رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر السياسي 24 نوفمبر، 2015 0 تعليق

الإرهـاب ظاهرة عالمية.. المسلمون الخاسر الأكبر فيها

الإرهاب ليس مشكلة العصر الوحيدة ولا أكثرها فتكًا وأهمية، ولكن المحاولات الخبيثة لإيجاد أصول لهذه الظاهرة في الإسلام ديانة وثقافة، هي الأخطر على الإطلاق

أكد السلفيون مرارًا وتكرارًا على فساد المناهج التي تدعو إلى التفجيرات والاغتيالات، فجاءت فتاواهم موافقة لقواعد السلف في تحريم هذه العمليات الغوغائية

 دأبت جمعية إحياء التراث منذ نشأتها على مواجهة الأفكار المنحرفة من خلال نشر العلم الشرعي الصحيح المنضبط بالكتاب والسنة مستندة إلى تراث إسلامي عريق لم تشهد له الإنسانية مثيلاً

دأبت جمعية إحياء التراث منذ نشأتها على مواجهة الأفكار المنحرفة من خلال نشر العلم الشرعي الصحيح المنضبط بالكتاب والسنة مستندة إلى تراث إسلامي عريق لم تشهد له الإنسانية مثيلاً

ظاهرة الإرهاب والعنف كانت وما تزال من أهم الإشكالات في عالمنا المعاصر، ولا شك أن مفهوم الإرهاب يمثل تحديًا للإسلام والمسلمين أكبر من الإرهاب نفسه؛ حيث إن الإرهاب بالمفهوم الغربي أكثر ما يُتهم به الإسلام والمسلمون، في حين أن الغرب سوغ لنفسه ما يقوم به من جرائم في حق المسلمين، سواء كانوا شعوبًا أم حكومات، ولا شك أن اعتراف زعماء العالم في قمة العشرين التي عقدت الأسبوع الماضي في تركيا أن الإرهاب ظاهرة عالمية لا يمكن ربطها بأي دين أو جنسية أو جماعة عرقية، خير دليل على ضخامة الأزمة واستفحالها.

مفهوم الإرهاب

     وعلى الرغم من شيوع استخدام مصطلح الإرهاب على نطاق واسع، إلا أنه لا يوجد تعريف متفق عليه لهذا المفهوم سواء على المستوى الدولي أم المستوى العلمي؛ حيث يعد مصطلح الإرهاب المصطلح الأكثر إثارة في العصر الحديث، بل هو الأكثر تداولاً في مجالات الإعلام والسياسة والثقافة والعلاقات الدولية والحضارية، وهو من المصطلحات التي لها جذور لغوية تنطوي على الخوف أو التخويف حيثما أريد توظيفه.

وتنبع أهمية مصطلح الإرهاب في كونه يشكل إحدى اللبنات الأساسية فيما يسمى بالحرب على الإرهاب, ومع الأسف الشديد فلا يوجد تعريف واضح وصريح لـ مصطلح (الإرهاب) متفق عليه، سواء في القانون الدولي أم في المنظمات الإقليمية والدولية.

توظيف المصطلح

     ولا شك أنه دون تعريف المصطلح، وتحديد مفهومه، وجعله عائمًا على بحر من التفاسير والاحتمالات، سهَّل توظيفه من قبل بعض الناس، وإلا ماذا يعني العجز المفتعل للقيمين على القانون الدولي عن وضع تعريف للإرهاب؟ فعدم الفهم هنا هو أمر مضلل؛ حيث أصبح هذا غير المعرف، وغير المسمى، ذريعة لاستهداف أفراد ودول ومؤسسات خيرية، حتى معتقدات وجماعات، وأعطى الفرصة للاحتماء وراء مسوغات ما يسمى بمحاربة الإرهاب الدولي.

مصطلح الإرهاب

     وقد صدر في تحديد هذا المصطلح بيان عن مجمع الفقه الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي بمكة في دورته السادسة عشر, المنعقدة في شوال من عام 1423هـ بمكة المكرمة؛ حيث حدَّدوا الإرهاب بتحديد سبقوا به جهات عالمية عديدة غالطت في معناه ودلالاته, وجاء في بيانهم التعريف التالي:

     الإرهاب هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيًا على الإنسان في دينه, ودمه, وعقله, وماله, وعرضه, ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق, وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق, وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد يقع تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي أو وجماعي, ويستهدف إلقاء الرعب بين الناس, أو ترويعهم بإيذائهم, أو تعريض حياتهم, أو حريتهم, أو أمنهم, أو أقوامهم للخطر, ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد مرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة, أو تعريض أحد الموارد الوطنية, أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله -سبحانه تعالى- المسلمين عنها في قوله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}(القصص: 77).

 ربط الإرهاب بالإسلام

     ولا شك أن الآلة الإعلامية والسياسية، وحتى الدينية الغربية، كرّست جهودها في السنوات الأخيرة لحملة مدروسة ومنظمة لربط الإرهاب بالدين الإسلامي الحنيف، انطلاقًا من الهجمات التي ضربت الولايات المتحدة ومدريد ولندن وباريس والعديد من دول العالم، وإن كنا نرى أن الإرهاب ليس مشكلة العصر الوحيدة ولا أكثرها فتكًا وأهمية، فإننا نرى أن المحاولات الخبيثة لإيجاد أصول لهذه الظاهرة في الإسلام بوصفها ديانة وثقافة، هي الأخطر على الإطلاق. 

     لقد تحول الإرهاب إلى صفة لصيقة بالعرب والمسلمين، لدرجة ارتباطه بصورة ذهنية مشوهة لرجل عظيم اللحية قصير الثوب مقطب الجبين بغيض الملامح، وهو بلا شك عربي ومسلم! حتى استثنى باقي الأعراق والأديان من هذه التهمة، رغم أن تاريخ العديد من الدول المتشدقة بالحرية والعدالة والديمقراطية، حافل بالمجازر والجرائم التي أقل ما يقال عنها إنها إرهابية، وفي الوقت الذي يُتهم فيه العرب والمسلمون بالإرهاب، نجد أنهم في الحقيقة ضحايا الإرهاب بمختلف أنواعه؛ الاستعماري والاستيطاني والفكري والاقتصادي والثقافي والسياسي.

     فإن كان الإرهاب هو القتل العشوائي الذي لا يفرق بين مدني وعسكري، ولا بريء أو مسيء، ولا مظلوم أو ظالم، ولا يبالي بالأرواح ولا الممتلكات، فلا يمكن أن تكون لهذه الأعمال صلة بالإسلام، بل قد حذَّر منها الإسلام تحذيرًا شديدًا، وشدد الوعيد على من يقوم بتلك الأعمال الإجرامية، وأما أن يوصف من يدافع عن أرضه ضد محتل غاشم، أو يدفع عن وطنه ضد ظالم باغ؛ فهذا ما لا يقبله عقل ولا شرع، ولا قانون.

الإسلام و الإرهاب

     حرَّم الإسلام الإرهاب والفساد في الأرض، وعاقب عقابًا شديدًا من يقوم بمثل هذه الأفعال، قال تعالى: {إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(المائدة: 34 -33). وهذا يؤكد أن الإسلام هو دين السلم والأمان، على عكس ما تدّعي الآلة الإعلامية الغربية والأوساط السياسية المناوئة للإسلام، متهمة إياه باعتماد منهج العنف في التغيير واستعمال أساليب إرهابية في نشر الدعوة والتعامل مع الأعداء، ويسوغون كلامهم وادعاءاتهم الباطلة، ببعض الآيات القرآنية التي تحث المسلمين على الجهاد في سبيل الله، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}(الأنفال: 60)، وهذا يعني الاستعداد للعدو ومقاومته بقوة واقتدار، والهدف هنا هو إرهاب العدو منعًا لعدوانه علينا، أما الترهيب دون سبب مشروع، فهو محرم، فالإسلام جاء لتحقيق أهداف عظيمة، تتمثل في حفظ الضرورات الخمس، وهي مقاصد الشريعة التي تتمثل في حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض وحفظ المال،  وهذه المقاصد كلها تتنافى مع الإرهاب والاعتداء على أمن الآخرين وحرمتهم، وكل عمل تخريبي أو إجرامي أو إرهابي يستهدف أمن الأبرياء والعزل والآمنين، مخالف لشرع الله؛ فالشريعة تصر وتؤكد على عصمة دماء المسلمين والمعاهدين، وعلى حماية الأرواح والممتلكات، {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص: 77)، والنصوص في ذلك كثيرة لا يسع المجال هنا لذكرها.

السلفيون و الإرهاب

     انطلق موقف السلفيين في هذا الباب من موقف الإسلام؛ حيث يمثل المنهج السلفي الفهم الصحيح للإسلام بصفائه ونقائه، وكان هذا الموقف واضحًا وضوحًا جليًا لا لبس فيه ولا غموض، وقد كان للسلفيين أصحاب المنهج الحق المرتكز على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة مواقف واضحة وجلية في رفض الإرهاب وإدانته بكل أنواعه، بل وسدوا الطريق أمام كل ما يؤدي إلى هذا الشر العظيم، وتمثل هذا الرفض في أمور عدة أهمها:

- أولا:  رفض الخطاب التكفيري.

- ثانيا: رفض خطاب العنف، والتحذير من الصدام.

- ثالثا: تحريم الاغتيالات والتفجيرات.

 رفض الخطاب التكفيري:

     أعلن السلفيون رفضهم بكل وضوح للخطاب التكفيري، والوقوف في وجهه بكل قوة، وحذَّروا الأمة من الوقوع في شره العظيم، وبينوا أن التكفير حكم من الأحكام الشرعية، التي لا دخل لرأي فيها أو هوى؛ فالمؤمن هو من حَكَم الله ورسوله له بالإيمان، والكافر من كفره الله ورسوله؛ فليس لأحد أن يطلق صفة الكفر على أحد بمجرد الظن أو الهوى، كما أنه لا يحكم بإسلام، أو إيمان لمن كفَّرَهُ الله ورسوله.

     كما أكد السلفيون على أن التكفير مبناه على التثبت والتحري، لا على الاندفاع والتجني؛ إذ الحكم على من ثبت إسلامه بيقين بالخروج من الإسلام، والدخول في دائرة الكفر، بغير حقٍ، ولا بينةٍ أوضح من شمس النهار، جناية عظيمة، وجريمة شنيعة، لا يقدم عليها إلا متهور لا يقدر الأمور قدرها، ولا يعد ليوم الحساب عدته، فأي بغي وعدوان أعظم من أن تحكم على مسلم بانخرام عقد إسلامه، فتذهب عنه عصمة الدم والمال - هذا في الدنيا – مع الحكم عليه بالخلود في النيران في الآخرة.  واستدلوا في هذا الباب من خلال أدلة قطعية من الكتاب والسنة أهمها:

      ما ورد في الصحيحين عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ رسول الله[ قال: «أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لأخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا». وفي رواية: «أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلا رَجَعَتْ عَلَيْهِ«. (أخرجه البخاري: 6104، ومسلم: 60).

     ومنه أيضًا ما رويَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِه» (أخرجه البخاري: 6047).

رفض خطاب العنف والتحذير من الصدام 

     وكما كان موقف السلفيين واضحًا حاسمًا في رفض الخطاب التكفيري؛ لما فيه من مخالفات شرعية وانحرافات منهجية، وإحياء لمسالك أهل البدع والأهواء من الخوارج، كان موقفهم واضحًا وحاسمًا كذلك في رفض خطاب العنف والإثارة والتهييج ودعوات الصدام والمواجهة الدموية، التي هي نتيجة طبيعية لإطلاق الأحكام بتكفير المسلمين دون مراعاة للضوابط الشرعية، وكما كان هذا الرفض من منطلق ثوابت المنهج السلفي وأصوله الشرعية، كذلك رفض العنف والصدام، فهو ليس كما يصفه البعض تخاذلاً ولا جبنًا، بل مراعاة لاعتبارات الواقع الشرعية والعقلية والتاريخية، ولعل من الصور الواضحة في هذا الباب موقف السلفيين من المظاهرات والاعتصامات والإضرابات فأغلب علماء الدعوة السلفية، حتى من يرى منهم أن هذه المسألة خاضعة لباب المصالح والمفاسد إلا أنهم يجمعون على استحالة تحقق الشروط التي وضعها بعضهم لذلك.

     وقد أفتى علماء الدعوة السلفية الكبار بحرمة هذه المظاهرات التي تؤجج نيران العنف، وتصعد وتيرة الصدام بين أطياف الأمة الواحدة ومن ذلك ما قاله سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: «فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق، والأسلوب السيئ العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله أو إثارة القلاقل والظلم والعدوان» أ.هـ مجلة (البحوث الإسلامية . العدد38 ص 210).

تحريم الاغتيالات والتفجيرات.

     كما أكد السلفيون كذلك مرارًا وتكرارًا على فساد المناهج التي تدعو إلى التفجيرات والاغتيالات، ولقد تابع العلماء المعاصرون ما كان عليه سلف هذه الأمة، فجاءت فتاواهم موافقة لقواعد السلف في تحريم هذه العمليات الغوغائية، ومن ذلك بيان هيئة كبار العلماء حول ظاهرة التكفير والتفجير: ( إن استباحة الدماء، وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال الخاصة والعامة، وتفجير المساكن والمركبات، وتخريب المنشآت، فهذه الأعمال وأمثالها محرمة شرعًا بإجماع المسلمين...).

     وأيضًا ما ذكره فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- حول التفجيرات: «ولما ظهرت قضية الإخوان الذين يتصرفون بغير حكمة؛ ازداد تشويه الإسلام في نظر الغربيين، وغير الغربيين، وأعني بهم أولئك الذين يُلْقون متفجرات في صفوف الناس، زعمًا منهم أن هذا من الجهاد في سبيل الله! والحقيقة أنهم أساؤوا إلى الإسلام وأهلِ الإسلام أكثر بكثير مما أحسنوا، ما ذا أنتج هؤلاء؟ هل أقبل الكفار على الإسلام ؟ أو ازدادوا نفرة منه؟ لا شك أنهم ازدادوا نفرة منه، وأهل الإسلام يكاد الإنسان منهم أن يغطي وجهه لئلا يُنسب إلى هذه الطائفة المرْجِفة المروِّعة، والإسلام بريء منهم، حتى بعد أن فُرض الجهاد؛ (لم يكن) الصحابة - رضي الله عنهم  - يذهبون إلى مجتمع الكفار يقتلونهم أبدًا، إلا بجهاد له راية، من وليٍّ قادر على الجهاد، أما هذا الإرهاب: فهو والله نقص على المسلمين، أُقْسم بالله، ما فيه نتيجة أبدًا، بل هو بالعكس، فيه تشويه السمعة، ولو أننا سلكنا الحكمة، فاتقينا الله في أنفسنا، وأصلحنا أنفسنا أولا، ثم حاولنا إصلاح غيرنا بالطرائق الشرعية؛ لكان نتيجة هذا نتيجة طيبة».

التراث و الإرهاب

     انطلق موقف جمعية إحياء التراث الإسلامي من الإرهاب مما ذكرناه سابقًا؛ حيث أدركت الجمعية خطورة هذه الظاهرة، كذلك أدركت خطورة الغلو والتكفير والخروج في وقت مبكر، فبادرت بعلاجه بكل ما تيسر لها من الوسائل، وقد بدأ هذا الأمر منذ أكثر من ربع قرن؛ حيث ظهرت آنذاك العديد من الانحرافات الفكرية التي تسترت بعباءة الجهاد، فبدأت منذ ذلك الحين بمواجهة هذه الانحرافات الفكرية الخطيرة؛ حيث رأت الجمعية أنها تمهد لما هو أخطر منها.

     وقد ارتبطت الجمعية منذ تأسيسها بكبار العلماء ورجال الدين في العالم الإسلامي من أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ محمد العثيمين - رحمهم الله - وكبار علماء المملكة العربية السعودية، ومصر، والسودان، والهند وغيرهم، واستفادت من علمهم ودعوتهم وسارت على المنهج السلفي الذي ساروا عليه الذي يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويرفض التطرف والعنف والإرهاب، ويأمر بطاعة أولي الأمر المسلمين، وعدم شق عصا الطاعة عليهم، وعدم وضع الجهاد في غير موضعه الصحيح الذي فهمه الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم. وقامت الجمعية بوسائل شتى من خلال المحاضرات والكتيبات والنشرات ببيان الآثار السيئة المترتبة على الانحراف والغلو والتكفير للحكام والعلماء والتي منها:

- أن هذه التفجيرات والاغتيالات تزهق أرواح الأبرياء الأطفال والشيوخ والنساء، وتقتل أنفسًا معصومة الدم.

- أن هذه التفجيرات تهدم البيوت، وتفسد المصالح والمنشآت العامة، وتهلك أموال المسلمين؛ وهذا مما أجمع العلماء على تحريمه.

- أن هذه الأعمال تقتل عددًا من غير المسلمين المستأمنين.

- أنها تهتك أمان ولي الأمر لغير المسلمين؛ مما يجر مفاسد عدة منها: زعزعة الأمن والاستقرار، ونزع الطمأنينة والهدوء، وإثارة الرعب والخوف، كذلك من مفاسدها الصد عن سبيل الله، وصد غير المسلمين عن الدخول في الإسلام.

- كذلك فإن هذه الأعمال الوحشية يتذرع بها المتربصون بالإسلام وأهله لتشويه صورة الإسلام وعلماء الإسلام.

منهجية شرعية

     ولما كان الفكر لا يواجه إلا بالفكر، دأبت الجمعية منذ نشأتها على مواجهة الأفكار المنحرفة من خلال نشر العلم الشرعي الصحيح المنضبط بالكتاب والسنة مستندة إلى تراث إسلامي عريق لم تشهد له الإنسانية مثيلاً، ومن ذلك ما دعت له في أول مؤتمر لها بعد تأسيسها وهو مؤتمر التراث الإسلامي؛ حيث تضمن محاضرات عدة منها (تراثنا القرآني) و(تراثنا الحديثي) و(تراثنا الفقهي) وغيرها، وكان الهدف الأساسي منها ربط الأمَّة عمومًا والشباب ولاسيما بالمصادر الأساسية لهذا الدين بعيدًا عن الانحرافات الفكرية والمنهجية، وفي ذات السياق أصدرت الجمعية وابتداء من عام  1995سلسلة مكتبات طالب العلم التي بلغت ثـمانية مكتبات تشمل جميع التخصصات الشرعية، وكان آخرها المكتبة الثامنة التي عالجت هذه الظاهرة معالجة واقعية ومنهجية وشرعية وافية، وأحاطت بها من كافة جوانبها.

تفاعل التراث مع الأحداث الإرهابية

     لقد مرت بالأمة أحداث جسيمة أثَّرت فيها وفي مسيرتها تأثيرًا بالغًا، ولما كانت الجمعية قد أخذت على عاتقها مواجهة الفكر المنحرف بشتى الوسائل والطرائق، ولاسيما التأصيل العلمي والشرعي كان للجمعية مواقف واضحة إبان الأحداث الجسام التي شهدتها عدد من الدول ومنها السعودية (حادثة الحرم الشهيرة)، أو ما عرف بفتنة جهيمان، ثم أحداث مصر والمواجهات المسلحة للجماعات الإسلامية مع الحكومة، وأحداث الجزائر؛ فعلى سبيل المثال بعد أن تفجرت الأوضاع في الجزائر وخروج من يصف النزاع هناك بالجهاد، كان موقف الجمعية رافضًا لذلك، وعقدت الجمعية ندوة في خضم تلك الأحداث بتاريخ 8/4/1995 بعنوان: (الحد الفاصل بين الجهاد والإفساد) للشيخ محمد الحمود النجدي، التي أوضح فيها الموقف الصحيح من هذه الأحداث، وأن ما يحدث هناك هو فتنة قتال وهو نوع من الإفساد في الأرض وليس جهادًا؛ حيث أصل لهذه المسألة مبينًا حقيقة الجهاد وشروطه.

ثم توالت الأحداث وتتابع معها نشاط الجمعية في التحذير من فتن التكفير والتطرف والإرهاب، من خلال الندوات والمحاضرات والدروس، والكتب والنشرات.

الأساليب العلاجية لظاهرة الإرهاب

     ولم تقف جمعية إحياء التراث الإسلامي عند حدود التنظير، بل كان لها دور عملي في بيان أفضل أساليب العلاج لهذه الفتن التي عصفت بالشباب في هذا العصر، وقام هذا البيان على توجيه العلماء وفتح قنوات الحوار المختلفة مع الشباب من خلال الندوات واللقاءات، وهذا القسم هو القسم الرئيس نظرًا للحجم الخطير الذي وصلت إليه الظاهرة مما هو غير متوقع فكان لزامًا تضافر الجهود وتكثيفها من خلال الحوارات المباشرة مع الشباب في الندوات والمحاضرات والدروس، وقد بلغت في بعض السنوات أكثر من ألفي محاضرة ودرس في مختلف أنحاء الكويت، منها أكثر من 500 محاضرة ودرس متخصص في قضايا الإرهاب والتكفير والخروج وغيرها.

مشكلة مزمنة

     أخيرًا نقول: إنه في ظل ما تواجهه المنطقة العربية من محاولات للتقسيم والتفتيت من داخلها، واستعمال شعار (مكافحة الإرهاب) للتدخل في شؤون الدول، فإن المعالجات الخطأ التي لا تتعامل مع جذور المشكلة، لن تستطيع القضاء عليها، كما أن محاولات بعض الأنظمة الدولية التنصل من هذه الظاهرة وتحميل مسؤوليتها للمسلمين فقط دون غيرهم، يجافي الواقع والحقيقة؛ فالتاريخ السياسي الحديث يشير إلى عُمق المشكلة، فمن خلال تتبع بؤر التوتر والصراع في العالم، نجد أنه لا يمكن محاصرة تلك الظاهرة مع وجود تلك البؤر المتوترة، فالمجتمع الدولي يتغاضى عمّا يحدث من انتهاكات للشعب الفلسطيني على أيدي اليهود، وبدعم كامل من الولايات المتحدة الأميركية، كما أنه يتغاضى كذلك عن الحروب الأهلية التي تحركها الدول العرقية والطائفية، والسماح لها بالتدخل في شؤون الدول، كل تلك المشكلات التي تتحرك ذاتيًّا تارة، وبتدخلات خارجية تارة أخري، لن تساهم بحال من الأحوال في القضاء على ظاهرة الإرهاب، التي سيكتوي بنيرانها الجميع كما هو مشاهد في واقعنا الحالي.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك