رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد احمد لوح 7 سبتمبر، 2021 0 تعليق

الإيجابية في حياة المسلم (2)

                                                          

استكمالا للمقال السابق عن الإيجابية في حياة المسلم؛ حيث تحدثنا عن مسائل عدة، أولها مفهوم الإيجابية، ثم أهميتها في حياة المسلم، والمسألة الثالثة كيف نحقق الإيجابية في أفراد المجتمع؟ والمسألة الرابعة، مظاهر الإيجابية، ثم المسألة الخامسة، هكذا علمنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - الإيجابية وذكرنا منها الإيجابية في الدعوة واليوم نكمل هذه المسألة.

٢- الإيجابية في معاملة الأهل والأصحاب

     من صور الإيجابية في الدعوة التي علمنا إياها النبي -صلى الله عليه وسلم- ما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن أعرابيا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء أو سجلا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين».

رجل يبول في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيعامله - صلى الله عليه وسلم - هذه المعاملة الإيجابية التربوية، إنه لدرس عظيم حري بأن يستوعبه المسلمون حتى يتعلموا طريقة التعامل مع حدثاء العهد بالإسلام.

الفتن الكبار

     ومن تأمل ما جرى في الإسلام من الفتن الكبار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر طلبت إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام، عزم على تغيير البيت ورده إلى قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك -مع قدرته عليه- خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قریش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر.

واقعة أخرى

     وفي واقعة أخرى: روى الشيخان عن معاوية بن الحكم السلمي قال: «بينا أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وا ثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم؛ فلما رأيتهم يصمتوني، سكتُّ، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - -فبأبي هو وأمي! ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، والله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني - قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن».

٣- الإيجابية في معاملة المنافقين

إن حركة المنافقين تعد أقدم وأخطر حركة هددت كيان الدعوة الإسلامية في عقر دارها، بل في عمق بيتها، ومع ذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقابل تحركاتهم بالتغاضي والعفو والصفح ترجيحا لمصلحة الحفاظ على كيان الأمة، وحصنها الداخلي، فقد روى الشيخان عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: یا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بال دعوى الجاهلية؟ قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال: دعوها فإنها منتنة. فسمعها عبد الله بن أبي قال: قد فعلوها والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال عمر: یا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال: دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه.

فوائد من هذه الواقعة

(1)  أن المحافظة على سمعة الجماعة مطلب شرعي.

(2)  أن ذلك يكون بالعمل وليس بالدعاوى والشعارات الخاوية.

(3)  أن التسمي بالأسماء الشرعية المعبرة عن واقع المجموعة لا غبار عليه.

(4)  وأنه إذا ترتب على التسمية نوع من العصبية صارت باطلة غير شرعية.

من يمنعك مني؟

وإليك واقعة أخرى أظهرت هذه الصفة من أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهذه المرة مع عدو لدود من المشركين، كان يتحين فرصة سانحة للقضاء على صاحبة الدعوة وتصفيته جسديا، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل نجد، فلما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قفل معه فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت سمرة فعلق بها سيفه، قال جابر فنمنا نومة، ثم إذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعونا، فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا، فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت الله، فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم . (أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما).

ووقع في رواية ابن إسحاق..: فوقع السيف من يده، فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: من يمنعك أنت مني؟ قال: لا أحد. قال: قم فاذهب لشأنك. فلما ولی قال: أنت خير مني. ثم أسلم بعد.

قال الحافظ ابن حجر: «فقد من عليه لشدة رغبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في استئلاف الكفار ليدخلوا في الإسلام، ولم يؤخذ بما صنع، بل عفا عنه، وقد ذكر الواقدي: أنه رجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير.

4- الإيجابية في معاملة أهل البدع والمعاصي

     إن القاعدة العامة المقررة في قوله -تعالى-: {كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم} يجب أن يستشعرها الداعية في دعوته، سواء في محيط من يدعوهم إلى الإسلام والإيمان، أم في محيط من يدعوهم إلى السنة وإخلاص العبادة الله -تعالى-، فالذين وقعت منهم البدع أو المعاصي ليسوا جميعا على مرتبة واحدة؛ بل هم من حيث التأصيل العلمي الواقعي ينقسمون إلى أقسام:

المبتدعة

١- فهناك من العلماء من أصل أصوله على البدعة وتبنى هذه الأصول عن علم ومعرفة، ودعا إليها، وهؤلاء هم المبتدعة الحقيقيون، وإن وافقوا السنة في بعض المسائل.

أهل السنة والجماعة

٢- ومنهم من تبنى منهج أهل السنة والجماعة، وحصَّل السنة من منابعها، واحتفى بها وناصرها وذب عنها ودار معها حيثما دارت عقيدة وعملا وسلوكا، فهؤلاء هم أهل السنة والجماعة، فإذا حصل أن اجتهد أحدهم في أفراد المسائل العلمية التي هي مجال للاجتهاد فأخطأ وقال فيها بقول أهل البدع لم يوصف بأنه مبتدع، فلو كان كل من أخطأ في مسألة ما حكم عليه بالخروج من منهج السلف لم يبق لنا أحد؛ إذ لا معصوم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

العامة والدهماء

3- العامة والدهماء من أتباع المذاهب والطوائف، وهؤلاء ملحقون بمتبوعيهم، لكن ينبغي الاهتمام بتعليمهم وإقامة الحجة عليهم، وهذا ما فعله - صلى الله عليه وسلم - مع الثلاثة الذين كادوا يقعون تحت طائلة الإحداث في الدين لولا هذا الموقف الإيجابي التعليمي من النبي - صلى الله عليه وسلم -: فقد روى البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أخبروا كأنهم تقالوها؛ فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء لا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني، وأما أهل المعاصي فينبغي الرفق بهم والأخذ بأيدهم إلى الصراط المستقيم، فقد رأينا الصورة الإيجابية واضحة في معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي الذي بال في المسجد.

     وفي صورة أخرى: عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: إن فتى شابا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا مه مه! فقال: ادنه فدنا منه قريبا فجلس قال: أتحبه لأمك؟ قال لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه؛ فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.

ونلاحظ هنا:

- أن هذا الشاب طلب استباحة كبيرة من الكبائر بين يدي النبوة.

- لم ينهره النبي -صلى الله عليه وسلم- كعادته مع الذين لا يعلمون.

- أسلوب الإقناع المنطقي الذي سلكه مع هذا الشباب.

- رحمته الواضحة في الدعاء له بالطهارة والنقاء من المعاصي.

 

 

آثار الإيجابية في المجتمع 

- اتسام المجتمع بالتسامح والتصافي والخلو من الضغائن والأحقاد.

- فشو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والصبر.

- اجتماع الكلمة ووحدة الصف.

- الرفعة والمنعة والغلبة.

- استحقاق نصرة الله وتمكينه في الأرض.

 

آثار الإيجابية في حياة الفرد المسلم

- راحة النفس وانشراح الصدر؛ حيث يحب لإخوانه ما يحبه لنفسه.

- القدرة على تحمل المشاق في سبيل الدعوة.

- استيعاب مختلف طوائف الناس وإتقان سبل جذبهم إلى المنهج الحق.

- القدرة على ضبط النفس في الأقوال والأفعال.

- المعرفة الواسعة في مجال ضبط ردود الأفعال فلا انسياق وراء العواطف.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك