رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عبدالباسط شيخ إبراهيم 30 يوليو، 2019 0 تعليق

الإسلام دين الشمولية

 

إن الدين الذي أنزله الله -تعالى- على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يكن دينا نظريا فلسفيا يتحدث عن خيالات، لا يصلح للتطبيق ولا يتوافق مع الفطرة السليمة، بل هو دين واقعي يلبي حاجة الإنسان الضرورية، ويهذب الحياة الدنيوية، ويرفع الإنسان إلى الملكوت الأعلى ليعيش في سكينة ووقار، ويشعر من حوله بأمن وأمان واستقرار، وهذا الدين العظيم صالح للتطبيق والتنفيذ والعمل به فرادى وجماعات في كل زمان ومكان.

     ومن فضل الله -تعالى- على عباده أنه لم ينزل عليهم كتابا مجردا يفسره كل واحد على هواه، ويعمل به كيفما شاء، أو يؤوله حسب فهمه القاصر، بل أرسل مع رسالته رسولا يبين للناس مراد الله -تعالى- في كتابه: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} النحل ٤٤.

تطبيقه وتوضيح معانيه

     ولم يتوقف عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيان ألفاظه أو ترتيل آياته فقط بل بذل جهدا هائلاً في تطبيقه وتوضيح معانيه للناس؛ فما نزلت عليه آية من القرآن الكريم أو أخبر حديثا لصحابته إلا وكان أول من يمتثله؛ ولذلك لما سئلت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن خلق نبينا - صلى الله عليه وسلم - قالت: «كان خلقه القرآن»؛ فأثمرت دعوته إثمارا كبيرا، وتفانى المؤمنون في متابعته وتقليده؛ لأن العمل أو الفعل أقوى تأثيرا وأعظم من قول لا عمل فيه، والناس دائما يراقبون أفعال المرء قبل أقواله؛ فإذا تطابقت الأقوال والأفعال، فالاستجابة سهلة، وإلا فالأمر جد خطير.

سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم

     وعندما تمُعن النظر في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - تتجلى لك بأن معاملته الطيبة مع الناس لم تكن مقصورة على المسلمين فقط بل امتدت إلى غيرهم من الأمم الأخرى، وأن التعامل الحسن جزء من الدين، وأن الإسلام لا يحابي أتباعه على حساب الآخرين، ولأجل ذلك فقد أودع النبي - صلى الله عليه وسلم - ورهن درعه عند يهودي من أجل قوت لأهله، ولم ير النبي - صلى الله عليه وسلم- أي مشكلة في ذلك أو انتقاصا من مكانته وشرفه؛ لأن حقوق الناس مصونة مهما كانت ديانتهم، ما يبرهن على أن الدين يحث أتباعه على معاملة الناس بطريقة سوية وحسنة.

داخل بيت النبوة

     هذه الأخلاق النبوية ليست خارج بيت النبوة فقط بل تشمل داخله ويظهر تطبيقها بطريقة ناصعة، فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يؤتى بالنخل عند صرامه، فيجيء هذا بتمره وهذا من تمره، حتى يصير عنده كوم من تمر، فجعل الحسن والحسين يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخرجها من فيه، فقال: أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة، ورواه مسلم وقال إنا لا تحل لنا الصدقة.

التجارب الحية

     ومن التجارب الحية الدالة على أن الدين بالأخلاق الطيبة، وأن الناس يتأثرون بأخلاق من يدعوهم إلى الخير أو ينهاهم عن الشر أو غير ذلك من الأعمال صغيرة كانت أم كبيرة، ولا يعنيهم كثيرا القول المجرد والشعار البراق، ما رواه الإمام مسلم في صحيحه في قصة إسلام سيدنا سلمان الفارسي - رضي الله عنه - لما هرب من موطنه الأصلي باحثا عن الحق والدين الصحيح، فلما قدم الشام سأل عن أفضل الناس في بلدتهم، فدلوه على أسقف الكنسية، فدخل عليه قائلا: «إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك، وأصلي معك»، فرحب به الأسقف وأذن له بالعيش في صومعته؛ لأن سلمان أبدى رغبته وتطوعه في خدمته، وفعل ذلك لأن صاحب الحاجة لا يتمكن من بلوغ حاجته إلا إذا تفنن في خدمة مخدومه، ولكن الشاب الباحث عن الهداية صُدم بوضع مأساوي لا يليق بمن يدعي العلم وتعليم الناس، وهو مخالفة فعله قوله، قال سلمان في وصف صاحبه «فكان رجل سوء، يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها شيئًا، اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، فأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع. ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: «إن هذا رجل سوء، يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، فإذا جئتم بها، كنزها لنفسه، ولم يعط المساكين»، وأريتهم موضع كنزه سبع قلال مملوءة، فلما رأوها قالوا: «والله لا ندفنه أبدًا». فصلبوه ثم رموه بالحجارة.

مواصلة البحث

     لم يمنع سيدنا سلمان هذا السلوك المعوج والمحبط في آن واحد في مواصلة بحثه عن الدين الصحيح، ولكن في هذه المرة وجد رجلا صادقا في علمه وعمله، وقال فيه «فما رأيت رجلاً أرى أنه أفضل منه، أزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلاً ونهارًا، ما أعلمني أحببت شيئًا قط قبله حبه، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة»، ثم التقى بعد ذلك أساقفة من مدن الموصل ونصيبين وعمورية وكانوا على الدين الصحيح، وقد أوصى له آخر الأساقفة الذهاب إلى الحرم وأخبره أن الزمان قد اقترب من ظهور نبي جديد في هذه البقعة المباركة. ولأجل هذا التدين الصحيح وتطبيقه السوي أوصل باحث الحق إلى بر الأمان والإيمان وفاز بصحبة الحبيب - رضي الله عنه .

الوشم والنمص

     فهذا عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - يحذر الناس من الوشم والنمص وتغيير صورة الجسم من غير ما داع شرعي، فتعترض عليه امرأة وتتهم زوجته بمزاولة ذلك، ولكن الحقيقة تكمن في غير ما ادعت به، قال -تعالى-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}؛ فقالت المرأة فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن قال اذهبي فانظري قال فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئا فجاءت إليه فقالت ما رأيت شيئا، فقال أما لو كان ذلك لم نجامعها). مسلم

معين الحبيب - صلى الله عليه وسلم

     وسيدنا عمر الفاروق ينهل من معين الحبيب - صلى الله عليه وسلم - ويبرهن للرعية بأن الدين بأخلاقه العظيمة يشمل القريب والبعيد، فإذا ما أصدر مرسوما أميريا طلب أهل بيته بالتقيد به وعدم الخروج عنه، فعن سالم بن عمر بن الخطاب عن أبيه، قال: كان عمر بن الخطاب إذا نهى الناس عن شيء دخل إلى أهله أو قال: جمع فقال: إني نهيت عن كذا وكذا، والناس إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتى برجل منكم وقع في شيء مما نهيت عنه الناس، إلا أضعفت له العقوبة لمكانه مني، فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر. مصنف عبد الرزاق.

تعاليم الدين

     وأخيرًا عدم التقيد بتعاليم الدين ومعاملة الناس بأوامره، ومخالفة الأقوال بالأعمال، وتباين الظاهر بالباطن، ومزاولة التدين المغشوش، والتظاهر بأعمال صالحة من جانب مع حمل جبال من الخطايا والذنوب في جانب آخر يسيء إلى الدين وحامليه، ويكون صاحبه ضمن ما أشار إليه الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي، من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته، قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار».

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك