رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ أحمد السيد 9 أغسطس، 2018 0 تعليق

الابتسامة سنة نبوية ووسيلة دعوية

 

     إن تعبيرات الوجه تتكلم بصوت أعمق من صوت اللسان، وكأني بها تقول عن صاحبها: إني أحبك، إني سعيد ومسرور برؤيتك؛ فالوجه هو عنوان الداعية، والمرآة التي تعكس نفسيته وأعماقه؛ فإن كان متجهما أوحى بالضيق والتجهم، وإن كان طلقا مبتسما أوحى بالبشر والخير، والابتسامة هي انفراج أسارير عن انفعالات صادقة داخل النفس، تحرك الوجدان، وتشرق على الوجه كوهج البرق، حتى ليكاد الوجه يتحدث بنداء وهواتف تلتقطها القلوب؛ فتنجذب الأرواح؛ فتأتلف بسبب ذلك.

     فالداعية لابد أن يتذوق طعم الابتسامة الصادقة، ويدرك أثرها العظيم؛ فكلما أخلص فيها النية، حفرت في الصخر، وأنبتت في الصحراء، وأظهرت خير أمة أخرجت للناس، وكانت من صفة النبي[ كما يقول أصحاب السير: أنه كان بسـّام المحيا، كيف لا يكون وهو القائل: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ» رواه الترمذي، وصححه الألباني، وهذه صدقة لا تكلفك دينارًا ولا درهمًا، وكنز لو عرفت كيفية استخدامه، لأسرت القلوب، ولفتحت النفوس ثم سكبت من دواء الدعوة الراشدة والإيمان ما غيرت به وجه الكون.

     ومما ثبت في استحباب البشاشة وطلاقة الوجه عند اللقاء ما رواه جابر بن سليم الْهُجَيْمِىُّ رضي الله عنه، قال: قلت: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَعَلِّمْنَا شَيْئاً يَنْفَعُنَا اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهِ، قَالَ: لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي وَلَوْ أَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ...» رواه أحمد، وصححه الألباني، قوله صلى الله عليه وسلم : «مُنْبَسِطٌ». أي: منطلق بالسرور والانشراح، قال حبيب بن ثابت: «من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو مقبل عليه بوجهه».

     قال الإمام الغزالي -رحمه الله-: «فيه -أي هذا الحديث- رد على كل عالم أو عابد عبس وجهه، وقطب جبينه كأنه مستقذر للناس، أو غضبان عليهم، أو منزه عنهم، ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب، ولا في الخد حتى يصعر، ولا في الظهر حتى ينحني، ولا في الرقبة حتى تطاطأ، ولا في الذيل حتى يضم، إنما الورع في القلب، أما الذي تلقاه ببشر ويلقاك بعبوس؛ يمُن عليك بعلمه؛ فلا أكثر الله في المسلمين مثله، ولو كان الله يرضى بذلك ما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(الشعراء:215)».

ورغم كل هذه المعاني والأهمية للابتسامة؛ فإن هناك ناسا لا يبتسمون أبدا، ولا تنفرج أساريرهم وهم يلقون غيرهم من الناس، إنهم شريرون، أو في نفوسهم مرض، وينابيع الخير مغلقة في نفوسهم وعليها الأقفال!!

     فالداعية عليه أن يتعود طلاقة الوجه ولو أن يدرِّب نفسه على ذلك، وأن يعوِّد نفسه الابتسام كائناً ما كانت ظروفه ضاغطة أليمة؛ فنجاح الداعية يكمن في قدرته على تكييف نفسه، وأن تكون له القوامة عليها وليس العكس، وأن تكون لديه القدرة على التحكم بنفسه حيال الظروف التي يمر بها، وأن يعطي لكل مقام مقالاً.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك