الإلحاد الجديد في العالم العربي (1)
يعد الإلحاد الجديد (New Atheism) مصطلحًا معروفًا متداولاً في الدوائر الفكرية والفلسفية، ويمكننا أن نؤرخ لبداية صعوده في الغرب بأحداث 11 سبتمبر 2001؛ ففي عام 2004 صدر كتاب الملحد (سام هاريس (Sam Harris (نهاية الإيمان End of Faith) الذي كان من أكثر الكتب مبيعًا في أمريكا، وكان فاتحة سلسلة من كتب الإلحاد الأكثر مبيعًا في العالم.
في هذا الكتاب أشار سام هاريس إلى أن أحداث 11 سبتمبر - التي ألقى فيها اللوم على دين الإسلام مباشرة - هي الدافع لكتابته هذا الكتاب، وهاجم الإسلام واليهودية والنصرانية بعنف، وبعد عامين قام هاريس بكتابة (رسالة إلى أمة نصرانية Letter to A Christian Nation) الذي انتقد فيه أيضًا النصرانية بشدة. في عام 2006 عرض (ريتشارد دوكينز (Richard Dawkins الفيلم الوثائقي (أصل كل الشرور Root of All Evil) طاعنًا في الله -عز وجل- وفي الأديان جميعها ، ثم أتبعه بكتابه الأشهر على الإطلاق (وهم الإله The God Delusion) الذي ظل شهورًا طويلة على قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في العالم، وطبع منه ملايين النسخ، وترجم إلى العديد من اللغات.
أسباب الإلحاد
لماذا نسعى لمعرفة أسباب الإلحاد في مجتمعاتنا العربية؟
1) تفيدنا معرفة أسباب الإلحاد في توصيف الحالة الإلحادية وتشخيصها بدقة وموضوعية، ومن ثم إجراء العلاج الصحيح، وإذا فشلنا أو عجزنا عن تحديد التشخيص تحديدا سليما، فلن نحدد العلاج بدقة.
2) معرفة التنوع الكبير في أسباب الإلحاد يجعلنا أكثر موضوعية في تناول الظاهرة، ويقينا من اختزالها اختزالا سطحيا في سبب واحد فقط مثل: المؤامرات الخارجية، أو حب الشهرة أو الموضة، أو حب الشهوات.
3) معرفة نقاط ضعفنا المعرفية والمجتمعية التي يتسلل منها الإلحاد إلى شبابنا تفيدنا في السعي لإصلاح هذه العيوب ورتقها؛ فيهتم الآباء بالحوار مع أبنائهم الصغار والإجابة عن أسئلتهم قبل أن يكبروا ويصبحوا خناجر مسمومة في قلب دينهم وأمتهم، وتهتم المؤسسات الدعوية بتحصين المجتمع ضد الأفكار والأطروحات الإلحادية ونشر الأجوبة عن تساؤلات الشباب في صيغ عصرية كتابية و مرئية؛ بحيث تكون في متناول العوام، و تهتم مراكز الأبحاث بتفكيك العلاقات بين النصوص الشرعية ومعطيات العلم التجريبي و تحليلها بالطريقة التي تدرأ الشبهة وترفع التعارض الموهوم بين النقل والعلم، وهكذا.
أسباب الإلحاد في العالم العربي
يمكن تقسيم أسباب وقوع الشباب العربي في الإلحاد إلى أسباب شخصية واجتماعية ومعرفية.
أولاً: الأسباب الشخصية
وهي التي تعود إلى الشخص نفسه، ويمكن تقسيمها إلى أسباب نفسية وأسباب فكرية، لكن مراعاة لعدم المبالغة في التقسيم سنذكرها مجموعة تحت تقسيم واحد.
1- الثقة الزائدة بالنفس والغرور المعرفي
بعض الشباب عنده ثقة زائدة بإيمانه وصحة اعتقاده، وفي كثيرٍ من الأحيان يكون هذا الإيمان مجرد إيمان قلبي عاطفي ليس مؤسسًا تأسيسا علميًا صحيحا؛ فهو إيمان بالقلب دون معرفة أو علم سليم بالدين وأدلته وأسباب اليقين به، وعندما يتعرض هذا الصنف من المؤمنين لتحديات الإلحاد واستشكالاته وتساؤلاته لا يجد لديه من العلم أو المعرفة ما يدفع به هذه التساؤلات والشكوك، وهو في الوقت نفسه لا يعترف بجهله بدينه، وبأن الأجوبة عن هذه التساؤلات موجودة لكنه يجهلها، فتكون النتيجة وقوعه في الإلحاد.
2
- الجفاف الروحي
عدم الشعور بلذة العبادة والقرب من الله والأنس بذكره ومناجاته -تبارك وتعالى- يؤدي إلى جفاف شديد في المشاعر الإيمانية، وهذا الجفاف يجعل قرار الإلحاد يسيرًا على المرء، بخلاف من عاين وخبر هذه المشاعر.
3- السطحية الفكرية
بعض الشباب عندما يشرع في قراءة بعض الكتب أو المقالات أو الفيديوهات التي تروج للإلحاد قد ينبهر بما تعرضه؛ نظرًا لافتقاده الحاسة النقدية، أو لعدم قدرته على التمحيص والنقد لكل ما يُعرض أمامه من أطروحات؛ فيكون هذا الأمر بابًا للوقوع في الإلحاد، بينما لو تريث الشاب حتى يزداد علمًا ورسوخًا في القراءة والمعرفة لكان قراره مختلفًا تمامًا، كما يقول د. هيثم طلعت: «الإلحاد هو حكمٌ سطحيٌّ كسولٌ للغاية على قضية عميقة للغاية ممتلئة بالأدلة»، ومن هذا الباب أيضًا المقولة المشهورة (لفرانسيس بيكون): «قليل من الفلسفة يؤدي للإلحاد والتعمق فيها يؤدي للإيمان».
4- الاندفاع والعجلة
وهذا السبب قريبٌ من الذي قبله لكنه يتعلق بالجانب النفسي لا الفكري.
5- سطوة الشهوات
وهذا من أبرز أسباب الإلحاد بين المراهقين؛ حيث يتعارض الاستمتاع بالشهوة مع الشعور بالذنب ووخز الضمير، ويكون على المرء أن يختار بين طاعة الله والانخراط في الشهوات، فيكون قراره هو التخلص من الدين وتكاليفه، وهذا هو ما يدندن حوله كثير من منظري الإلحاد في كلامهم عن أن الشخص عندما يتخذ قرار الإلحاد يشعر بحالة من الارتياح والخلاص من التكاليف الدينية، لكن بالطبع هذا الشعور المبدئي بالراحة والتخفف من التكاليف الدينية يليه بعد فترة - طالت أو قصرت - الشعور بالقلق النفسي وفقدان السعادة وعدم القدرة على التلذذ بالمتع الدنيوية حتى مرحلة اليأس والقنوط من مصاعب الحياة الدنيا والرغبة في الانتحار.
6- الاضطرابات النفسية
هناك علاقة بين الإلحاد وعددٍ من الاضطرابات النفسية، مثل: اضطراب الشخصية الحدية BPD)) أي الشخصية التي لا تعرف إلا لغة الـ مع و الـ ضد، وكذلك اضطراب الشخصية شبه الفصامية Semi Schizotypal Personality) (Disorder، الشخصية غريبة الأطوار، تكون في كل حالاتها كذلك و ربما تعتنق الإلحاد بوصفه جزءا من الاضطراب. و هناك أيضا دوائر تتقاطع مع الاضطرابات النفسية -و هي ليست كذلك- مثل أصحاب الشذوذ الجنسي (Homosexuality - Bisexuality - etc..) يتم استهدافهم في الدعاية للإلحاد بزعم أن الإلحاد هو الطريق الوحيد الذي يمنحهم حريتهم الجنسية. و أخيرًا توجد دائرة مرض الوسواس القهري (OCD) التي تتقاطع مع الإلحاد، وتبدو كذلك و لكنها قطعًا ليست إلحادًا و لكنه مرض يحتاج إلى العلاج الدوائي و الجلسات حسب حالة المريض.
7- نظرية الوالد المشوه المعيب
وضع هذه النظرية البروفيسور (بول فيتز أستاذ علم النفس بجامعة نيويورك)، مستخدمًا أدوات المدرسة التحليلية الفرويدية في علم النفس ليخرج بنتيجة مخالفة تمامًا لما وصل إليه فرويد ومنتقدًا إياه، ولفهم هذه النظرية بدقة من المهم أن نتعرف بإيجاز على المدرسة التحليلية في علم النفس التي وضع أسسها (سيجموند فرويد) الذي لفت الانتباه إلى وجود ما يعرف باسم العقل الباطن أو اللاوعي أو اللاشعور، وكيف أن هذا العقل الباطن يؤثر في سلوكياتنا وأفكارنا وقراراتنا دون أن نشعر.
دوافع نفسية
وينطلق بول فيتز من هذه المدرسة في علم النفس فيقرر أن دوافع الإلحاد وموانع الإيمان بالله -تعالى- هي بالأساس نفسية وليست عقلية منطقية، وأن هذه الدوافع تنقسم إلى قسمين: سطحية مثل الانتماء لفئة اجتماعية أو علمية معينة أو عدم الرغبة في التقيد بالتكاليف الدينية أو غيرها؛ وعميقة في العقل الباطن وهي الدوافع التحليلية.
أسباب الإيمان بالله
يرى فرويد أن أسباب الإيمان بالله نفسية لا يمكن الاعتماد عليها، وهي تعبيرٌ عن عقدة أوديب؛ حيث يتخلص الأبناء من أبيهم الذي يغارون منه حتى يظفروا بأمهم، ثم ينشأ لديهم الشعور بالذنب تجاهه، ثم يتطور هذا الشعور إلى تعظيم وتبجيل ثم عبادة وتأليه، وهكذا ينشأ الإيمان بالله عند فرويد.
عقدة أوديب
ينتقد فيتز هذا التصور من وجوه عدة، لكن أبرزها هو أن الأوقع والأصوب - على سبيل الإلزام - عَدُّ الإلحاد تعبيرًا عن عقدة أوديب؛ حيث إن إنكار الإله هو هزيمة هذا الرمز الأبوي والانتصار عليه، لكن فيتز في الحقيقة لا يرى أن العقدة الأوديبية هي الصورة الصحيحة لتفسير الدوافع التحليلية في العقل الباطن للإلحاد.
لاتوجد تعليقات