأ من جرابلس غرب نهر الفرات في سوريا، بما في ذلك إعلان منطقة حظر طيران لنظام بشار الأسد، وقال نعمان قورتلموش إنه يتعين أيضا تأسيس مناطق آمنة داخل سوريا تحت إشراف الأمم المتحدة، وأخيرا تدريب المعارضة السورية لتقف بوجه النظام، ويرى المسؤول التركي أن المجتمع الدولي لم يسع لتحقيق أي شيء من هذه العناصر، معتبرا أن «أضعف الإيمان» هو تشكيل المنطقة الآمنة ليتم نقل اللاجئين إليها، وتتيح لهم العيش بشكل كريم داخل بلادهم.

     وأكد قورتلموش أن تركيا لن تدخل في مواجهة أو اشتباك مباشر مع نظام الأسد، «والمنطقة الآمنة يجب أن تكون تحت إشراف مباشر من التحالف الدولي»، وأن بلاده لم تدخل حربا، ولكنها ردت على هجمات من يريد سحبها إلى الدوامة الموجودة في الشرق الأوسط، ويرى المسؤول التركي بهذا الإطار أن النظام السوري «استوفى أجله» مشيرا إلى أن الأسد نفسه اعترف بأنه لا يستطيع توفير الجنود لجيشه «وهذا معناه أنه خسر الحرب، والنظام العالمي بدأ يدرك أن استمرار الحرب سيكون ثمنه باهظا على العالم».

التحالف ضد داعش

     وفي سياق متصل يحاول نظام الرئيس السوري الاستفادة من المواقف الدولية؛ المتباينة لإطالة عمر نظامه، حيث يقدم رغبته المتكررة في مشاركة التحالف الدولي ضد الإرهاب، وقد راهن كثيرا منذ بداية الثورة السورية على مسألة الإرهاب، ويعتقد أنه حان وقت قطاف الثمرة، وفي هذا الصدد قال الرئيس السوري بشار الأسد: إنه منفتح على فكرة تكوين تحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية لكنه أشار إلى أن ثمة فرصة ضئيلة لأن يحدث ذلك، ملقيا بمزيد من الشكوك على خطة روسية لتكوين تحالف ضد التنظيم، والمبادرة التي اقترحتها روسيا ستشمل انضمام الحكومة السورية لدول بالمنطقة دعمت المعارضة السورية في معركة مشتركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي يسيطر على مناطق واسعة في سوريا والعراق، وقال الأسد: إن الحكومة السورية لن ترفض مثل هذا التحالف رغم أنه لا معنى له؛ «لأن دولا وقفت مع الإرهاب ستكون الدول نفسها التي ستحارب الإرهاب»، وأضاف قائلا: «ولكن يبقى احتمال بسيط أن هذه الدول قررت التوبة أو عرفت بأنها كانت تسير بالاتجاه الخطأ أو ربما لأسباب مصلحية بحتة قلقت من أن ينتشر هذا الإرهاب باتجاه بلدانها فقررت أن تكافح الإرهاب».

     ومن جانبها استبعدت السعودية أي تحالف مع الأسد، وشدد وزير خارجية السعودية عادل الجبير مؤخرا على ألا حل إلا  برحيل الأسد عن السلطة، وأنه لا يمكن أن يكون شريكا في المعركة ضد تنظيم الدولة.

      وفي السياق نفسه أكد ملك الأردن عبد الله الثاني الدور الروسي في حل الأزمة السورية، في لقائه مع الرئيس الروسي على هامش معرض ماكس 2015، وقال الملك عبد الله: علينا أن نجد حلا بسوريا، ودور روسيا مهم جدا في هذا الإطار.

     وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قال -في خطاب أمام السفراء الفرنسيين في باريس- إن إحلال السلام في سوريا يمر عبر «تحييد» الرئيس السوري بشار الأسد، وقال الرئيس الفرنسي في خطاب ألقاه خلال اجتماع السفراء الفرنسيين في باريس: إنه «يجب أن نحد من نفوذ الإرهابيين (في سوريا) دون أن يعني ذلك بقاء الأسد»، وأضاف هولاند «في الوقت نفسه يجب أن نسعى إلى انتقال سياسي في سوريا. إنها ضرورة، ويمكن إطلاق حوار ويجب تحديد شروطه. الأول هو تحييد بشار الأسد والثاني تقديم ضمانات قوية لكل قوى المعارضة المعتدلة -لا سيما السنية والكردية- والحفاظ على هيكليات الدولة ووحدة سوريا»، ورأى الرئيس الفرنسي أن العملية تمر أخيرا بإشراك «كل الأطراف المعنية بالحل» ومنها روسيا ودول الخليج وإيران وتركيا، وأضاف أن باريس ستواصل حتى ذلك الحين «مساعدة المعارضة السورية التي تعتبرها معتدلة».

     وتؤكد المواقف الدولية تجاه سوريا أن الأزمة السورية دخلت في آخر أيامها وأن المجتمع الدولي قرر أن يشارك في الحل ورفع المعاناة عن الشعب السوري، وما يزال الأمر متأرجحا بين الرؤية الروسية الراغبة أن يكون للأسد نصيب في الحل والرؤية الأمريكية الغامضة ورؤية الأغلبية الساحقة من دول المنطقة التي تتمسك بأنه لا حل للأزمة السورية إلا بإزاحة الأسد وزمرته حتى يستطيع الشعب السوري أن يعيش بسلام وأمان في بلاده، ويبدومن تصريحات الأسد والتحركات الروسية والإيرانية الأخيرة أن مسألة تغيير رأس النظام باتت مطلبا رئيسيا لحل الأزمة السورية حلا جذريا دون أن تقلل من شأن الإرهاب الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية وتهديده للمنطقة والعالم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك