رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 2 مايو، 2017 0 تعليق

الإسلام يدعو إلى العقيدة الصالحة ولايقر حرية الإعتقاد

 


عقدت إحدى المنظمات الكويتية الأسبوع الماضي ورشة عمل تحت عنوان: (حرية المعتقد)، ولا شك أن هذا العنوان وهذا الطرح من القضايا التي شغلت الناس في هذا العصر، وهذه الفكرة - حرية الاعتقاد - في الفكر الغربي تقوم على أساس علماني، وعلى عزل الدين عن أن يكون جزءًا من أنظمة الدولة، وأصبحت العقيدة مسألة شخصية، الحق فيها نسبي ولا دخل للدولة فيه، فليعتنق كل فرد ما يشاء بشرط عدم الإضرار بالنظام العام أو بحريات الآخرين!

     وقد قام الغرب بنشر هذا المصطلح وفق مفهومه لديهم، وتم فرضه على العالم بالترغيب تارة، وبالترهيب تارة أخرى، ووصل التأثر بهذا المفهوم إلى أن أصبح منصوصًا عليه في دساتير عدد من البلدان الإسلامية، وصار له دعاة يدعون إليه سرًا وجهرًا؛ نظرًا لما يحققه من اعتراف بشتى العقائد، وهنا يصبح المجال مفتوحا لضعاف النفوس والزائغين للانتقال من دين إلى آخر؛ مما يسبب فتنة الناس عن دينهم وتسهيل سبل الانحراف لهم.

لذلك فالفكرة الغربية في حرية الاعتقاد تتلخص في رفض تقييد الشرائع الربانية، وإحالة التقييد على الأهواء البشرية، وليس كل البشر يشاركون بأهوائهم في هذا التقييد، بل هو حكر على المُشَرِّع الغربي العنصري الذي يملك الحقيقة المطلقة دون سائر البشر.

وقد حاول بعض المفكرين المسلمين وخاصة أصحاب التوجهات الليبرالية والعلمانية التوفيق بين نصوص الشريعة وأحكامها وبين المفهوم الغربي لحرية الاعتقاد فكانت النتيجة التعسف في تأويل نصوصها وتوهين بعض أحكامها.

اللقيط الغربي

 لذلك عندما حاول الذين تلقفوا هذا اللقيط الغربي ليدخلوه في التشريع الإسلامي بالقوة، اضطربوا اضطرابا كبيرًا في القيود على حرية الاعتقاد، وهذا الاضطراب يدل على عسف في إدخال هذا اللقيط الغربي في التشريع الإسلامي؛ إذ لو كان من الإسلام لكان منضبطًا لا مضطربًا.

ويمكن تقسيم الاتجاهات الفكرية الإسلامية في تقييد حرية الاعتقاد إلى اتجاهين:

الاتجاه الأول: نص أصحابه على إطلاق حرية الاعتقاد، وزعموا عدم وجود قيود عليها، ومن الأمثلة على هذا الاتجاه:

- قول نخبة من أساتذة القانون في مصر: حرية الدين مطلقة لا يرد عليها أي قيد؛ فللإنسان أن يؤمن بأي دين سماوي أو غير سماوي، وله أن يكون ملحداً أو كافراً، يقول -سبحانه-: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}(البقرة:256)، ويقول -جل شأنه-: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}(الكهف:29).

الاتجاه الثاني: المتفقون على تقييدها، المضطربون في تحديد هذه القيود:

عموم الشريعة

- فمنهم من قيدها بعموم الشريعة الإسلامية: كقولهم: كل حر في عقيدته لكن في إطار الشريعة الإسلامية، فكل عقيدة لا تصطدم بالحق والخير من حيث كونها تنبثق في أصلها وأساسها من الإيمان بوجود الله الخالق بقطع النظر عن ملابسات التفكير الجانبية الخطأ التي طرأت عليها هي في نظر الإسلام عقيدة يصان أهلها عن كل إكراه.

- ومنهم من قيدها بالنظام العام أو بما لا يدعو إلى فتنة أو يثير الانتقام والشقاق في البلاد.

- ومنهم من قيدها بعدم الردة، واحترام الديانات السماوية الأخرى، وقبول مبدأ التعايش معها، وعدم اعتماد العنف والإكراه.

- ومنهم من قيدها بألا يعتدوا على المسلمين، ولا على الدين الإسلامي.

- ومنهم من فرق في القيود بين المسلم وغيره؛ فجعل قيد المسلم ألا يخرج عن أصل الدين، وغير المسلم باحترام سلامة النظام العام وأمن الدولة.

- ومنهم من ذكر أن ضابطها وضابط ممارسة الشعائر والدعوة إلى الدين: أن تكون في ظل الحفاظ على أمن المجتمع، والحرص على سلامة النسيج الوطني.

- ومنهم من قرر أن حرية العقيدة لا تعني التلاعب في المعتقدات الدينية، أو اتخاذها هزواً أو لعباً، أو استحداث عقائد جديدة تتناقض مع الأديان السماوية، ولاسيما دين الإسلام.

- ومنهم من زعم أن من بنود الحرية الدينية في الإسلام: أن يترك لغير المسلمين حرية تأدية شعائرهم، وأن يترك لهم حرية الدعوة إلى دينهم ما لم يؤد ذلك إلى إثارة الفتن والفوضى في المجتمع، كما أن المسلم يدعو لدينه وبالضابط نفسه.

- ومنهم من ادعى أنه في إمكان غير المسلمين أن يعلنوا عن دينهم ومذهبهم وعقيدتهم، وأن يباشروا طقوسهم الدينية، وأن ينشئوا المدارس والمعابد لإقامة دينهم ودراسته دون حرج عليهم سواء كانوا يهوداً أم نصارى، بل ولهم أن يكتبوا ما يشاؤون عن عقيدتهم، وأن يقارنوا بينها وبين غيرها من العقائد الأخرى في حدود النظام العام والآداب والأخلاق الفاضلة.

إظهار الطقوس والشعائر

- ومنهم من ادعى أن الشريعة سمحت لغير المسلم في أي بلد إسلامي أن يعلن عن دينه ومذهبه وعقيدته، وأن يباشر طقوسه الدينية، وأن يقيم المعابد والمدارس لإقامة دينه ودراسته دون حرج، وأن من حقهم أن يباشروا عباداتهم علناً.

حق الإنسان في التعبير

- ومنهم من قرر أن الأمر لا يقف عند اعتراف الإسلام بحرية العقيدة، بل يمتد ليشمل حق الإنسان في التعبير عن عقيدته وممارسته إياها في علنية وحرية، وفي حقه في الدفاع عنها وفي الدعوة إليها، وفي نقد غيرها من المعتقدات.

احترام أماكن العبادة

- ومنهم من قرر أن حرية العقيدة تستلزم احترام أماكن العبادة جميعاً من دون تمييز بين الأديان وفقاً للآية الكريمة: {وَلَوْلَا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج:40).

 ومؤدى هذا الكلام: أن تحترم الوثنية ومعابدها كما تحترم المساجد، فيحترم محل الشرك كما يحترم محل التوحيد.

أدلتهم على حرية الاعتقاد

يستدل دعاة حرية الاعتقاد بأدلة كثيرة جدًا من القرآن الكريم والسنة النبوية، ويمكن نظم النصوص المستدل بها على حرية الاعتقاد في الموضوعات الآتية:

الإكراه في الدين

أولاً: النصوص التي تنهى عن الإكراه في الدين أو تنفيه:

وغاية ما تدل عليه هذه النصوص أن أفراد الكفار لا يُكرَهون على الدخول في الإسلام، لكن يُكرَهون على الانضواء تحت سلطانه، ولا يظهرون شعائرهم، ولا يدعون لدينهم.

وهذا يتعارض تعارضا كليا مع المفهوم الغربي لحرية الاعتقاد؛ لأن فيه منعا من إظهارهم شعائرهم ودعوتهم إلى دينهم، كما أن فيه تمييزًا على أساس ديني.

التخيير بين الإيمان والكفر

 ثانياً: النصوص التي ظاهرها التخيير بين الإيمان والكفر:

وهذه النصوص جاءت في سياق التهديد والوعيد، فكيف يستدل بها على حرية الاعتقاد، وفي النصوص نفسها ما يدل على أن من اختار غير دين الحق وهو الإسلام فإنه يعذب في النار، فهل من تُوعد بالنار مخير في اعتقاده؟! وقد يقول من يحتج بها: نقصد التخيير في الدنيا، كما احتج بذلك عبد المتعال الصعيدي.

فالجواب: لم تقولون: حرية الاعتقاد في الإسلام؟ فالإسلام يجمع بين الدنيا والآخرة في أحكامه وتشريعاته، وهذا يدل على مدى سيطرة الفكرة العلمانية على كثير من المفكرين الإسلاميين في إقصاء الآخرة أثناء معالجة الحرية وقضاياها، والاقتصار على النظرة الدنيوية كما يفعل الغربيون.

الهداية الكونية

 ثالثاً: النصوص التي فيها أن الهداية الكونية لله تعالى وحده: ولا حجة فيها؛ لأن الإنسان يعاقب على اختياره. وأيضا: يلزم من احتج بهذه النصوص على حرية الاعتقاد أن يحتج بها على حرية عدم الالتزام بالأنظمة والقوانين الوضعية، وهم لا يقولون بذلك، فإن قيل: إن الناس ملزمون بها ويعاقبون على الإخلال بها.

 قيل: فكذلك الناس ملزمون بالإيمان والعمل الصالح ويعاقبون على الإخلال به.

مهمة البلاغ

 رابعاً: النصوص التي فيها أن مهمة الرسول هي البلاغ فقط:

وأكثر المفسرين والفقهاء على القول بنسخها بآيات والجهاد.

 وأيضا: الرسول وأتباعه ملزمون بإقامة الشرائع في الناس، ومنها الشرائع المتعلقة بالكفار حربا وسلما، كدعوتهم للإسلام، ومحاربتهم على الخضوع لحكمه بالرق أو بالجزية أو بالخراج، وكل ذلك مما يناقض حرية الاعتقاد بمفهومها الغربي.

 ومن العجيب أن كثيراً ممن يحتج بنصوص البلاغ في هذا الموطن من العلمانيين والتنويريين العرب هم من أشرس الناس في محاربة هذا البلاغ ومحاصرته والمنع منه، وتجفيف منابعه، وإيذاء القائمين به بكل الوسائل الممكنة.

الإنكار على المشركين

 خامسًا: النصوص التي تنكر على المشركين اتباع آبائهم وتقليدهم في شركهم:

وهذا الاستدلال حق في بابه لولا أن المستدلين بهذه الآيات من المفكرين المسلمين نقدوا عموم التقليد، ولاسيما في العقائد، وهي لوثة كلامية تسربت إليهم من أهل البدع في ادعاء أن أول الواجبات هو النظر أو القصد إليه أو الشك.

     وموضوع النصوص التي استدلوا بها إنما هو التقليد في الباطل الذي ليس عليه دليل، وأما التقليد في الحق الذي ثبت بالدليل، وهو المسمى (الاتباع) فهو مطلوب شرعاً، ومأمور به في الكتاب والسنة كما قال الله -تعالى- حكاية عن يوسف -عليه السلام- أنه قال: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ}(يوسف:38)، وقال -تعالى-: {قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ}(آل عمران:95).

بل زعم بعضهم أن النصوص المنتقدة لتقليد المشركين لآبائهم تنص صراحة على أن الأنبياء -وأتباعهم بطريق الأولى- لم يرسلوا لكي يلزموا الناس بتعاليم دينهم، أو يكرهوهم على شيء لا يعتقدون صحته.

حقائق مهمة

وفي أثناء حشدهم للنصوص التي يستدلون بها على حرية الاعتقاد -في عملية انتقائية من القرآن والسنة- أهملوا ذكر حقائق مهمة في هذا الجانب، ومنها:

عدم القبول بنقد الكفر وأهله

أولاً: أهملوا النصوص التي فيها نقد الكفار، واتهامهم في عقولهم، وتسفيه آلهتهم، والإخبار عنهم بأنهم أضل من الأنعام، وأنهم شر البرية، وأنهم لا يعقلون.

أهملوا إنكار الأنبياء على قومهم

 ثانياً: تغافلوا عما جرى من إنكار الأنبياء -عليهم السلام- لممارسات أقوامهم.

إهمال عذاب المشركين

 ثالثاً: أهملوا ذكر هلاك المكذبين السابقين بسبب بقائهم على الكفر، وتهديد المكذبين من أمة محمد عليه الصلاة والسلام بالعذاب.

إلغاء بعض الأحكام الشرعية

 رابعا : أنهم في إثباتهم لحرية الاعتقاد في الإسلام ألغوا أحكاماً شرعية ثابتة؛ وذلك لتوسيع هذه الحرية التي أدخلوها في الإسلام قسرا، والاقتراب بها من مثيلتها في الفكر الغربي، وإذا ما وقع شيء من التعارض بينهما سلكوا سبل الاعتذار والتحريف، والانتقاء من المذاهب والأقوال ما يكون أقرب إلى الفكرة الغربية ولو كان رأياً شاذاً أو محدثا مخالفاً للإجماع، كما فعلوا في نفي حد الردة الثابت بالنص والإجماع، وكما فعلوا في حصر الجهاد في الدفع دون الطلب مع ثبوته بالنص والإجماع أيضاً.

التحرج من الأحكام الشرعية

 خامسا: أنهم تحرجوا من أحكام شرعية ثابتة، فأوجدوا لها أعذاراً باهتة، ومخارج ضيقة، مثل: الجزية، على سبيل المثال.

 

هل الإسلام يقر حرية العقيدة؟

وقد سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله-: إذا كان الإسلام قد أقر حرية العقيدة فلماذا يحارب الارتداد والوثنية والإلحاد؟

فقال رحمه الله: الإسلام لا يقر حرية العقيدة، بل يأمر بالعقيدة الصالحة ويلزم بها ويفرضها على الناس، ولا يجعلها حرة يختار فيها الإنسان ما شاء من الأديان؛ فالقول بأن الإسلام يجيز حرية العقيدة هذا غلط.

     الإسلام يوجب توحيد الله والإخلاص له -سبحانه وتعالى- والالتزام بدينه والدخول في الإسلام، والبُعد عما حرم الله، وأعظم الواجبات وأهمها: توحيد الله والإخلاص له، وأعظم المعاصي وأعظم الذنوب : الشرك بالله عز وجل، وفعل ما يكفر العبد من سائر أنواع الإلحاد، فالله سبحانه يقول : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ) النساء/36، ويقول سبحانه : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) الإسراء/23، ويقول سبحانه : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) الفاتحة/5، ويقول عز وجل : ( فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ) الزمر/2، ويقول سبحانه : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) البينة/5.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ». متفق على صحته.

     فَبَيَّن -عز وجل- وبَيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم  وجوب العقيدة ووجوب الالتزام بشرع الله، وألا حرية للإنسان في هذا؛ فليس له أن يختار ديناً آخر، وليس له أن يعتنق ما حرم الله، وليس له أن يدع ما أوجب الله عليه، بل يلزمه ويُفتَرض عليه أن يستقيم على دين الله وهو الإسلام، وأن يوحد الله بالعبادة، وألا يعبد معه سواه -سبحانه وتعالى- وأن يؤمن برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن يستقيم على شريعته، ويوالي على هذا ويعادي على هذا، وأن يقيم الصلاة كما أمر الله، وأن يؤدي الزكاة كما أمر الله، وأن يصوم كما أمر الله، ويحج كما أمر الله.

     وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ»، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ»، فأنزل الله في هذا قوله -سبحانه-: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ}(الفرقان: 68 – 70 ).

أمر مفترض لابد منه

     فدل ذلك على أن توحيد الله والإخلاص له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتحريم القتل وتحريم الزنا، أمر مفترض لابد منه، وليس لأحد أن يشرك بالله، وليس له أن يزني، وليس له أن يسرق، وليس له أن يقتل نفساً بغير حق، وليس له أن يشرب الخمر، وليس له أن يدع الصلاة، وليس له أن يدع الزكاة وعنده مال الزكاة، وليس له أن يدع الصيام وهو قادر على صيام رمضان إلا في السفر والمرض، وليس له أن يترك الحج وهو قادر على أن يحج مرة في العمر، إلى غير ذلك.

التزام العقيدة الصحيحة

     فلا حرية في الإسلام في ذلك، بل يجب أن يلتزم الإنسان العقيدة الصحيحة ويدع ما حرم الله، نعم، له حرية في الأمور المباحة التي أباحها الله له، له حرية في الأمور المستحبة التي لا تجب؛ فلو شاء تركها لا بأس، والمباح إن شاء فعله الإنسان وإن شاء تركه، أما ما أوجب الله عليه فيلزمه فعله، وما حرمه الله عليه فيلزمه تركه، وليس له أن يعتنق الشيوعية أو النصرانية أو اليهودية أو الوثنية أو المجوسية، ليس له ذلك بل متى اعتنق اليهودية أو اليهودية أو النصرانية أو المجوسية أو الشيوعية صار كافراً، ويجب أن يستتاب، يستتيبه ولي الأمر المسلم الذي هو في بلده، فإن تاب ورجع إلى الحق وإلا قتله؛ لأن النبي[ قال: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» رواه البخاري في الصحيح.

من بدل دينه

فبهذا يعلم أنه ليس للمسلم حرية أن يترك الحق وأن يأخذ بالباطل أبداً، بل يلزمه الاستقامة على الحق ويلزمه ترك الباطل، وعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينصح لله ويدعو إلى الله -عز وجل- وأن يحذر ما حرم الله عليه، وأن يدعو الناس إلى ترك ما حرم الله عليهم، كل هذا أمر مفترض حسب الطاقة. انتهى.

(فتاوى نور على الدرب 1/311- 313).

حرية الفكر وحرية الاعتقاد

وسئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: نسمع ونقرأ كلمة حرية الفكر، وهي دعوة إلى حرية الاعتقاد، فما تعليقكم على ذلك؟

فقال -رحمه الله-: الذي يجيز أن يكون الإنسان حر الاعتقاد، يعتقد ما شاء من الأديان، فإنه كافر؛ لأن كل من اعتقد أن أحدًا يسوغ له أن يتدين بغير دين محمد[، فإنه كافر بالله -عز وجل- يستتاب، فإن تاب، وإلا وجب قتله، والأديان ليست أفكارًا، ولكنها وحي من الله -عز وجل- ينزله على رسله، ليسير عباده عليه.

     وخلاصة الجواب: أن من اعتقد أنه يجوز لأحد أن يتدين بما شاء، وأنه حر فيما يتدين به، فإنه كافر بالله -عز وجل-؛ لأن الله -تعالى- يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}، ويقول: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام}، فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن دينًا سوى الإسلام جائز يجوز للإنسان أن يتعبد به، بل إذا اعتقد هذا فقد صرح أهل العلم بأنه كافر كفرًا مخرجًا عن الملة. اهـ.

وعليه؛ فإن أريد بحرية الاعتقاد أنه لا يكره اليهودي، أو النصراني على الدخول في الإسلام، فهذا حق، وإن أريد به أن يمكّن هذا الكافر من الدعوة إلى دينه، ونشر معتقده في بلاد الإسلام فهذا باطل، وكذا لو أريد بحرية الاعتقاد أنه يجوز اتباع أي دين.

هذا الدفع سيبقى إلى آخر الزمان

      وأخيرًا : فإن مبنى الحرية بكاملها -ومنها حرية الاعتقاد- على أصل فاسد وهو أن الأصل في البشر السلم، وأن الأصل في الإنسان أنه مسالم لا يحب العدوان، وهي فرضية غير صحيحة؛ فالأصل في الإنسان العدوان وليس العدل؛ كما قال الله -تعالى-: {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}(الأحزاب:72)، «فقد أخبرنا الله عن جنس الإنسان أنه ظلوم جهول» والظلم والجهل يحملان الإنسان على الاعتداء وسفك الدماء. والملائكة كانوا يعرفون حقيقة البشر قبل أن يخلقوا بما علمهم الله -تعالى- أو بتجربة خلق لله -تعالى- سابقين على البشر سكنوا الأرض فأفسدوا فيها، أو بالنظر إلى طبيعة خلق آدم -عليه السلام- وأنه خلق أجوف فهو يشتهي، والشهوة ستكون سببا للأثرة والصراع؛ ولذا قال الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}(البقرة:30).

 وإذا كان الأصل في الإنسان الجهل والظلم، كان لابد من ضبطه بالشرائع أو بالقوانين لكي لا يعبث في الأرض بجهله وظلمه؛ فأهل الإيمان ارتضوا أن يُضبط الإنسان بشريعة الله -تعالى-، والعلمانيون ومن وافقهم ارتضوا أن يُضبط بما تنتجه الأهواء البشرية من قوانين.

      وإذا كان السلم ليس أصلا في البشر، وهو خرافة ابتدعها الغرب ليستسلم لهم المسلمون كان لابد من توجيه الصراع -الذي هو سمة البشر-؛ بحيث تكون وجهته إعلاء كلمة الله -تعالى- ليكون الدين كله له -سبحانه وتعالى-: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ}(البقرة:251)، وهذا الدفع سيبقى إلى آخر الزمان فلم يكن ثمة حرية اعتقاد البتة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك