الإسلام الحي في تونس.. يتصدى لرياح الردة
خلال الشهور الماضية، وتحديدا بعيد الثورة، أسقط في أيدي من كانوا يسيطرون على المشهد السياسي والاقتصادي والثقافي في تونس، بعد أن سقطت أو بالأحرى أسقطت عصا البوليس من أيديهم، فظهروا على حقيقتهم مجردين من كل قيمة، وكان لابد من جس نبض الشعب التونسي ومن ورائه الأمة الإسلامية (في ظروف مغايرة تختلف عما عهدوه من دعم مادي ومساندة معنوية من الاستبداد، وتغطية سياسية وأمنية من الديكتاتورية) فكان فيلم «برسيبوليس» الفرنسي الإيراني (ملحدين إيرانيين) على قناة «نسمة» الذي يجسد الذات الإلهية ويدعو للتمرد على الخالق سبحانه من خلال مشاهد تكرس ذلك في أذهان الأطفال.
برسيبوليس، منهجية التكفير:
كان اليساريون يحتجون على تعليم الدين في المدارس الحكومية بحكم أن الأطفال غير قادرين على التمييز، ونسوا ما قاله فلاديمير لينين، (أول رئيس شيوعي في الاتحاد السوفياتي المنهار) بأن «المدارس لا يمكن أن تكون محايدة»، ولأن الشعب التونسي مسلم فلا يمكن للمدارس وفق التصور السابق (ابتداء) أن يدرسوا منهجا آخر غير المنهج الإسلامي، ولكن اليساريين والعلمانيين عموما، كعادتهم ينسون ما يطالبون به غيرهم (وهم فئة معزولة)، ويحاولون فرض تصوراتهم على الشعب المسلم، وفي هذا الإطار يأتي بث فيلم «برسيبوليس»على قناة «نسمة» التي تغطي تونس والجزائر والمغرب، لمحاولة التأثير في النشء المسلم، وزرع الكفر والإلحاد بين البراعم الصغيرة حتى تكبر وهي تكفر بالإسلام، وتترعرع في ظل ثقافة إلحادية كفرية مرتدة، فأطفال اليوم هم رجال الغد؛ ولذلك كان رد الفعل الشعبي مزلزلا للمرتدين ومن وراءهم، فقد شهدت المدن التونسية انطلاقا من (بنزرت) في أقصى الشمال وحتى قفصة في أقصى الجنوب مرورا بمدن الساحل والوسط: سوسة، والقيروان، وسيدي بوزيد، وصفاقس، وغيرها فضلا عن العاصمة تونس مظاهرات احتجاج ضخمة عبر فيها التونسيون عن ولائهم لله ورسوله[ والإسلام، مؤكدين على استعدادهم لبذل الغالي والنفيس من أجل السلام الروحي للشعب والأمة، والمتمثل في قيم الإسلام وتعاليمه وعقيدته وشريعته، فـ«الشعب مسلم ولن يستسلم»، وقد بلغ ببعض الغاضبين الحماس إلى درجة قاموا فيها بحرق منزل صاحب قناة «نسمة».
وقناة «نسمة» كما قناة «حنبعل» جيء بها لشن حرب شاملة على الإسلام وأهله في تونس خاصة ومنطقة المغرب الإسلامي عامة لتعمم بعد ذلك على البلاد الإسلامية قاطبة، وهذا ما فهمه بعض العاملين في القناة فقدموا استقالاتهم رافضين الانخراط في حرب الإسلام، كما طلبت الكثير من النوادي الرياضية من القناة عدم بث مبارياتها لنفس الغرض، وسحب العديد من التجار إعلاناتهم التجارية من القناة، كما أدانت العديد من الأحزاب، بث الفيلم الذي صدم المجتمع التونسي في أنقى وأصفى ما في الضمير الجمعي للأمة، في حين ساندته أحزاب فرنسا «القطب الحداثي» و«الحزب الاشتراكي التقدمي» والتكتل من أجل العمل والحريات» وهي أحزاب استخدمها المخلوع، ومثل بعضها دور المعارضة المدخونة.
بقي القول: إنه في الوقت الذي تمثل فيه قناتا «حنبعل» و«نسمة» حربا على الإسلام، تمنع الهيئة المؤقتة للإعلام الترخيص لقنوات إسلامية، أي حرية سب الدين ومنع نشر الدين!!!
تمويل الكفر بأموال الشعب:
أما الفيلم الداعي للإلحاد الذي أثار الضجة فهو من إنتاج المخرجة التونسية، نادية الفاني، التي تتبجح بإلحادها، وعدم ايمانها بالله والرسل، وتقوم بحلق رأسها، على طريقة النازيين الجدد. وقد زاد من نقمة الشعب التونسي على السلطات التونسية وبالأخص وزارة الثقافة دعمها للفيلم بمبلغ 600 مليون مليم تونسي، أي نحو 300 ألف يورو، كافية لتوفير كتب مدرسية لمئات الطلبة من أبناء الأسر الفقيرة الذين لم يجدوا كتبا وملابس وأحذية لائقة، ولا يزالون في بيوتهم وحتى الآن لم يلتحقوا بصفوفهم الدراسية للأسباب الآنفة.
وقد أعرب الشعب التونسي وقواه الحية عن رفضهم المس بمقدسات الشعب، وتساءلوا عما إذا كان للمسلمين أن يحتجوا عن الرسوم الدنماركية المسيئة، وجريمة حرق القرآن في أمريكا وغيرها ولا يمكنهم أن يفعلوا ذلك في تونس وخارجها عندما تمس مقدساتهم بتمويل رسمي من الحكومة المؤقتة التي ستحاسب على أفعالها بعد الانتخابات.
وتساءل أبناء الشعب التونسي وغيرهم: إذا كان دين تونس الإسلام كما هو مثبت في الدستور، فلماذا يمول فيلم من ميزانية الشعب التونسي المسلم يسخر من المقدسات الإسلامية؟! مؤكدين على أن المارقين والمرتدين لا يمثلون الشعب التونسي، وإنما هم شرذمة معزولة غريبة عن الشعب التونسي ومقطوعة تعيش في فرنسا، كما تساءلوا عما إذا كانت همة هؤلاء ومنهم القائمون على «حنبعل ونسمة» ومخرجة الفيلم قد انصرفت إلى محاربة الإسلام، في حين لم ينبسوا ببنة شفة في عهد المخلوع، ولم يقارعوا الاستبداد والديكتاتورية، بل كانوا ضمن جوقة المديح وإضاءة الشموع وحرق البخور للمخلوع، فهم لم ينتقدوا بن علي ولا ليلى الطرابلسي طوال حياتها، ثم جاءوا بعد الثورة للنيل من الإسلام تحت غطاء محاربة عودة التونسيين لجذورهم الإسلامية بعد سقوط عصا البوليس التي استخدمت بكل دناءة لتحقيق تلك الأهداف الوضيعة والدنيئة.
وهو أمر لا يستغرب من مأتاه، فالذين هم في الحكومة الانتقالية ممن أخرجوا من الأرشيف القذر للبورقيبية وثقافة الحلاقة التي حولت القصر الجمهوري إلى محرقة «للحرباوات» بغرض السحر، ولم يجرؤ أحد على التعرض لها في عمل فني إبان سطوتها.
انتخابات تونس.. الشعب عندما يقول كلمته
لاشك أن الشعب التونسي عاقب من خلال نتائج التصويت العهد البائد وعبر عن ولائه للإسلام وانتمائه للأمة
انتهت الانتخابات في تونس يوم الأحد 23 أكتوبر الموافق 25 / 11 / 1432 هجريا، وسط انبهار عربي ودولي غير مسبوق. فقد انتهى ذلك العصر الذي يربط تخلف العرب والمسلمين في مجال الإصلاح السياسي، بالعوامل الدينية والتاريخية، وانكشفت فرية أن العربي لا يحب التداول السلمي للسلطة، ويركن لما يسمى زورا (الاستقرار)، لكن أهم ما تحقق في تونس، هو رفض الشعب لوصاية أولئك الحداثيين على الدولة والمجتمع، فطالما صدعوا الرؤوس بمقولة أن « الشعب يريد هكذا» أو أن « الشعب هكذا»، وقد أظهرت نتائج الانتخابات أن الشعب يريد الإسلام، أو على الأقل غالبية الشعب تريد دين الأمة، الذي همش وتم التطاول عليه في الحقب السابقة في غياب من يذود عنه، بل من يبين محاسنه مقارنة ببضاعة المرتدين والصادين عنه.
معاقبة العهد البائد:
خروج الشعب التونسي، نساء ورجالا، شبابا وشيوخا إلى الانتخابات، وانتظارالآلاف منهم (أكثر من 4 ملايين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات) ما يزيد عن 6 ساعات في طوابير طويلة، دون أن يحدث ما يعكر صفو العملية الانتخابية ، سوى بعض اللمم البسيط الذي تم تطويقه، دليل على استعداد الشعب التونسي ومنذ عقود لانتخاب ممثليه سواء في البرلمان أو غيره من المجالس التمثيلية كالبلديات والولاة (المحافظين) والعمد وغيرها. وقد أظهر الشعب رشدا كبيرا سواء من حيث الانتظام في صفوف في هدوء أو حسن الاختيار، وإن كان هناك من إشكالية فهي في الأميين الذين لم يوفر لهم من يساعدهم على عملية الاقتراع، وكنا نسمع أصواتهم من داخل الخلوة يطلبون المساعدة، وكثيرا ما كانوا يصرحون بأنهم يريدون التصويت للإسلاميين ولكن لا يعرفون، وكنا مقيدين بالقانون الذي يفرض على كل ناخب أن يختار بمفرده دون تدخل من أحد، وكنا مع رئيس القسم الانتخابي وعضوي القسم وبقية الملاحظين الدوليين والمحليين نجيبهم بأننا لا نستطيع التدخل، فكانوا يصوتون كيفما اتفق ، وكانت أصواتهم أصواتا طائشة حصل عليها من لا يستحقها، ومع ذلك سقط في الانتخابات وبالتالي فإن الاسلاميين نجحوا بأصوات المثقفين أو بلهجة عامة أصوات المتعلمين وإن شئت باصوات من يحسنون القراءة والكتابة.
ولا شك أن نتائج التصويت التي تفيد بأن الإسلاميين نجحوا بأكثر من 50 ٪ (حزب النهضة) فضلاً عن 10 ٪ لقائمة مستقلة محسوبة على الإسلاميين المستقلين ، و15٪ لمنافسين غير معادين، و12 ٪ لمنافسين يمكن التفاهم معهم ، تؤكد أن تونس اختارت الهوية، واختارت الإسلام واختارت من لا يناصبون دينها العداء، علما بأن 110 أحزاب خاضت الانتخابات ، بينها 33 قائمة حزبية ومستقلة لم تحصل على أي صوت، وكانت نتائج البقية هزيلة للغاية ولا تكاد تذكر.
ولا شك أيضا أن تونس عاقبت من خلال نتائج التصويت العهد البائد، فكثافة المشاركة الشعبية في التصويت وتحقيق نصاب تاريخي (أكثر من 90 ٪ ) تؤكد على أن الشعب كان مقموعا في العهد البائد، وأنه يعبر عن ولائه للإسلام وانتمائه للأمة، وهو ما حدا ببعض العلمانيين للحديث عن «استخدام المقدس» و«استغلال المساجد»، وهي تهمة جديدة يلصقونها بأنفسهم بأنهم بعيدون عن المقدسات، مقاطعون للمساجد ومنقطعون عنها.
هزيمة اليسار والفرنكفون:
لقد اعترف شق من الفرنكفونيين بهزيمتهم، وهم الذين بنو حملتهم الانتخابية على التخويف من الإسلاميين، وبالتالي فإن نتائج الانتخابات هي هزيمة لتلك التخرصات، وللأيديولوجيا الفرنكفونية، كما هي هزيمة لفلول اليسار الانتهازي، الذي تحالف مع بن علي ضد الإسلاميين، ومثل رأس حربة في مشروع تجفيف ينابيع الإسلام في البلاد. وقد ردت فلول اليسار على نتائج الانتخابات بتنظيم مظاهرات شارك فيها أعداد صغيرة من الموتورين والهامشيين، لكنهم لم يجرؤوا على الإعلان عن أنهم من فلول اليسار الانتهازي المهزوم شعبيا وحزبيا في الانتخابات.
لاتوجد تعليقات