رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 4 فبراير، 2020 0 تعليق

الإسلام في مواجهة الإرهاب


ممارسات كثيرة تنسب إلى تيارات متدينة توصف اليوم بالإرهاب أدت إلى خلق إشكالية فكرية هي: هل للأديان أثر في صناعة الإرهاب أم لا؟ هذا مع التأكيد على بشاعة الموقف الإعلامي الدولي من ممارسات منتسبي الأديان التي لا تولي اهتماماً إلا بالمنتسبين إلى الإسلام، حتى أصبح من المسلمات عند بعضهم أن كل إرهابي مسلم وإن لم يكن كل مسلم إرهابياً شرع الله الأديان لإصلاح البشرية وإعمار الأرض بالخيرات، {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} هود: 61، وتحت هذه القاعدة شرع الله تشريعات تحافظ عليها ونهى عن كل ما ينقض هذا الأصل ويهدمه.

أولا: ما الإرهاب المقصود؟

     مع كثرة التعاريف التي وضعها كثير من الخبراء حول الإرهاب إلا أن إشكالية التعريف والاتفاق عليه لا تزال موجودة إلى الآن حتى قيل إن محاربة الإرهاب أسهل من تعريفه فهذا المصطلح (يتسم بنوع من الفوضوية في مدلوله، مثله مثل كثير من المصطلحات التي ليس لها معنى محدد ثابت يحتكم إليه الجميع كمصطلح الأمن القومي، وكذلك مصطلح الاستقرار وغيرها من المصطلحات التي غالباً ما تكون أدوات يستعملها من يريد ضد من يريد، وهذا ما جعل تحديد مفهوم الإرهاب يكاد يكون متعذراً)، وقد حاول بعضهم صياغة تعريف للإرهاب، لكن لم تسلم التعاريف جميعها من نقص ومن ذلك: تعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة: «أصدرت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، عام 1994م قرارها رقم 60/49 الذي يعرف الإرهاب بأنه عبارة عن الأعمال والطرق، والممارسات، التي تشكل مخالفة صارخة لأغراض الأمم المتحدة ومبادئها التي قد تشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين، وتهدد علاقات الصداقة بين الدول، وتعيق التعاون الدولي، وتهدف إلى تدمير حقوق الإنسان، والحريات الأساسية، والأسس الديمقراطية للمجتمع». ويمكن القول بأن الإرهاب يختص بأمور منها: صناعة العنف أو التهديد به، وخلق حال من الذعر وعدم الأمان في المجتمع بتحقيق أهداف سياسية واجتماعية. وهذا لا يعقل أن يحث عليه الإسلام.

الدين يأمر بالبناء وينهى عن الفساد

     لقد حوت التعاليم الدينية والأحكام الربانية والنظم التشريعية كل مصالح البشرية، ووضع الدين كذلك الموانع التي تحول ضد الفساد والمفسدين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وقد خلق الله خلقه واستخلف فيه الإنسان ليعمره لا ليهدمه ويخربه، فهذه من حكم الله ومن مراده في تشريعاته حين شرعها، فتحقيق عمارة الكون، وإصلاح الأرض، وتلك المهام وغيرها من مهام الدين وهي كذلك منوطة لمن تَحَمَّل الأمانة {وحملها الإنسان}، فهو المستخلف: {إني جاعل في الأرض خليفة} البقرة: 30، استخلفه على هذه الأرض، وأعطاه القواعد التشريعية التي يقف من خلالها موقفا صارما في وجه كل غاية أو وسيلة تعيق هذه الحكمة، وقال: {وأنزلنا إليكم نورا مبينا} النساء: 174، ولذا فإنك لتعجب أشد العجب ممن ينسبون (الإرهاب) للدين ويستدلون بآيات من القرآن، فكيف يجتمع الهدم والبناء والصلاح والفساد!

لماذا أمر الإسلام بالقتال؟

     لا يخلو كتاب من الكتب الدينية من دعوة إلى الجهاد الشرعي بضوابطه في حالات معينة، لها تفسيراتها عند رجال الدين، ففي العهد القديم نصوص وفي العهد الجديد نصوص، وليس على المسلمين اليوم محاولة تسويغ النصوص، التي لا تخلو منها نصوص الكتب كلها، فالإسلام ليس دين السيف ولا دين الخشب بل هو في حال الحرب وحال السلم دين القيام بالقسط بغض النظر عن الوسيلة، ولا ينبغي الحكم المسبق على ذلك.

      لكن يبقى السؤال: هل صنعت هذه النصوص إرهاباً؟ وقد أعطى أسباباً محددة تستخدم فيها الأمة (تحت إمامها) وسيلة الحرب، ولم تجعل ذلك لآحاد الناس. أولها: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} سورة الحج 39، فهذا دفاع عن النفس ضد الظلم الواقع على النفس أو الوطن: {الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم} الممتحنة: 9، فهذا ظلم واقع على العقيدة والمال، فهل يفترض معه الأمر بالرضى؟ ثانيها: نصرة العاجز: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ} النساء: 75، وهذا ما تفعله منظمات دولية كبرى اليوم أعطت لنفسها حق الدفاع المسلح عن المستضعفين في الأرض بينما ساغ لها أن تصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإرهاب يوم كان يفعل ذلك. ثالثها: ضمان حرية العبادة لكل الأديان: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} الحج: 40، وليس هناك دين من الأديان أمر الناس بالحفاظ على دور العبادة كلها والدفاع عنها مثلما فعل الإسلام.

لماذا يسوقون لاتهام الإسلام بالإرهاب؟

    إنها حال (الإسلاموفوبيا) التي أصابت أكثر دول العالم الغربي، وصدرت تلك الحال إلى كثير من أبناء العالم العربي أيضا -وللأسف- ولعل السبب في ذلك غياب وسائل المعرفة لدى المواطن الغربي أو تعمد الأجهزة الغربية المعنية لخلق هذا الجهل واللاوعي لدى مواطنيها فيما يخص التعريف الصحيح بالدين الإسلامي، جعل هذا المواطن الغربي ينظر إلى الإسلام على أنه سبب المشكلات والشرور، بل جعله ينظر إلى الإسلام على أنه منازع للقيم والمبادئ في الغرب، وهو هاضم حقوق المرأة، وأخيراً هو مصدر الجماعات الإرهابية التي لا تتوقف عن استهداف المدنيين والأبرياء في أنحاء العالم.

هل عالج الإسلام قضايا الإرهاب معالجة عملية؟

     إن الإسلام بوصفه ديناً ودستوراً وقانوناً، يضع السبل الوقائية والعلاجية لقضية الإرهاب، ليقطعها من جذورها، فلا تثبت لها سيقان ولا يظهر لها ثمر، ومنها تحريم الإسلام قتل النفس وسفك الدم المعصوم، بل جعل ذلك من كبائر الذنوب؛ قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} (الإسراء: 33 ) الإسلام هو دين السلام لجميع البشر، فلا يجتمع مع العنف والاعتداء؛ لأنهما ضدان متناقضان، ومنها أيضاً: الأمر بإشاعة العدل: فالله تعالى يأمر المسلمين بالعدل الشامل الكامل، حتى مع من يسيئون إليهم؛ لأن العدل حق لله، ولا ينبغي تجاوزه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة: 8)، ومنها أيضاً: دعوة الإسلام إلى التراحم بين الناس: فالإسلام دين الرحمة، والرحمة ضد القسوة، فالرحمة من الصفات الفطرية في الخلق عامة، بل إنها من كمال فطرة البشر، وقد جعل المولى سبحانه وتعالى الرحمة غاية رئيسة في الإسلام بعد توحيد الله، قال -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107)، ومنها أيضاً: الاحترام في التعامل مع غير المسلمين في الإسلام: وجه القرآن الكريم إلى حسن معاملتهم والتعامل معهم، بل برهم والقسط إليهم، يقول المولى -سبحانه وتعالى-: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة: 8).

الإسلام صاحب العقوبة الأكبر للإرهاب

     حيث اشتملت تشريعاته على الحرابة، وهي مشتقة من الحرب والمحاربة وقد جاء تبيينها في قول الله -تعالى-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (المائدة: 33). واشتمل على حد القصاص:. قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} (المائدة: 32) كما اشتمل على حد البغي: البغي حال من الخروج على إمام تمت بيعته شرعا؛ مما يعني الخروج على نظام الحكم بحمل السلاح، بتفسير أو رأي يسوغ للخارجين- حسب رأيهم- الخروج على من بيده سدة الحكم، وليس هناك تشريعات في غير الإسلام جاءت تعالج قضايا الإرهاب بهذا الشكل والله المستعان.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك