الإيمان باليوم الآخر من أصول الإيمان
من أصول الإيمان وأركانه العظيمة التي لا يصح إسلام المرء إلا بها الإيمان باليوم الآخر، ذلكم اليوم العظيم الرهيب الذي يؤمن به أهل الإيمان، وأهل الإسلام، وأهل التوحيد، ويجحده الكفار، والمنافقون، والمشركون، والوثنيون، كما قال -سبحانه وتعالى- عن الكفرة في كل زمان ومكان: إنهم يقولون: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيد}(ق: 3)، ويقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا}(مريم: 66-67)، وقال -سبحانه وتعالى-: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيم قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيم}(يس: 78-79).
وهذا اليوم يبدأ بالنفخ في الصور، والنافخ ملك عظيم هو إسرافيل -عليه السلام-، يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ}(الزُّمَر: 68)، هذه النفخة الأولى وهي نفخة الصعق والإماتة لا يسمعها أحد من الخلق إلا مات سواء في الأرض أم في السماوات حتى الملائكة يموتون من هذه النفخة العظيمة.
الاستعداد للنفخ
والنبي صلى الله عليه وسلم رأى إسرافيل وأخبر أنه مستعد للنفخ في الصور، هذا الكلام أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم قبل ألف وأربعمائة وأربعين سنة وزيادة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم، القرن وحني جبهته متى يُؤمر أن ينفخ»رواه ابن حبان وذكره الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة(1079)» -التقمه- وهو مستعد للنفخ ينظر إلى العرش، ينظر إلى عرش الرحمن -عز جل- ينتظر الأمر بالنفخ؛ فيقول الله -سبحانه- له: يا إسرافيل انفخ في الصور، فينفخ في الصور؛ فإذا نفخ في الصور تهدم الكون من عظم هذه النفخة، كما أخبر الله -سبحانه جل وعلا- عن أثر هذه النفخة: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَة وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَة فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَة}(الحاقة: 15)، {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَة}، {وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَة وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَة}(الحاقة: 13-17)، هناك من الملائكة من لا يموت، منهم حملة العرش، ثمانية يحملون عرش الرحمن -جل وعلا.
النفخة الآخرة
ثم ينفخ النفخة الآخرة الثانية فيقوم الناس من قبورهم أحياء، يقول الله -جل وعلا-: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُون}(الزُّمَر: 68)، نظرًا عظيمًا ينتظرون إلى أين يؤمر بهم؟ أيؤمر بهم إلى الجنة؟ أم يؤمر بهم إلنار؟ حيارى ينظرون وهم حيرى، تملكتهم الحيرة وهم حفاة عراة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يحشر الخلق حفاة عراة غرلا»، حفاة: لا يلبسون الأحذية والنعل، عراة: لا يلبسون الثياب، غرلًا: غير مختونين كما خرجوا من بطون أمهاتهم.
لما سمعت أم المؤمنين عائشة تعجبت وقالت: يا رسول الله: الرجال والنساء عراة؟! قال: «نعم»، قالت: ينظر بعضهم إلى بعض؟! الرجال ينظرون إلى عورات النساء، والنساء...، قال يا عائشة: «الأمر أشد وأعظم من ذلك».
نفسي نفسي
لا يفكر أحد أن ينظر إلى عورة أحد، الرجل ينظر إلى العورة، لا يفكر أحد إنما كل إنسان يفكر في نفسه، كل إنسان يقول: نفسي نفسي، يحشر العباد بعد ذلك على أرض، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «يحشر الناس يوم القيامة على أرض عفراء -يعني بياض فيه حمرة «كقرصة نقي» رواه البخاري نظيفة مثل القرص النقي، مثل الخبز والدقيق، الطحين الصافي ليس فيه شوائب، «كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد» لا يوجد فيها شيء مرتفع، لا مساجد، ولا بيوت، ولا عمارات، ولا قصور، ولا جبال، بل أرض مستوية تمامًا، نسفت الجبال ونسفت المباني، يقول الله -جلا وعلا-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا}(طه: 105)، {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا}(طه: 106): أرض مستوية، {لاَ تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلاَ أَمْتًا}(طه: 107)، لا ترى فيها ارتفاعًا، ولا جبالا ولا وديانا، مستوية تمامًا، يحشر العباد عليها خمسين ألف سنة، انظر إلى عظم هذا اليوم.
خمسون ألف سنة
ليس يومًا ولا سنة، ولا شهرا ولا سنتين، بل خمسين ألف سنة، يقول الله -تعالى-: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ}(السجدة: 5)، يشدد على الكفرة الذين الآن يلعبون ويفعلون الفواحش والمنكرات، ويستهزئون بالله، وبرسول الله، ويكفرون بالله، ويسبون رسول الله، ويسبون الله -تعالى- ويجعلون له الولد والزوجة، والأنداد، والشركاء، يلعبون كما قال -جل وعلا- عن هؤلاء الكفار: {فِي شَكٍّ يَلْعَبُون}(الدخان:9)، من هذه القيامة، {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُون}(الدخان:9)، يلعبون في هذه الدنيا، ولا يسعون بما وراءهم من هذا اليوم العظيم، ويشدد على الكفار، يوم عظيم جدًا، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن الكافر: «عندما تدنو الشمس من الرؤوس مقدار ميل»، الشمس الآن تبعد عنا مائة وخمسين مليون كيلو متر، تسعين مليون ميل، يدنيها الله -تعالى- فوق الرؤوس بمقدار ميل؛ فيغشى الناس حر عظيم جدًا، إلا أهل التوحيد، يظلهم الله في ظله -سبحانه وتعالى-، أما الكافر فيقول النبي صلى الله عليه وسلم عنه: «الكافر يتغشاه الموت» كل لحظة يموت، يتغشاه الموت والحر الشديد خمسين ألف سنة.
حال أهل التوحيد
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يخفف هذا اليوم على أهل التوحيد والإيمان؛ فيكون كما بين الظهر والعصر»، فهم لا يشعرون بعظم هذا اليوم، لماذا؟؛ لأنهم استعدوا لهذا اليوم، وأعدوا له العدة بالإيمان بالله، والعمل الصالح، والمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، وفي بيوت الله -سبحانه وتعالى-، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل»؛ أي حاكم عادل يحكم بشرع الله -سبحانه وتعالى-، «ورجلان تحابا عليه اجتمعا عليه وافترقا عليه» جمعهم الحب لله، لا لمصلحة، ولا لغرض، ولا لدنيا، «ورجل قلبه معلق بالمساجد» إذا خرج من المسجد فقلبه بقي فيه ينتظر متى تأتي الصلاة؟ وليس الذي يأتي المسجد في الشهر أو الأسبوع مرة، «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» من شدة إخلاصه يخفي صدقته، ولا يريد أن يراها الناس، ولا يرتجي المدح والرياء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من سَمّعَ سّمَعَ الله به، ومن يرائي يرائي الله به»، والمرائي ليس له ثواب؛ لأنه مشرك -والعياذ بالله تبارك وتعالى- «ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه»؛ أي تذكر عظمة الله؛ ففاضت عيناه بالدموع خشية من الله.
الشفاعة يوم القيامة
عندما يغشى الناس هذا الحر الشديد، والكرب العظيم، يبحثون عمن يشفع لهم، ألا ترون ما قد بلغنا؟ ألا ترون من يشفع لنا؟ فيقولون: نذهب إلى آدم، أبو البشر، أول بشر على وجه الأرض؛ فيأتون آدم فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ألا ترى إلى ما نحن فيه، ألا تشفع لنا؛ فيقول: نفسي نفسي، إني أكلت من الشجرة وقد نهاني ربي.
انظر! هذا أبونا آدم نبي مصطفى مختار، يتذكر هذا الذنب، وهو الأكل من الشجرة فقط؛ فكيف المرتكب للفواحش العظام الذي سرق أموال الناس، والذي سفك، والذي اعتدى، والذي فعل الأفاعيل، ماذا يفعل هذا يوم القيامة؟!
اذهبوا إلى نوح؛ فيأتون نوحًا -عليه السلام- فيقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم؛ فإنه خليل الرحمن؛ فيأتون إلى خليل الرحمن إبراهيم؛ فيقول: اذهبوا إلى موسى؛ فيقول موسى: إني قتلت نفسًا لم أؤمر بقتلها، قتل نفسًا قبطية، قيل: إنه: طباخ فرعون. اذهبوا إلى عيسى؛ فيذهبون إلى عيسى؛ فيقول: إني عبدت من دون الله. اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم
فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فيقول: أنا لها، أنا لها، أنا صاحب الشفاعة؛ فيخر ساجدًا لله -جل وعلا-، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : يفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لا أستحضره الآن؛ لأن الأمر ليس بالسهل، ليس أمرًا سهلًا يسيرًا إنه أمر عظيم، أن يستأذن الله رب -العزة والجلال-، العظيم، الجبار، القهار في الشفاعة العظمى حتى ينصرف العباد، إما إلى الجنة، وإما إلى النار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : فأخر ساجدًا قدر جمعة -أسبوع كامل-؛ فيقال: يا محمد ارفع رأسك، ادع تجب، سل تعط، اشفع تشفع، ثم يخر ساجدًا مرة ثانية، يسبح الله، ويعظم الله، ويقدس الله -جل وعلا- جمعة أخرى، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، ادع تجب، سل تعط، اشفع تشفع؛ فأول كلمة يقولها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأقول: يا رب أمتي، يا رب أمتي، يا رب أمتي؛ فانظر كيف تذكر هذا النبي الكريم أمته؛ فما حالنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ هل نحن نطيعه؟ هل نحن نتخذه أسوة؟ هل نمتثل أوامره؟ هل نعرف سيرته؟ هل نحب ما يحب؟ هل نحب أصحابه وندافع عنهم وعن أزواجه أمهات المؤمنين؟ نسأل الله -جل وعلا- أن يرزقنا شفاعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن يجمعنا به في أعلى عليين.
لاتوجد تعليقات