رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: يحيى بن موسى الزهراني 26 مايو، 2015 0 تعليق

الإســــراء والمعراج- معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي أعجزت أعداء الله في كل وقت

الذي عليه أكثر العلماء أنه أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم  بدنه وروحه يقظة لا مناماً

الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، الحمد لله الذي بين لعباده طريق الهدى، وحذرهم من سبل الضلال والغوا، وأصلي وأسلم على نبي الرحمة والهدى الذي أرشد أمته لطريق الحق والرضى، وحذرهم من اتباع الشيطان والهوى، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أهل الخير والتقى،  فالإسراء والمعراج من معجزات نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم التي أعجزت أعداء الله في كل وقت وكل حين وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى متى كانا:

فقيل إنها ليلة الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول ولم تعين السنة، وقيل إنها قبل الهجرة بسنة، فتكون في ربيع الأول، ولم تعين الليلة، وقيل قبل الهجرة بستة عشر شهراً، فتكون في ذي القعدة، وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل بخمس، وقيل: بست.

والذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة وقبل الهجرة.

     واختلفوا، هل كان الإسراء ببدنه عليه الصلاة السلام وروحه، أم بروحه فقط، والذي عليه أكثر العلماء أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لامناماً؛ لأن قريشا أكبرته وأنكرته، ولو كان مناماً لم تنكره؛ لأنها لا تنكر المنامات، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُُ} (الإسراء:1).

ذكر ابن كثير في تفسيره لسورة الإسراء، عند قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء:1).

إمام الأنبياء

     يمجد تعالى نفسه، ويعظم شأنه لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، فلا إله غيره ولا رب سواه: {الذي أسرى بعبده} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم{ليلاً} أي من الليل {من المسجد الحرام}، وهو مسجد مكة {إلى المسجد الأقصى} وهو بيت المقدس الذي في القدس مصدق الأنبياء من لدن إبراهيم عليه السلام؛ ولهذا جُمعوا له هناك فأمهم في محلتهم ودارهم، فدل على أنه هو الإمام الأعظم والرئيس المقدم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. وقوله {الذي باركنا حوله} أي في الزروع والثمار {لنريه} أي محمداً {من آياتنا} أي العظام، كما قال تعالى: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى}.

هل نحتفل:

     كان ذلك هو حديث الإسراء والمعراج، وكان قبل الهجرة وبعد البعثة النبوية للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن قبل الهجرة إلى وفاته صلى الله عليه وسلم لم يحتفل مطلقاً بليلة الإسراء والمعراج ولم يأمر به من بعده من الخلفاء، بل ولم يحتفل الخلفاء الراشدون وممن بعدهم بتلك الليلة وهم خير القرون على الإطلاق فلا إله إلا الله كيف ابتدع الناس اليوم بدعة عجيبة في دين الله؟ كيف سمح أناس لأنفسهم بأن يشرَّعوا في دين الله ما لم يأذن به الله؟ فتحوا على المسلمين أبواباً للشر كانت مغلقة فهم كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن من الناس مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر، مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه» (السلسة الصحيحة).

     فمن شرع للناس زيادة في الدين، أو سن لهم سنة سيئة أو دعاهم إلى ضلالة فهو آثم وله الويل والثبور، وعليه وزر هذه الضلالة والبدعة إلى يوم القيامة ويحمل من خطايا أولئك الناس الذين دعاهم وأضلهم إلى تلك الضلالات والخرافات والاحتفالات الوهمية التي لا يقرها دين ولا عقل. والليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها في شهر معين، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً وكل ما ورد في تعيينها غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلمولله الحكمة البالغة في أن ينسى الناس هذه الليلة. ثم لو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجزلهم أن يحتفلوا بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها ولم يخصوها بشيء ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، إما بالقول وإما بالفعل وإما بالإقرار، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر، ولنقله الصحابة رضى الله عنهم إلينا، فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة ولم يفرطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون إلى كل خير فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعاً لكانوا أسبق الناس إليه، والنبي صلى الله عليه وسلم أنصح الناس، وقد بلغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة، ويباعد من النار إلا بينه للأمة، كما قال صلى الله عليه وسلم : «ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم» (مسلم)، وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21)، وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100).

بدعة محدثة

     وقال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين». فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الله لم يفعله النبي  صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه، فلما لم يقع شيء من ذلك، عُلم أن الاحتفال بهذه الليلة ليلة الإسراء والمعراج وتعظيمها ليس من الإسلام في شئ، بل هي بدعة منكرة محدثة في دين الله عز وجل ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يأذن بها الله تعالى، فقد أكمل الله تعالى الدين وأتم النعمة على عباده: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3)، وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (الشورى: 21).

     وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (متفق عليه)، وقال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (أخرجه مسلم)، وفي صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: «أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة»، وزاد النسائي بسند جيد: «وكل ضلالة في النار». وعن العرباض بن سارية  رضي الله عنه أنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع، فأوصنا: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» (أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة بسند صحيح).

التحذير من البدع

     فلقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه والسلف الصالح التحذير من البدع، والترهيب منها، وذلك لأنها زيادة في دين الله عز وجل، وفي البدع تشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم وابتداعهم في دينهم زيادة لم يأذن بها الله، ففي ذلك من الفساد العظيم والمنكر الشنيع ما لا يعلم إلا به الله. وفي تلك البدع والاحتفالات مصادمة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

     أسأل الله أن يوفق جميع المسلمين لما فيه الخير والسداد، وأن يتمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يقينا جميعاً البدع الظاهرة والباطنة وسوء الفتن، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يوفقهم لما يحب ويرضى، وأن يأخذ بنواصيهم للبر والتقوى وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين أنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك