رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فَتْحي بِن عَبدِ الله المَوْصِليِّ 25 أغسطس، 2021 0 تعليق

الإصلاح الشّرعيُّ.. المنطلقات والمقومات (2)

 

ما زال الحديث مستمرا عن منطلقات الإصلاح الشرعي ومقوماته؛ حيث ذكرنا أن الداء العضال الذي أصاب الأمة في وقتنا الحاضر لا يعالج بالأمنيات والشعارات، ولا بإطلاق العبارات ويسير التحركات، ولا بإصدار البيانات وتحريك المظاهرات، وإنما يعالج بمنهجية عريقة، وسنين طويلة، وجهود كبيرة من العمل والإصلاح، كما ذكرنا عددا من عناصر الإصلاح ومقوماته ومواده وذكرنا منها أربعة عناصر وهي: إصلاح الخاطرة بالمراقبة، وإصلاح الفكرة بالعقيدة، وإصلاح الإرادة بالإخلاص، وإصلاح الكلمة بالصدق، واليوم نكمل تلك العناصر.

(1) إصلاح العمل والطاعة بالاتباع

     وهو إصلاح الأعمال والطاعات بالموافقة للكتاب والسنة وتطهيرها من الشرك والبدعة، كما قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)}؛ وقال -تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}؛ أي: آمن إيماناً شرعيّاً، وقال -تعالى-: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}.

(2) إصلاح المعاملة بالعدل والإحسان

     هذا النوع من الإصلاح من الدقة بمكان؛ بحيث تجري تصرفات الإنسان مع غيره على نهج الشريعة وأحكامها ومقاصدها، فيتديَّن العبد في معاملة الناس بالصبر والسماحة والعدل والإحسان والآداب والأخلاق، كما قال -تعالى-: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ ياقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَاهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ وَياقَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الاَْرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ}؛ فأمرهم الله -تعالى- أولاً بإصلاح الفكر بالاعتقاد السليم والتوحيد الصحيح، ثم بإصلاح المعاملة؛ ليكون الإصلاح في المعاملة مبنيًّا على الإصلاح في الفكر.

(3) إصلاح الصحبة بالتقوى

وهذا ظاهر في قوله -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.

(4) إصلاح الأسرة بالتربية

كما قال -تعالى-: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، وقال -تعالى-: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}، وقال -تعالى-: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}.

(5) إصلاح الدعوة بالحكمة

كما قال -تعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وقال -تعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ}.

(6) إصلاح الإدارة بالتعاون والإتقان

كما قال -تعالى-: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) َقالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا}.

(7) إصلاح القدوة بالمناصحة والمشاورة

     كما قال -تعالى- على لسان موسى -عليه السلام-: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}، وقال -تعالى- على لسان ملكة سبأ-: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ}، وقال تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.

(8) إصلاح الولاية بالقوة والأمانة

كما قال -تعالى-: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)}، وقال -تعالى-: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}.

(9) إصلاح السّياسة بالشّرع والعدل

     كما قال -تعالى-: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، وقال -تعالى-: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}.

(10) إصلاح الدولة بالأمن والاستقرار

     كما قال -تعالى-: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}، وقال -تعالى-: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}، وقال -تعالى- على لسان ملكة سبأ-: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)}.

(11) إصلاح الأمة بالوحي والرسالة

     كما قال -تعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وقال -تعالى-: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.

(12) إصلاح (الحضارة) بالعلم والأخلاق

     تطلق (الحضارة) على الإقامة في الحضر، ثم شاع استخدامها في العصر الحديث في الدلالة على مظاهر الرقي العلمي والأدبي والاجتماعي، أو للتعبير عن المدنية واتساع العمران؛ وإصلاحها يكون بالعلم والأخلاق؛ كما قال -تعالى-: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}، وقال -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)}، وقال -تعالى-: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)}.

أصلان عظيمان

     وهذه المقومات والعناصر من: المراقبة، وحسن الاعتقاد، والإخلاص، والصدق، والاتباع، والعدل والإحسان، والتقوى، والتربية، والحكمة، والتعاون والإتقان، والمناصحة والمشاورة، والقوة والأمانة، والشرع والعدل، والأمن والاستقرار، والوحي والرسالة، والعلم والأخلاق، كلها ترجع- في الحقيقة- إلى أصلين عظيمين وهما: (العدل والعلم)، كما قال -تعالى-: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.

ثلاث حقائق مهمة

وهاهنا ثلاث حقائق مهمة للوصول إلى الإصلاح الشّرعي الشّامل المتدرّج، وهي:

البدء بالأسهل

- الأولى: أن البدء في كل مرحلة من مراحل الإصلاح وفي كل منطلق من منطلقاته ينبغي أن يكون بالأسهل، كما قال ابن القيم -رحمه الله- في كتاب (الفوائد ص175): «ومن المعلوم أن إصلاح الخواطر أسهل من إصلاح الأفكار، وإصلاح الأفكار أسهل من إصلاح الإرادات، وإصلاح الإرادات أسهل من تدارك فساد العمل، وتداركه أسهل من قطع العوائد، فأنفع الدواء: أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك؛ فالفكر فيما لا يعني باب كل شر ومن فكر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه».

المتقدم مفتاح المتأخر

- الثانية: أن المتقدم من المنطلقات هو مفتاح المتأخر، والمرحلة التالية من الإصلاح هي ثمرة المرحلة السابقة؛ فإذا بدأ الإنسان - على أساسٍ صحيحٍ- بإصلاح التفكير أصلح الله له الأعمال؛ وإذا باشر بإصلاح العمل أصلح الله له الدعوة، وإذا أصلح الدعوة أصلح الله له السياسة، وهذا ظاهر في قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}، فالآية دلت على أن إصلاح الأعمال جزاء على إصلاح القول؛ فالثاني هو ثمرة الأول وأثرٌ من آثاره، فعلى أهل الإصلاح أن يدركوا حقيقةً مهمةً وهي أن الإصلاح السياسي في جميع أنواعه ما هو إلا ثمرة الإصلاح الشامل في ميدان الدعوة والإدارة.

أهل الإصلاح هم الغرباء

- الحقيقة الثالثة: أن أهل الإصلاح المتدرّج الشامل في كل عصر غرباء: غربة حال، ومعرفة، ومنهاج، وقد تنشأ غربتهم من تمسكهم بدينهم وقيامهم به، أو من قلة عددهم وازدياد عدد مخالفيهم، أو من علو همتهم في حمل الحق مقارنةً بغيرهم، أو من اختصاصهم بفهم العلم والدين والإيمان، أو من تفردهم بإحياء السنن وتعليم الأحكام، أو من اشتغالهم بإصلاح أنفسهم وإصلاح ما أفسده الناس، وقد تنشأ غربتهم من ذلك كله؛ فهم البقية الباقية من أتباع الرسل من الذين ذكرهم الله -تعالى- في كتابه: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ}.

     ويشهد لهذا المعنى: الحديث الذي رواه الطبراني بإسناد صحيح - وأصله في (صحيح مسلم)- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «طوبى للغرباء قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم»، والهدف المنشود لهؤلاء الغرباء الأنقياء الأتقياء هو: الوصول إلى النتائج الباهرة ؛ بحيث تكون: (الخاطرة سليمة، والفكرة صحيحة، والإرادة نقية، والكلمة سديدة، والعبادة مستقيمة، والمعاملة نافعة، والصحبة صادقة، والأسرة متماسكة، والدعوة ظاهرة، والإدارة ناجحة، والقدوة صالحة، والولاية أمينة، والسياسة عادلة، والدولة آمنة، والأمة جامعة، والحضارة قائمة)، ليكون التناسب بين المنطلقات والمقومات، وبين النتائج والمقدمات: بالمبنى والمعنى، وبالمنهاج والطريقة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك