رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إعداد: د. سلمى هاني 21 ديسمبر، 2016 0 تعليق

الإسلام وأخلاقيات مهنة الطب

 

آداب الطب جزء من الأخلاقيات، يبحث المشكلات التي قد تنتج عن تعامل الأطباء مع المرضى ومع زملائهم من الأطباء أو غيرهم من العاملين في الحقل الصحي، وهي مجموعة من الأخلاقيات المتعارف عليها طبيًا خلال ممارسة مهنة التطبيب، وهي أخلاقيات وقيم تم اكتسابها وتبنيها من قبل الهيئات الطبية على مدار تاريخ الطب واستنادا لقيم دينية وفلسفية وأخلاقية، تدعمها غالبا مجموعة من القوانين واللوائح المنظمة للعمل الطبي.

     ومنذ آلاف السنين عرفت الأخلاقيات والآداب على أنها شرط أساس لتكوين الطبيب، ومع أن القوانين القديمة لآداب المهنة أكدت على هذه الحاجة إلى حد ما، إلا أنها كانت ناقصة، وتحتوي على أخطاء جسيمة، أما الدساتير الحديثة للآداب المهنية فتتجه إلى أن تكون أكثر تحررًا وأقل تقييدًا، أما الآداب القرآنية فإنها تبرز بوصفها نموذجاً فريداً للبشرية جمعاء، لكل المهن والأعمال وفي كل الأزمنة والعصور؛ فلقد جعل الإسلام حفظ النفس البشرية وصيانتها في المرتبة الثانية بعد حفظ الدين؛ فالطبيب المسلم يتحلى بمكارم الأخلاق التي منها: الصدق، والأمانة والنزاهة، والتواضع واحترام الآخرين، والصبر والحلم، والإنصاف والاعتدال، ومحاسبة النفس، ونتناول هنا أهم الأخلاقيات التي يجب أن يتصف بها الطبيب ومنها:

حسن معاملة المريض

من واجب الطبيب نحو مريضه حسن معاملته في كل الأحوال، ويشمل ذلك الأمور الآتية:

- حسن الاستماع لشكوى المريض وفهم معاناته.

- تجنب التعالي على المريض والنظرة الدونية له، أو الاستهزاء والسخرية به.

- احترام وجهة نظر المريض، ولاسيما في الأمور التي تتعلق به شخصياً.

- المساواة في المعاملة بين جميع المرضى وعدم التفريق بينهم في الرعاية الطبية.

- الرفق بالمريض عند الفحص.

- عدم ارتكاب مخالفات شرعية مثل الخلوة بالأجنبيات أو الكشف عن العورات.

- إجراء الفحوص الطبية اللازمة للمريض دون إضافة فحوص لا تتطلبها حالته المرضية.

- الاقتصار في وصف الدواء أو إجراء العمليات الجراحية على ما تتطلبه حالة المريض.

- الامتناع عن أي ممارسات قد تضر بالمريض مثل استخدام أساليب تشخيصية أو علاجية غير متعارف عليها أو معترف بها علمياً.

- تحري الصدق في إخبار المريض أو من ينوب عنه بالحالة المرضية وأسبابها ومضاعفاتها، وفائدة الإجراءات التشخيصية والعلاجية، وتعريفهم بالبدائل المناسبة للتشخيص أو للعلاج بأسلوب واضح.

استئذان المريض

بدن الإنسان ونفسه من خصوصياته التي لا يجوز لأحد أن يتصرف فيها بغير رضاه، وحتى يكون إذن المريض مشروعاً فلابد أن تتحقق فيه الشروط الآتية:

- أن يكون المريض على معرفة تامة بما يراد القيام به من إجراء طبي؛ ولذا على الطبيب أن يقدم للمريض معلومات وافية عما سيقوم به، وما سيترتب عليه من مضاعفات ومخاطر.

- أن يكون المريض قادراً على استيعاب المعلومات التي قدمت له حتى يعطي الإذن عن وعي وإدراك واقتناع تام دون استغفال له أو إكراه.

- أن يكون الإذن مكتوباً عند عزم الطبيب القيام بإجراء تدخلي، كإجراء العمليات الجراحية أو الإجراءات التدخلية (Interventional) كأخذ الخزعة من الكبد مثلاً.

- إذن المرأة: للمرأة البالغة العاقلة الإذن بالعمل الطبي المتعلق بها بما في ذلك العمليات الجراحية، إلا ما يتعلق بالإنجاب مثل استخدام موانع الحمل أو استئصال الرحم أو غيرها من الإجراءات خاصة المؤدية إلى العقم، فلابد من موافقة الزوج أيضاً، إلا في الحالات الطارئة والضرورية فيكتفى بإذن المرأة.

إذن قاصر الأهلية

     وفي حالة المريض الذي لا يستطيع أن يأذن بالعمل الطبي كفاقد الوعي، أو الذي لا يعتد بإذنه كالطفل أو غير العاقل ينوب عنه وليه الشرعي في الإذن بإجراء العمليات الجراحية وما في حكمها من الإجراءات التدخلية، وإذا تعذر الحصول على الموافقة وخيف من الضرر البالغ أو الموت فيمكن للطبيب أن يقوم بالإجراء الطبي دون انتظار الإذن.

طمأنة المريض

على الطبيب أن يستخدم مهاراته في طمأنة المريض وتخفيف مصابه، وذلك عملاً بقول الرسـول صلى الله عليه وسلم : «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا». ومن ذلك تلمس احتياجات المريض النفسية ومراعاتها.

حفظ سر المريض وكتمانه

لقد أكد الإسلام على حفظ السر والستر على المسلم، ولاسيما إذا كان هذا الستر لا يجر إلى مفسدة راجحة في المجتمع واطلاع الطبيب على أسرار المريض لا يبيح له كشف هذه الأسرار والتحدث عنها بما يؤدي إلى إفشائها إلا في الحالات الاستثنائية الآتية:

- إذا كان الإفشاء لذوي المريض أو لغيرهم مفيداً لعلاجه، أو فيه حماية للمخالطين له من الإصابة بالمرض (مثل الأمراض المعدية أو إدمان المخدرات)، وفي هذه الحالة يقتصر الإخبار على من يمكن أن يضار.

- إذا ترتب على الإفشاء مصلحة راجحة للمجتمع أو دفع مفسدة عنه، ويكون التبليغ للجهات الرسمية المختصة. وأمثلة ذلك ما يأتي: الإبلاغ عن وفاة ناجمة عن حادث جنائي، أو للحيلولة دون ارتكاب جريمة، التبليغ عن الأمراض السارية أو المعدية، إذا طلب منه ذلك من جهة قضائية.

- دفع تهمة موجهة إلى الطبيب من المريض أو ذويه تتعلق بكفاءته أو كيفية ممارسته لمهنته على أن يكون الإفشاء أمام الجهات الرسمية.

- الإفشاء لغرض التعليم: يمكن للطبيب إفشاء بعض أسرار المريض إذا دعت الحاجة إلى ذلك من أجل تعليم الأطباء أو أعضاء الفريق الصحي الآخرين.

الحكمة في اتخاذ القرارات

كذلك على الطبيب أن يتوخى الحكمة دائمًا في كل قراراته، فإن ثوابه سيكون عظيما. يقول تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} (2/ 269).

قَسم الطبيب المسلم

وفي الختام أود أن أشير إلى قسم الطبيب المسلم الذي تبنته الجمعية الطبية الإسلامية بأمريكا الشمالية عام 1977 الذي يعكس الفلسفة والروح الممثلتين في الدستور الإسلامي لآداب مهنة الطب المعروض في هذا المقال. وخلاصة القول أن الطبيب المسلم:

- يجب أن يؤمن بالله وبتعاليم الإسلام وسلوكياته في حياته الخاصة والعامة.

- وأن يكون عارفا لجميل والديه ومعلميه ومن هم أكبر منه.

- وأن يكون بسيطا متواضعا رقيقا رحيما صبورا متحملا.

- وأن يسلك الطريق المستقيم ويطلب إلى الله دوام التوفيق.

- وأن يظل دائما على دراية بالعلوم الطبية الحديثة، وينمي مهارته باستمرار طالبا العون عندما يلزمه ذلك.

- وأن يلتزم القوانين التي تنظم مهنته.

- وأن يستشعر أن الله هو الذي يخلق ويملك جسد المريض وعقله فيعامل المريض في إطار تعاليم الله متذكرا أن الحياة هي هبة الله للإنسان، وأن الحياة الآدمية تبدأ من لحظة الإخصاب ولا يمكن سلبها إلا بيد الله أو برخصة منه.

- ويتذكر أن الله يراقب ويسجل كل فكر أو عمل.

- وأن يتبع أوامر الله بوصفها منهجاً وحيداً حتى لو اختلفت مع متطلبات الناس أو رغبات المريض.

- وألا يصنع أو يعطي أي شيء ضار.

- وأن يقدم المساعدة اللازمة دون اعتبار للقدرة المادية أو أصل المريض نفسه.

- وأن يقدم النصيحة اللازمة للجسم والعقل.

- وأن يحفظ سر المريض.

- وأن يتوخى الأسلوب المناسب في التخاطب.

- وأن يفحص المريضة من الجنس الآخر في وجود شخص ثالث ما تيسر ذلك.

- وألا ينتقد زملاءه الأطباء أمام المرضى أو العاملين في الحقل الطبي.

- وأن يسعى دائما إلى تبني الحكمة في كل قراراته.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك