الإسلام والمسلمون في جنوب إفريقيا (2) الواقـع الديـني
المسلمون في جنوب إفريقيا، من الناحية الدينية، ليسوا منفصلين عن واقع العالم الإسلامي، فمسلمو جنوب إفريقيا لهم اتجاهات شتى، أغلبها متوارث من بلادهم الأصلية، واستمروا متمسّكين بها إلى يومنا هذا، ولعلّ من أبرزها وأكثرها شيوعاً ما يأتي:
الصوفية
جاءت الصوفية مع الموجات الأولى من المسلمين، وكانوا من أتباع (الطريقة القادرية) غالباً، وممّا اشتهروا به: عملية إدخال السكاكين وقطع أنفسهم بها من دون أن يُرى لذلك أثرٌ أو جرح، ويسمّون هذه العملية: (راتب) أو (رتيب)، وعملية أخرى تسمّى: (الحداد)، حيث ينشدون أورادهم ويتمايلون، هذا غير تعظيمهم للقبور، ولاسيما قبور الشيوخ الأوائل الذين كانوا في (الموج الأول) لدخول المسلمين جنوب إفريقيا، ويعتكفون عندها لأيام، ولاسيما في الأيام المصادفة لعيد الصليب النصراني.
المؤسّسات والهيئات
توجد في جنوب إفريقيا مؤسّساتٌ وهيئاتٌ دينية، تخدم مجالات مختلفة للمسلمين، وللناس كافّة من حين إلى آخر، وليس هناك رابطٌ يربط مؤسّسات المسلمين، أو مجلسٌ عامٌّ تندرج تحته تلك المؤسّسات، فكلّ مؤسّسة للمسلمين، في الدعوة أو التعليم أو العمل الخيري في جنوب إفريقيا، تخدم– بطريقة مباشرٍة أو غير مباشرة– معتقداتها ومنهجها بوصفها قاعدة أساسية، ولنذكر بعض أبرز هذه المؤسّسات، والمجالات التي تعمل فيها:
هيئة الحلال الوطنية بجنوب إفريقيا
وهدفها مراقبة التزام شركات الإنتاج والمطاعم بضواط الحلال، وقد أصبحت أكثر نفوذاً من منافسيها، واكتسبت ثقةً العامّة المسلمين.
جمعية العلماء بجنوب إفريقيا
في أول إنشائها عام 1923م كانت في ولاية (ترانسفال)، أصبحت الآن (خوتانج)، ومقرّها (جوهانسبرج)، وليس من المبالغة القول بأنّ هذه الجمعية لها نفوذٌ وهيمنةٌ أكبر من منافيسها.
مجلس المسلمين للقضاء
وهو مجلس أشعري صوفي، أُنشئ في كيب تاون عام 1945م، لخدمة المسلمين في المنطقة، وليكون صوتاً وممثلاً لهم في المنطقة الغربية.
جمعية العلماء السنّية
أُسّست لخدمة طائفة (البريلوية)، عام 1979م، في (دربان).
وقف الواقفين
يُعدّ أكبر مؤسّسة خيرية بجنوب إفريقيا، ولهم نشاطٌ دولي، ويحظى باعتراف كبيرٍ من الحكومة، يذكر مؤسّسها (امتياز سليمان)، الذي ترك ممارسة الطب للتفرغ لها، قد أنشأها بأمر شيخ صوفيّ قابله في إحدى رحلاته في تركيا.
التعليم الديني
مَن يدخل جنوب إفريقيا يُذهل ممّا يرى من كثرة المراكز التعليمية والمعاهد الدينية الفاخرة المليئة بالطلاب الوافدين من أنحاء العالم، وكما اتضح آنفاً: أنّ كلّ الأنشطة الدينية في جنوب إفريقيا تمشي على الخطوط الطائفية المذهبية، وكذلك المراكز التعليمية الدينية، وقد اشتهرت مراكز التعليم العالي باسم (دُور العلوم)، وهي بمنزلة الكليات الشرعية في العالم الإسلامي العربي، وبرنامج التعليم في هذه المراكز ليس معترفاً به عند وزارة التعليم العالي، وهي تعمل بوصفها مراكز ثقافية دينية.
برامج التعليم
برامج التعليم في دُور العلوم تشمل: تحفيظ القرآن الكريم واللغة العربية والدراسات الشرعية، ويستغرق برنامج تعلّم اللغة العربية والدراسات الشرعية معاً: ست سنوات في الغالب، إلا أنّ اللغة العربية لا تحظى بالاهتمام اللائق بها؛ بوصفها لغة الدين الإسلامي الجامعة للمسلمين الناطقين بلغات مختلفة؛ وذلك لأنّ دُور هذه العلوم قد أعطت اهتماماً عجيباً للغة الأردو من الهند، ويرجع ذلك إلى أنّ أكابر مذاهبهم من الهند يكتبون بالأردو، بل قد صرّح بعض مَن استضيف من الهند، (ضيف شرف) في إحدى حفلات التخرّج، بأنه لا ينبغي الاهتمام باللغة العربية كثيراً؛ لأنها تُعرِّض شبابهم للأفكار الوهابية! وزعم أحدهم– وهو مدير أحد هذه الدُّور– بأنّ العلم الدينيّ فيما دوِّن وصنّف بلغة الأردو؛ لذلك قلّما يوجد خرّيج فيها يتقن العربية، ويعتزّ بها أكثر من اللغة الأردية، بل هناك مَن يزعم بأنّ الأردو والفارسية لغتان إسلاميتان بجانب اللغة العربية.
وبسبب هذا فإنّ التعليم الدينيّ في جنوب إفريقيا يتّصف بالتعصّب المذهبي والعنصري إلى حدٍّ ما؛ مما يعود على فَهْم الدين الإسلامي بالتشوّه، واتساع أسباب التفرّق، وإن لم يظهر لأول وهلة، ولا عجب في أن يوجد ضعفٌ شديدٌ في المستوى الديني العِلْمي في جنوب إفريقيا.
الدعوة الإسلامية
عند وصول المسلمين الأول إلى جنوب إفريقيا نظر الأهالي الأصليّون إلى الإسلام بوصفه ثقافة قَوْم وافدين لا تهمّهم في شيء، كما كان حالهم مع كلّ دينٍ جديدٍ وافدٍ إليهم؛ ولذلك فقد انتشر بين الأهالي الأصليّين أنّ الإسلام دين الهنود أو الملايو لزمنٍ طويل، وازداد الأمر تعقّداً وحيرةً لمّا قررت حكومة التمييز العنصري إسكان النّاس حسب عِرْقياتهم؛ فسدَّت باب الاحتكاك؛ ما أدى إلى استقرار هذه النظرية، ولمّا كثرت الجالية المسلمة المهاجرة من دول إفريقية أخرى إلى جنوب إفريقيا، أخذ هذا التصوّر الخطأ يتغيّر شيئاً فشيئاً؛ لمّا رأوا بني جلدتهم من القارة قد ترسّخ الإسلام فيهم.
جمعيات دعوية
وقد أُنشئت جمعيات دعوية أخرى خلال الأعوام العشرين الماضية، تستهدف الأهالي الأصليّين في نشاطها الدعوي، ويلاحظ أنّ الطابع الغالب على العمل الدعوي لهذه الجمعيات: الاقتصار على صنفٍ واحدٍ من الكفار، ألا وهم النصارى، بانغماسهم في مقارنة الأديان، ومن ثَمّ بقي الكثير من الكفار في تيهٍ من أمرهم فيما يتعلق بالإسلام، فكلّما تتم دعوتهم إلى محاضرةٍ إسلامية يتم إغراقهم في كمٍّ كبير من أخطاء كتابهم المقدس والتناقضات و... إلا أنهم يخرجون وهم ما زالوا جاهلين بحقيقة الإسلام وما يدعو إليه من التوحيد والمبادئ الكريمة، بل حاقدين عليه بما وُجِهُوا به من فضيحةٍ وخزي، فيتعصبون لباطلهم بغياً بغير علم، وهذا هو الواقع المجرّب في السّاحة، وهنا تتجلّى حكمة الله -تعالى- حينما قال: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الأنعام: ١٠٨)، كما يتحتّم التزام الكيفية الدعوية التي رسمها القرآن الكريم في قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: ١٢٥).
أسباب اعتناق الإسلام
ومن أبرز أسباب اعتناق الإسلام: بساطة الرسالة الإسلامية على العقول وسهولة فهمها، وإعجابهم بما يدعو إليه الإسلام من مكارم الأخلاق، والتشابه الموجود بين التعاليم الإسلامية وبعض ما عندهم من تقاليد، وبعض التجارب الشخصية التي قد يمرّ بها الإنسان في طريقه إلى الهداية.
وفي الآونة الأخيرة سقطت الكثير من الشبهات التي كانت تحول بين النّاس والإسلام، إلا أنه نشأ في مكانها شبهاتٌ أخرى، {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} (محمد: 25)، مثل: دعوى أنّ في الإسلام أحكاماً يصعب تطبيقها، والتأثّر بما يُذاع عبر الإعلام؛ ممّا يشوه صورة الإسلام، والجهل هو أصل أغلب هذه الشبهات الحائلة بين النّاس ورجوعهم إلى فطرتهم؛ ما يحتّم على الداعية دراسة الواقع قبل تبليغ الرسالة الإسلامية.
التحدّيات أمام مسلمي جنوب إفريقيا
أ- الغزو الثقافي الغربي
تُعدّ دولة جنوب إفريقيا دولة أوروبية في إفريقيا دون مبالغة؛ فالطابع الغالب فيها طابع المدنية الغربية، التي تفرض الأساليب والوسائل المادّية بصرف النظر عن شرعيتها أو إنسانيتها، هذا الوضع يشكّل تهديداً ثقافيّاً على المسلمين، من تدمير الهوية الإسلامية ومبادئها، واستبدال المبادئ الغربية بها، وفي الوقت نفسه يعوق العمل الدعوي تجاه الأهالي الأصليّين؛ إذ يُبعدهم عن تقاليدهم الأصلية القريبة من التعاليم الإسلامية جدّاً، فبعد التغريب يصعب دعوتهم إلى الإسلام.
ب- الخلط بين المأثور الديني والموروث الثقافي
لا بد من الاعتراف بأنّ المسلمين الوافدين إلى جنوب إفريقيا، قديماً وحديثاً، قد حملوا معهم عاداتهم وأعرافهم من بلدانهم الأصلية؛ فعجزوا عن التمييز بين ما هو ديني يُطلب الالتزام به، وما هو عُرفي لا ضررَ في تركه، ولعلّ هذا يرجع إلى ما تمّت الإشارة إليه من ضعف التعليم الديني، وتصدّر غير أكفاء في توجيه مجتمع المسلمين.
الانتماء العِرْقي، والتعامل على أساس طبقي قَبَلي
تأثّر المسلمون بنظام التمييز العنصري، فغلب الانتماء العِرْقي على كثيرٍ منهم، إلى جانب ما توارثوه من الانتماء المتعصّب من بلدانهم؛ فلا يُستغرب في هذه الأيام أن يُقال: هذا مَسْجِد الهنود أو الصوماليّين أو الأوغانديّين، والشيء نفسه فيما يتعلق بالتزاوج، ويوجد- مثلاً- في بعض المدن: مسلمون يصلّون العيد في جماعتَيْن متجاورتَيْن، بينهما شارع فقط، يصلي كلّ منهما مع أهل عِرْقه، وإلى الله المشتكى!
لاتوجد تعليقات