الإسلام أصل الأديان
استكمالاً لما بدأناه في الحديث عن الشبه التي يثيرها الملحدون عن الدين الإسلامي نقول: إن التساوي بين الأديان بمعنى أن كلها حق أو كلها باطل أو كلها مشكوك فيها، غير صحيح، وأن دينًا واحدًا من هذه الديانات كلها هو الحق، وهو الإسلام.
والإسلام هنا ليس فقط الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن الشرائع السماوية جميعها، هي أيضًا إسلام، وهي بالضرورة الشرائع السابقة على بعثته؛ فالشرائع السماوية موضوعها واحد وهو التوحيد، إفراد الله بالعبودية، ولكن اختلفت فيما بينها، لأسباب تتعلق بطبيعة المكان والزمان الذي بعث فيه كل رسول من رسل الله -صلى الله عليهم وسلم أجمعين- ثم إن تعدد هؤلاء الرسل، لم يكن فقط لأن كل رسول كان يبعث إلى قومه خاصة، ولكن من أسباب تعدد الرسل أيضًا ما وقع فيه البشر بعد كل رسول من انحراف في المعتقدات وتبديل للشرائع، وتحريف للكتب، لقد كانت مهمة كل رسول يبعثه الله رد الناس إلى دينهم الأول، الدين الذي كان عليه آدم وزوجه، وهذه الحقيقة الدينية لا مجال لتكذيبها؛ لأن الأديان السماوية الموجودة حالياً جميعها هي أديان توحيدية، وإن انحرفت في مفهوم التوحيد، حتى المثلثون، يقولون: آب - ابن - روح قدس، إله واحد!، واليهود موحدون، لكن مع انحراف كبير في مدلول التوحيد وغيره من العقائد، والشرائع؛ بل إن الشرائع الوثنية لها جذور توحيدية، تشير إلى أنها هي أيضاً تحريف لدين التوحيد؛ فالهندوسية تعد من الشرائع متعددة الآلهة؛ لأنها تقول بوجود حوالي 330 مليون إله! إلا أنه يوجد لها إله واحد فوق هذه الآلهة وهو البراهما، والشاهد: أن هذا القدر المشترك بين الأديان السماوية، والوثنية، في مجال العقيدة وهو الإيمان بأن الإله الخالق واحد، يشير إلى أنها ترجع جميعاً إلى أصل واحد، وهو الإسلام، الدين الذي كان عليه الإنسان الأول، آدم وحواء.
محمد صلى الله عليه وسلم آخر رسل الله
عندما كان الإنسان على مقربة من الطفرة الحضارية الهائلة في القرون المتأخرة، وكانت ما تزال عقائده بيد رجال دين آثروا الدنيا على الآخرة، وحوَّلوا الدين إلى مطايا يبلغون عليها زيوف المقاصد وتوافه الحاجات، فحرفوا وغيروا وبدلوا وزادوا ونقصوا وحذفوا وكتموا، عند ذلك شاء الله -تعالى- أن يبعث رسولاً يصحح للعالمين دينهم، وهم على مشارف هذه القفزة الحضارية الهائلة، ولكن ليس على الطريقة القديمة، طريقة: لكل قوم رسول، إنما على طريقة حديثة تتناسب كلياً مع التقدم المنتظر للبشرية في طورها الأخير، لقد كان ذلك التصحيح للدين من جهتين:
- الأولى: من جهة أن المحافظة على أصل الدين متمثلاً في كتابه المنزل، لن يكون في هذه المرة كما كان في السابق متروكاً لعناية رجال الدين، بل سيتولى الله مهمة حفظه بنفسه؛ فلذلك قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9)، وقال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت: 41: 42).
- الثانية: أن الإنسان في طوره الأخير، وتقدمه الحضاري، لن يكون بحاجة إلى رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، في ظل النضج العقلي، والتقارب بين البلاد بفعل اتساع الممالك، وبعد ذلك بفعل ظهور وسائل الاتصال، من أول البريد وإلى الأقمار الاصطناعية، كل ذلك يجعل مسألة استمرار تعدد الرسل غير مواكب للواقع البشري، ومن ثم فلم تعد له حاجة؛ لذلك اقتضى الأمر أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الرسل، فقال الله -تعالى-: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}(الأحزاب: 40).
عالمية الإسلام والتعايش بين الأديان
إن عقيدة قهر الغالب للمغلوب، وحمله على التدين بدينه، أو يواجه مصير القتل، إنما هي أحد روافد التحريف في كتب الشرائع السماوية السابقة، فقد جاء على سبيل المثال لا الحصر، في سفر التثنية (13: 15- 17): فَضَرْباً تَضْرِبُ سُكَّانَ تِلكَ المَدِينَةِ بِحَدِّ السَّيْفِ وَتُحَرِّمُهَا بِكُلِّ مَا فِيهَا مَعَ بَهَائِمِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. تَجْمَعُ كُل أَمْتِعَتِهَا إِلى وَسَطِ سَاحَتِهَا وَتُحْرِقُ بِالنَّارِ المَدِينَةَ وَكُل أَمْتِعَتِهَا كَامِلةً لِلرَّبِّ إِلهِكَ فَتَكُونُ تَلاًّ إِلى الأَبَدِ لا تُبْنَى بَعْد، وفي صموئيل الأول، 15: «فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً, طِفْلاً وَرَضِيعاً, بَقَراً وَغَنَماً, جَمَلاً وَحِمَاراً»، وفي إنجيل متى: (10 : 34- 35) “ لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَماً عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَماً بَلْ سَيْفاً، فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ وَالاِبْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا»، وفي لوقا (19 : 27 ) أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي.
وحين نقرأ هذا الكلام المغرق في التعصب، والعنف، والإرهاب، لا يثيرنا العجب من شدة الموجة الإلحادية في أوربا، بقدر ما يثير اندهاشنا أن يتحول في المنظور الإعلامي والدعائي العالمي من يعتقدون ذلك ويباشرونه على أرض الواقع في كل بقاع الأرض، من أفغانستان إلى سوريا، ومن كوبا إلى اليابان، يتحولون بفعل الآلة الإعلامية إلى مسوح ضأن وحمائم كرتونية للسلام. إن الإسلام لخص علاقة المسلمين بالمخالفين لهم في الدين في أحد عشر كلمة، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (الحجرات: 13).
علاقة المسلمين بغيرهم
وإن علاقة المسلمين بغيرهم، وفقاً للقرآن -كتاب ربنا المقدس- علاقة تعارف وتعاون، وبر وعدل، وتآلف وسماحة ومحبة، ومن هذا المنطلق يقول الله -تعالى- في سورة الممتحنة: {لاَيَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الـمُقْسِطِينَ}(الممتحنة: 8)، ومن هذا المنطلق كفل الإسلام الحرية الدينية لغير المسلمين، فلا إكراه لأحد منهم على ترك دينه أو حمله على عقيدة معينة، يقول الله -تعالى-: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (البقرة: 256)، وفي تقرير الإسلام لهذا المبدأ يتجلى تكريمه للإنسان واحترامه لإرادته وفكره ومشاعره، وترك أمره لنفسه فيما يختص بالهدى والضلال، ومن ثم تحمله لتبعة عمله وترك حسابه على الله. ثم إن الإسلام من هذا المبدأ، أباح للمسلمين التعامل مع غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، فأباح زيارتهم وعيادة مرضاهم، ومبادلتهم البيع والشراء ونحو ذلك من المعاملات، فمن الثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي في دين له عليه. وكان بعض الصحابة إذا ذبح شاة يقول لخادمه ابدأ بجارنا اليهودي.
وأحل الإسلام ذبائح اليهود والنصارى والزواج من نسائهم، قال الله -تعالى-: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} (المائدة: 5)، وانظر كيف قال: {إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}، فهو يحل الزواج بين مسلم ويهودية أو مسلم ونصرانية، لكن على شرط، أن يكون في هذا الزواج مهر مسمى لهذه المرأة غير المسلمة، فلا يجوز الاعتداء على عرضها، أو استحلال فرجها بغير مهر، وكما لا يجوز امتهانها، أو إهانة كرامتها، على هذا النحو، فإنه أيضاً لا تجوز خيانتهم قال {وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}، فلا يحل لمسلم أن يخون كتابياً في أهله، فيعتدي على شرفه وعرضه.
ثم إن الإسلام يحل الزواج من النصارى، واليهود، في الوقت الذي يتحرج فيه الكاثوليكي المسيحي من زواج الأرثوذكسية أو البروتستانية، أو المارونية المسيحية، ولا يقدم على ذلك إلا المتحللون من العقيدة عندهم. والإسلام يحمي لأهل الديانات الأخرى كرامتهم، ويصون حقوقهم، ويجعل لهم الحرية في التعبير عن الرأي، بل المجادلة والنقاش، على شرط التزام الأدب، والبُعد عن الخشونة والعنف، ليس من طرفهم فحسب، ولكن من طرفنا بنفس المقدار، قال الله -تعالى-: {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(العنكبوت: 46).
وهكذا نجد أن الإسلام هو المنهج الوحيد الذي يسمح بقيام مجتمع عالمي لا عزلة فيه بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى، ولا حواجز بين أصحاب العقائد المختلفة، لكن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا حين ينعم الجميع بحماية الإسلام، ويقعون تحت رايته.
لاتوجد تعليقات