الإصلاح ما استطعت – مواجهة الفساد واجب المجتمع كله
لقد جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيق مصالح العباد ودفع المفاسد عنهم، فقد أمر الله -سبحانه وتعالى- بالإصلاح، ونهى عن الإفساد، فقال {وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ»، ونهانا عن طاعة المفسدين فقال» وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}، وأخبر -سبحانه- أنه لا يحب الفساد وأهله، فقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}، وجعل -سبحانه- الدار الآخرة للمصلحين، فقال -تعالى-: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
وقد كان الإصلاح ومحاربة الفساد هو سبيل الأنبياء والمرسلين، قال شعيب -عليه السلام-: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}، وقال صالح -عليه السلام-: {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.
مشكلة العصر
وإن من أعظم صور الفساد التي فشت في المجتمعات، الفساد المالي والإداري الذي أصبح مشكلة العصر، حتى أضحى ظاهرة تعاني منها جميع الدول، فهو أزمة أخلاقية تعصف بالمجتمعات، وخلل في القيم، وانحراف في السلوك، وضعف في مراقبة الله -تبارك وتعالى، فكم أعاق من تنمية، وأثر في المصالح العامة للشعوب!
صور متعددة
ولقد اتخذ هذا الفساد صورًا كثيرة، ومظاهر وأشكالا متعددة منها: الاعتداء على الأموال والممتلكات العامة والخاصة، وقبول الرشوة وهدايا العمال، واستغلال المناصب للمصالح الذاتية.
الشريعة ومحاربة الفساد
ولقد حاربت الشريعة الإسلامية كل هذه الصور من الفساد من خلال نصوص كثيرة؛ فهي التي رسخت مبدأ من أين لك هذا؟ كما ورد في الحديث الشريف: «لا تَزُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَدَمَا عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ» صححه الألباني، ودعت إلى مراقبة الله والخوف منه، وجعلت الإحسان أعلى مراتب الدين، وهو أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وحرمت الشريعة أيضا أخذ المال بالطرائق المحرمة أيضا، فعن خولة الأنصارية -رضي الله عنها- قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق؛ فلهم النار يوم القيامة»، ونهت الشريعة أيضا عن الغش بكل صوره، قال رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» ولعنت الشريعة من أخذ الرشوة أو أعطاها، فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» رواه مسلم، كما أنها ترفض استغلال المناصب للمصالح الشخصية أو أخذ الهدايا عليها، فعن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- قال : قال - صلى الله عليه وسلم -: «هدايا العمال غلول» صححه الألباني.
قال البغوي -رحمه الله-: «وفي الحديث دليل على أن هدايا العمال والولاة والقضاة سُحتٌ؛ لأنَّه إنَّما يُهدَى إلى العامِلِ؛ ليغمضَ له في بعض ما يجِب عليه أداؤُه، ويبخَس بحقِّ المساكينِ، ويُهدَى إلى القاضي ليَميلَ إليه في الحُكمِ، أو لا يُؤمَن من أن تحملَه الهدِيَّةُ عليه». رواه البخاري
مواجهة الفساد
إن مواجهة الفساد واجب المجتمع كله، فيجب علينا جميعا أن نتعاون على محاربة الفساد، كل في موقعة ووفق الأصول الشرعية، والقواعد المرعية؛ فإن البلاء إذا نزل عم الصالح والطالح فينا، عن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ - رضي اللَّه عنهما-، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا». رواه البخاري
لاتوجد تعليقات