الإسلام في مالاوي- أسباب الفتح وعوامل الانتشار
دخل الإسلام دول الساحل الشرقي لإفريقيا والمناطق المجاورة لها منذ أمد بعيد؛ حتى تستطيع القول: إنها في مرحلة ما قبل الاحتلال الأوربي كانت دولا إسلامية خالصة للمسلمين فيها القوة والحكم والسيطرة؛ فدول مثل تنزانيا وزنجبار وكينيا وموزمبيق ومالاوي وزيمبابوى؛ فضلًا عن منطقة القرن الإفريقي؛ كلها كانت دولًا إسلامية يحكمها المسلمون ولهم فيها الكلمة العليا.
وإذا نظر الباحث في أسباب الفتح وعوامله يجد أن التجار العرب المسلمين ولاسيما اليمنيين والعمانيين هم العامل الأول -بفضل الله- في نشر الإسلام في هذه الدول والمناطق؛ فقد جاء التجار العرب في رحلات بحرية عبر المحيط الهندي لا لكسب المال فقط وإنما لكسب الدنيا والآخرة، مشوا في البلاد وجابوا شرقها وغربها يحملون رسالة الإسلام، وأقبل الأفارقة على الإسلام لما رأوا صدق التاجر المسلم وأمانته وعدم الغش والخديعة أو الخيانة، مع الالتزام برد الحقوق والوفاء بالالتزامات.
ومن ذلك أيضًا مواساة الفقراء بالصدقات والعطايا فضلًا عن فريضة الزكاة، وانتشر التجار العرب والمسلمون يبنون المساجد، وينشئون دور القرآن والكتاتيب مما كان له كبير الأثر في الدعوة وتثبيت المسلمين على دينهم.
كل هذا في وقت كان أكثر الأفارقة ملحدين لا دين لهم، أو عباد أوثان أو عبادًا للطبيعة، ولم يكن للنصرانية بطوائفها وجود ملحوظ؛ ولكنها جاءت بقوة جارفة مع الاحتلال الأوروبي بعد ذلك.
أيضا من الجدير بالذكر أن مسلمي الهند ممن لهم عناية وشغل بالتجارة البحرية عبر المحيط كان لهم دورٌ لا يمكن إغفاله بعد دور الرحالة والدعاة من العرب؛ فقد جاؤوا ودعوا إلى الإسلام وقدموا في خدمة الإسلام الكثير والكثير.
وبعد استعراض دور التجار من المسلمين لا ننسى دور الدعاة من المسلمين الذين هاجروا إلى هذه الدول للدعوة إلى الإسلام، جاؤوا إلى أدغال إفريقيا لا لكسب دنيوي وإنما للكسب الأخروي، فكان الداعية ينزل القرية أو المنطقة فيحول أهلها للإسلام في زمن يسير، ويمكث معهم مدة يعلمهم الإسلام، وقد يتزوج منهم ويستوطن حتى يموت؛ كل هذا في سبيل الله تعالى، ممتثلين قول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَـلِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت : 33).
وممن يذكر بالخير في هذا الباب العظيم رجلٌ من زنجبار – وكانت تابعة لسلطنة عمان – اسمه سليم بن عبد الله، اشتهر بجومبة، جاء إلى أرض مالاوي ونشر الإسلام في كوتاكوتا إلى سليما وهي مناطق على ساحل البحيرة، ثم جاء رجل آخر أيضًا من زنجبار اسمه (ملوزي) فنشر الإسلام في كارونجا إحدى محافظات الشمال المالاوي الآن؛ وانتشر الإسلام حتى عم جميع أرض مالاوي؛ حيث كانت نسبة المسلمين 70% من سكان أرض مالاوي أنذاك؛ ثم بدأت النسبة في التراجع بعامل التنصير والإحتلال، حتى وصلت الأن إلى ما بين 35٪ إلى 40٪ تقريبًا؛ ويؤكد بعض المسلمين المالاويين أن النسبة لا تقل عن 45% إلا أن الإحصائيات الرسمية تقلل عن عمد نسبة المسلمين إلى 15٪، وهذا غير صحيح يعلمه من عاش وطاف بمالاوي.
ولا ننسى دور قبيلة الياوا في نشر الإسلام وهم من سكان مالاوي وأصلهم من موزمبيق؛ فإنهم اتصلوا بالتجار من العرب على ساحل المحيط يتاجرون معهم، ويسهلون لهم طرائق الدعوة، ويدلونهم على أقصر الطرائق إلى دعوة الأفارقة إلى الإسلام؛ بل قام منهم دعاة يدعون إلى الإسلام حسب الطاقة والوسع؛ مما حصل بسببه الخير الكثير والمكاسب الدعوية المشكورة.
وإذا انتقلنا إلى جانب آخر ألا وهو عوامل البقاء والانتشار؛ فيأتي في المقام الأول دعم المسلمين من أهل مالاوي ماديًا، ولاسيما أن معظمهم يعيشون تحت خط الفقر، دخله لا يتجاوز في اليوم واحد دولارا وربعه، هذا إذا وجد عملاً، أما إذا لم يجد العمل فمعناه الحرمان ومقاساة الجوع، ومفاد هذا أن الكثير منهم ينحرف عن دينه ويتنصر طمعًا في مكاسب الكنيسة وعطاياها. ومن المآسي التي لابد من ذكرها لتتدارك بالحل فشو الزنا جلبًا للمال، لاسيما في الأرامل والمطلقات ومن لم تحظ بالزواج من العوانس؛ فالجوع مشكلة كبيرة تتهدد المجتمع المالاوي ولاسيما المسلمين منهم، ففي القرى الفقيرة يظهر هذا واضحًا جليًا بلا بحث ولا تفتيش، فالنساء عاريات، ثيابهن مرقعة تظهر أكثر مما تستر؛ بسبب الفقر والاحتياج؛ وعليه فإعانة المسلمين في مالاوي للنهوض بهم من مشكلات الفقر عامل من أقوى العوامل في بقاء الإسلام وانتشاره؛ والقارئ الكريم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بالله من الفقر والكفر في سياق واحد في قوله: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ» الحديث أخرجه أحمد وغيره.
ومشكلة الفقر ينجم عنها عدم الإقبال على التعليم ولاسيما الحكومي؛ فالطلاب المسلمون في الجامعات في مالاوي قلائل، ففي الجامعة المالاوية فرع محافظة زومبا 54 طالبا فقط من المسلمين، وفي جامعة مزوزو حوالي 40 طالبا وطالبة، ومن الجهود المشكورة أن قامت جمعية آفاق المستقبل وعلى رأسها الشيخ وحيد بالي بدعم المتفوقين من هؤلاء الطلاب ورعايتهم تيسيرا لهم حتى يواصلوا مراحل التعليم العالي في الماجستير والدكتوراه.
وعليه فالقليل النادر من أبناء المسلمين هم الذين يواصلون التعليم حتى التخرج من الجامعة، والكثير يتساقط في المراحل الأولى، فضلا عمن لا يدخلون التعليم أصلًا؛ وهذا راجع لتكلفة المدارس فهي عالية على هؤلاء الفقراء، وتزيد النفقات والمصروفات في المرحلة الجامعية.
وسبب ذلك عدم وجود مسلمين بالعدد الكافي والمطلوب في وظائف الدولة، وإن كان منهم من يصل لمنصب الوزارة ومادونها؛ فضلا من منصب رئاسة الدولة في فترة الرئيس المسلم (بكيرو ملوزي)، إلا أنه بسماع قول الكثير من المسلمين أن حكم (بكيرو ملوزي) على مدار عشر سنين لم يعد على المسلمين بأي منافع أو مكاسب.
والحاصل أن دعم أبناء المسلمين في التعليم الحكومي أو الشرعي الإسلامي سبب مهم في نشر الإسلام وبقائه في مالاوي وغيرها من بلاد إفريقيا الفقيرة؛ ذلك ليتبوؤا الوظائف المهمة في الدولة، فيكونوا في خدمة الدين والتمكين له، والنفقة عليهم في تعلم علوم الإسلام سييترتب عليه توفر عدد كاف من الدعاة المحليين الذين يقومون بواجب الدعوة على علم وبصيرة. ولا ننسى دور كفالة هؤلاء الدعاة المحليين لتفريغهم للدعوة وتعليم الناس في القرى الفقيرة المحرومة المحتاجة لنور العلم، ويتأتى تعليم الدعاة المحليين بإنشاء المراكز الإسلامية والمدارس القرآنية، ثم جلب الطلاب المحليين لها للدراسة حتى يتخرج داعية لديه من العلم ما يؤهله لذلك.
وجدير بالذكر أن المسلمين في مالاوى يحتاجون الجامعة الإسلامية التي ينشئها المسلمون وتضم الكليات العصرية لتعليم الناس فنون العلم المعاصر كالطب والصيدلة والهندسة وما شابه، ولا يترك الأمر بيد الكاثوليك يتحكمون في أبناء المسلمين، ويفرضون عليهم مواد التنصير، وللعلم الحكومة المالاوية وقوانينها لا تمنع ذلك فالأمر مفتوح لكل الطوائف.
وأيضا مما يحسن ذكره ضرورة ابتعاث الطلاب المسلمين المالاويين إلى الجامعات العربية والإسلامية، فعلى الجامعات في الدول العربية والإسلامية أن تجعل حصة للمسلمين من هذه الدول وعلى رأسهم مالاوي للدراسة في كلياتها المختلفة والمتنوعة، وهناك جهود مشكورة بدأت منذ زمن بعيد من جامعات مثل: الأزهر الشريف في مصر وجامعة الإمام محمد بن سعود بالمدينة، والجامعة الماليزية، وجامعة الخرطوم، وبعض الجامعات التركية، إلا أن هذا لا يكفي.
وأختم المقال بالقول: بضرورة إرسال الدعاة من العرب لتعليم هؤلاء، ودعوة غير المسلمين للإسلام، وأن يكون ذلك مكثفا بالقدر الكافي، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة وفق مناهج وخطط مدروسة منظمة.
لاتوجد تعليقات