رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ناصر نعمه العنيزان 3 فبراير، 2021 0 تعليق

الإرهاب ومواجهته.. وأحداث الحرم في وقت صمت فيه كثيرون وتاه آخرون – موقف واضح لإحياء التراث تجاه الإرهاب ومواجهته

 

يتبوأ الأرشيف منزلة غاية في الأهمية لدى الأمم والشعوب المتحضرة، فالتاريخ يصنع بالوثائق، وهي الآثار المختلفة، وأفعال الرجال الماضية وأقوالهم؛ فهي بصمات لا تنسى، كيف لا؟ وهو يوثق إنجازاتها، ويحمل لسان حالها إلى الأجيال اللّاحقة؛ لذلك خُصصت هذه الصفحة لننشر من خلالها تراث جمعية إحياء التراث الإسلامي، ومواقفها التاريخية عبر مسيرتها المباركة.

 

 لا شك أن الإرهاب والتطرف موجود منذ بدء الخليقة، عندما قتل قابيل هابيل حسداً واعتداءً، وإن كانت قد تعددت الأسباب والتوجهات، إلا أن الإرهاب واحد وأسبابه كثيرة، ولا علاقة له ببلد أو ديانة أو جنس، وفي عصرنا الحالي بدأت حالة جديدة فريدة من نوعها في مرحلتها الأولى؛ حيث مورس الإرهاب ضد كل ما هو إسلامي، وفي المرحلة الثانية توجيه الاتهام للإسلام وأهله بالإرهاب، واستخدام بعض أبناء المسلمين ليكونوا أداة لتنفيذ هذا الأمر، وإلصاق التهمة بالإسلام والمسلمين.

المسلمون أول ضحايا الإرهاب

وبالرغم من أن المسلمين هم أول ضحايا الإرهاب، وقد مورس ضدهم بأبشع صوره، ولا يزال حاضراً في ذاكرة كل مسلم تلك المحاولات المجرمة التي سعت للتدمير والقتل في بيت الله الحرام صيف عام (1979م) في موسم الحج.

بيان إدانة

     وقد أصدرت جمعية إحياء التراث الإسلامي آنذاك بياناً، تَصَدَّره قولُ الله -تعالى-: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}. ومما جاء في البيان: «فيما ارتفعت الأصوات تلهج بذكر الله ودعائه في الشهر الحرام وفي البلد الحرام، دوّت انفجارات الشر والطغيان، لتروي -بدماء طاهرة- أرض الله المحرمة، فإن جمعية إحياء التراث الإسلامي التي راقبت عن كثب مسلسل الإجرام البغيض المستهدف لأمن البيت الحرام والحجاج، لتشعر بالأسى الشديد للدماء الزكية، والأرواح البريئة التي أهرقت دون وجه حق، والجمعية إذ تستنكر بشدة هذه الجريمة النكراء، فإنه لا يسعها إلا أن تشد وتؤازر خطوات المملكة العربية السعودية في كل ما تتخذه من إجراءات؛ لتحفظ أمن الحجاج وبيت الله الحرام، وتؤكد تأييدها لكافة الإجراءات والعقوبات الرادعة التي توقع بالأيدي الآثمة، مصداقاً لقول الله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الحج: 25).

تنبّه العلماء والمؤسسات الشرعية

     ومنذ ذلك الوقت، بل ومن قبله تنبّه العلماء والمؤسسات الشرعية القائمة على الكتاب والسنة لخطر الإرهاب، وتصدوا له، ومنها جمعية إحياء التراث الإسلامي التي رأت ضرورة بيان حقيقة ما يحدث باسم الجهاد، الذي أصبح حجة وشعاراً يرفعه دعاة الإرهاب والتطرف والتكفير.

الحد الفاصل بين الجهاد والإفساد

     وعلى الرغم من كثرة الأنشطة والمواقف في مواجهة هذا الأمر، إلا أن من أبرزها محاضرة عامة أقامتها جمعية إحياء التراث الإسلامي على خلفية أحداث الجزائر عام 1995م بعنوان (الحد الفاصل بين الجهاد والإفساد) للشيخ الدكتور محمد الحمود النجدي، يرد فيها على من يصف أعمال الإرهاب والإفساد في الأرض بالجهاد، وبيان الموقف الشرعي الصحيح من تلك الأحداث؛ حيث بيّن الشيخ -حفظه الله- في المحاضرة أن ما يحدث هناك هو فتنة قتال، وهو نوع من الإفساد في الأرض وليس جهاداً، ثم توالت الأحداث وتتابع معها نشاط الجمعية في التحذير من فتن التكفير والتطرف والإرهاب، ومن أبرز ما قامت به الجمعية منذ ذلك الوقت لبيان هذه الفتنة وخطرها والتحذير منها وبيان أفضل سبل علاجها.

وسطية أهل السنة والجماعة

     كذلك محاضرة عامة أقامتها الجمعية في شهر يونيو من العام 1996م بعنوان: (وسطية أهل السنة والجماعة)، أثبت فيها المحاضر الشيخ الدكتور شمس الدين السلفي أن أعمال التفجير والاغتيالات لا علاقة لها بدين الله، ومما جاء في هذه المحاضرة: «أن أهل السنة والجماعة هم الذين يمثلون الأمة الوسط، وهم الذين يمثلون الإسلام الصحيح، فهم أمة وسط بين جميع الفرق». فأهل السنة والجماعة وأصحاب الحديث والفرقة الناجية والطائفة المنصورة والغرباء كل هذه أسماء لأهل السنة والجماعة، فالطاعة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولولي الأمر إذا كان حاكما نافذ السلطة، أما الجماعات فهي تنظيمات، فإذا تعاهد شخص مع آخر ينبغي له أن يوفي بالعهد وهذا لا يصل إلى الطاعة، كما تكون الطاعة لولي الأمر وتكون مثل البيعة، ولا أرى تعمقا في التحزب للجماعات؛ لأن هذه التعصبات أفسدت علينا الدين والدنيا، وإن ما ظهر في بعض بلاد المسلمين من أعمال تفجيرية وتخريبية واغتيالات ليس من منهج أهل السنة والجماعة، وقد رأينا بالتجربة أن هذا التخريب الذي من ضحاياه الأطفال والنساء والشيوخ، ليس من دين الله -تبارك وتعالى.

استمرار المواجهة

ثم استمرت المواجهة بكل الوسائل المتاحة التي تناسب عمل الجمعية؛ حيث توالت الفعاليات والإصدارات المقروءة والمرئية والمسموعة.

المخيم الربيعي 1997

ففي عام (1997م) أقامت الجمعية مخيمها الربيعي، وتم التركيز فيه على قضايا مهمة كالتصفية والتربية، والتكفير وخطره على الأمة الإسلامية.

خطر التكفير على المجتمع

     ومن أبرز من حاضر في ذلك الشيخ: عبدالعزيز الهده -رحمه الله-، وتحدث عن خطر التكفير على المجتمع وأشكاله وصوره الحديثة، وقد حظيت محاضرته باهتمام الصحافة المحلية، وقد كتبت جريدة (الوطن) في وقتها عنواناً بارزاً (عبدالعزيز الهده: الاضطهاد السياسي وفقدان الثقة بالعلماء أهم أسباب ظهور فكر التكفير)، وفي عنوان آخر: (السنة الشريفة أكدت أنه لا يجوز تكفير مسلم بذنب لم يستحله)، ثم تتابعت الأنشطة والفعاليات، فأقيمت محاضرة (منهج أهل السنة والجماعة في التكفير) للشيخ د.سليمان معرفي، والشيخ محمد الحمود النجدي، ومحاضرة (ظاهرة التكفير) للشيخ خالد العنبري، ومحاضرة (الفرق بين الجهاد والإفساد) للشيخ د. عبدالرزاق العباد البدر، والشيخ عبدالله السبت -رحمه الله.

موقف الجمعية

     ولاشك أن كل ما سبق يرسم معالم موقف الجمعية من قضايا الإرهاب والتطرف والتكفير، ولا يملك الإنسان إلا أن يقف احتراماً لهذه الجهود، وغيرها كثير، ولا سيما أنها كانت في وقت صمت فيه الكثير، وتاه فيه آخرون، لكن الجمعية كان لها هذا الموقف التاريخي الواضح الذي لا لبس فيه، تستند فيه إلى القرآن والسنة والعلماء القائمون على ذلك، والذين أجمعت عليهم الأمة، فالحمد لله رب العالمين.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك