رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 28 يناير، 2021 0 تعليق

الإصــلاح وأسباب الانحراف فيه

الإصلاح أمر محمود يقصده كل صالح ومصلح، محب لأهله ومجتمعه ووطنه، ولكن ليس كل من قصد الإصلاح كان مصلحًا، بل قد يكون عمله مما يفسد ولا يصلح.

أسباب الانحراف

وأسباب الانحراف في فهم الإصلاح وأولوياته، يرجع إلى ثلاثة أسباب:

السبب الأول:

 التأثر بمذاهب أهل البدع

     التأثر بمذاهب أهل البدع في الإصلاح، التي تقرر هذه المخالفات للكتاب والسنة المطهرة، ومثاله: تأثر بعض دعاة التغيير والإصلاح بمذهب الخوارج، الذي يسعي إلى إسقاط هيبة السلطان والدولة، والإنكار عليه علانية، والسعي في تأليب الناس عليه، واستعمال المظاهرات ضده، أو الضغط عليه بمختلف الأساليب، بل والسعي في خلعه وإزالته، وهذا الطريق هو حقيقة مذهب الخوارج، القائلين بوجوب خلع الإمام بمجرد الفسق، وارتكاب الكبيرة، ولا يرون له عند ذلك حُرمة ولا طاعة، بل يستبيحون دمه، وكثير من هؤلاء يقول بقول الخوارج أيضا في التكفير بالكبيرة، والقول بإزالة الحاكم الجائر أو الفاسق، أو يلمح به إنْ لم يصرح.

السبب الثاني: الخلل في فهم التشريع السياسي الإسلامي

الخلل في فهم التشريع السياسي الإسلامي، وبناء التصور السياسي المعاصر على وفق المبادئ الغربية وغيرها، مما جعلهم يسيئون الظن بشريعة رب العالمين في هذا الباب أو جهلوها، واعتقدوا ما يضادها.

منازعة الحاكم

     إن الإسلام قد أوجب للسلطان على رعيته السمعَ والطاعةَ في غير معصية، وحرَّم الخروج عليه ما لم نر كفرًا بواحًا، عندنا من الله فيه برهان، كما ثبت في الحديث الصحيح، بل ووراء ذلك كله اتباع الهوى، والهوس في تولي السلطة، والطمع في زينة الدنيا وحطامها، وقد قال -تعالى-: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (القصص: 50).

تلاشي الأولويات الشرعية

     وفي خضم هذه الأهواء والنظريات والسياسات البعيدة عن الشرع، والتطبيقات العقلية لها، تتلاشى الأولويات الشرعية، فلا نجد أثرا للدعوة إلى توحيد الله -عز وجل- والتوحُّد على ذلك، والتجرّد لمتابعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتعظيم سنته، والتمسك بأحكام شريعته، وطاعة ولاة الأمر من الأمراء والعلماء، واعتقاد وجوب السمع والطاعة لهم دينا، ولزوم جماعة المسلمين، والمحافظة على عصمة الدماء والأموال والأعراض والنسل، بل أصبحت مظاهر المنكرات بل والكبائر في محل القبولِ لدى هؤلاء أو في محل التغاضي عنها، كالربا والفواحش والاختلاط والسفور والخمور من غير نكير، بل ضاعت عقيدة الولاء والبراء، وهجران أهل البدع، حتى المغلظة منها.

موالاة أهل البدع

     بل صرنا نرى النقيض من ذلك، فنرى موالاة أهل البدع، والتودّد إليهم وإرضاءهم، وفي المقابل نجد الطعن على أهل السنة ومنهاجهم وعقيدتهم، واللمز والهمز في القواعد والأحكام التي قررتها الشريعة الغراء، ودرج عليها السلف الصالح، كلزوم جماعة المسلمين، والإقرار بالسمع والطاعة للأئمة وإنْ جاروا، وكالعناية بالنصيحة لهم سرًا، حتى وُصف ذلك بأنه رضى بالظلم، وتحطيم للأمة وإذلال لها، وسعى بعضهم للطعن في الأحاديث الدالة على ذلك وتضعيفها.

السبب الثالث

الخلل والجهل في تصور واجبات الحاكم نحو شعبه

     الخلل والجهل في تصور واجبات الحاكم نحو شعبه، والتأثر بالنظرة الغربية الشهوانية، فقد اعتقد كثيرٌ من المسلمين أن مسؤولية الحاكم وولي الأمر الأولى هي: الفناء في توفير الراحة والرفاهية والترف للشعب، وأسباب السعادة والمتعة، ومجانية العلاج والتعليم، لتحقيق الرفاهية والمتعة، وهكذا توفير الوظائف والرواتب، ورعاية المعوقين ونحوها، والصحيح أن هذا وإنْ كان مما يلزم الدولة بقدر إمكاناتها، لكنه ليس هو أول مسؤوليات الحاكم، ولا أولويات الدولة المسلمة المؤمنة، ولا سيما إذا كانت الدولة فقيرة، وبعض ذلك وإنْ دخل في عموم المصالح العامة، فإما أنْ يكون مباحا يجوز السعي إليه، ويُؤخذ منه بقدر الحاجة والقدرة، وأما ما كان واجبا أو مستحبا فإنه ينظر إليه بحسب درجته بين الأولويات الشرعية.

مقاييس العالم الغربي

     وإذا كان العالم الغربي لا همّ له إلا متاع الحياة الدنيا، فما بالنا -نحن المسلمين- الذين أكرمنا الله بالإسلام وبشريعته الغراء، نجعل مقاييسهم ومفاهيمهم مقاييساً لنا ومفاهيم، ومبادئ في حياتنا وتعاملاتنا مع بعضنا! وفي إقامة مجتمعاتنا التي يجب أن تكون كما أراد الله -عز وجل- لنا، قال -سبحانه-: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110)، وقال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (محمد: 7 - 9).

ما يتعلق بالمصالح الدنيوية

وأهم ما يتعلق بالمصالح الدنيوية يرجع إلى أمرين، ذكرهما شيخ الإسلام ابن تيمية، وهما:

(1) قَسم المال بين مستحقيه بالعدل.

(2) وردع المعتدين والجناة.

- والمقصود: «إعطاء الناس حقوقهم المالية، ودفع الشر والمجرمين عنهم وحمايتهم، وتكميل ذلك بتوفير الخدمات التي تيسر أمور حياتهم ومعيشتهم، والناس بطبيعة الحال إذا أعطوا الأمن والعدل، قاموا بتدبير شؤون حياتهم، والتصرف فيها والتكسب بما يعود عليهم بالخير والرفاهية، والدولة تقوم بمعونتهم في ذلك بقدر الاستطاعة، وبما يوافق أحكام الشريعة، ولكن عدم الفهم الصحيح لهذه النقطة يساهم في وقوع الانحراف في فهم الأولويات في الإصلاح، ومن ثم اتهام الآخرين بالتقصير والإخلال».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك