رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عبدالعزيز بن محمد النغيمشي 9 مارس، 2017 0 تعليق

الإرشـــاد النفســي للشــباب – خطواته وكيفيته في التصور الإسلامي (2)

التوجيه أو الإرشاد النفسي عملية تتضمن مجموعة من الخدمات التي تقدّم للأفراد لمساعدتهم على فهم أنفسهم، وإدراك مشكلاتهم، والانتفاع بقدراتهم في التغلب على هذه المشكلات، وفي تحقيق أقصى ما يستطيعون الوصول إليه من نمو وتكامل في شخصياتهم، ونحاول في هذا البحث الإجابة عن سؤال: كيف تتم عملية إرشاد الفرد في ظل المنهج الإسلامي؟ واليوم نكمل الحديث عن دور المرشد في هذا الأمر فنقول:

الاطلاع على تاريخ الشبان

     أول ما ينبغي على مرشد الشباب – بهذا التحديد المذكور آنفاً – الاطلاع على التاريخ الشبابي من خلال قصص القرآن وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم- والصحابة وشباب الإِسلام؛ ليكوّن رصيداً للنموذج السوي المتزن من الشباب، وليكوّن نبراساً عملياً لوقاية الشباب وإرشادهم.

     وما لم يكن المرشد مطلعاً على أحوال فتوة الأنبياء وفتوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفتوة الأجيال الأولى من شباب المسلمين عندما كان المسلمون في أوج مجدهم وقوتهم وفي أعلى المستويات من الاستقامة وممارسة دور الهداية والإِرشاد للمجتمعات، ما لم يكن كذلك فهذا أول نقص في ثقافة المرشد عن الشباب وأحوالهم، ونحن نعلم أن العصبة المؤمنة التي تركزت في دار الأرقم في مكة – وعلى يديها تحقق نصر الإِسلام – كان أكثرهم شباباً، فعمر -رضي الله عنه- كان عمر سبعاً وعشرين، وعثمان كان عمره قرابة الثلاثين، وعلي -رضي الله عنه- كان أصغر من أسلم من الصبيان، وهكذا كان عبدالله بن مسعود، وعبدالرحمن بن عوف، والأرقم بن أبي الأرقم وسعيد بن زيد، ومصعب بن عمير، وبلال بن رباح، وعمّار بن يسار، وعشرات غيرهم.. بل مئات.. كلهم كانوا شبابًا.

     والاطلاع على هؤلاء الشباب وكيف تعاملوا مع أنفسهم، وكيف أدوا أدوارهم وأشبعوا حاجاتهم ومطالبهم العضوية والنفسية والإِجتماعية، وكيف تم إرشادهم بالمنهج الرباني عموماً وعلى يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- خصوصاً، وكذلك إرشاد بعضهم لبعض، الاطلاع على هذا يعد خلفية ضرورية لتوجيه إرشاد أبناء المسلمين. والنماذج العلمية في هذا كثيرة لا تحصى نشير إلى بعضها.

إدراك طبيعة الشباب واستعداداتهم

     ويجب أن يلم المرشد بطبيعة هذه المرحلة (المراهقة والشباب)، ومن ذلك علمه بهشاشة البناء الفكري ورقة العاطفة والوجدان، والاستعداد للاستقامة أو الانحراف، وأن سهولة انحراف الشباب وصعوبة سيطرتهم على غرائزهم أمر متوقع، ومن ثم هناك حاجة ماسة للإِرشاد إلى المجاهدة والصبر اللذين يؤديان إلى الشعور بالنجاح والانتصار على الضعف والشهوات والمغريات. وقد ورد في الأثر: «عجب ربكم من شاب ليست له صبوة» كما دلت النصوص على عظم شأن المجاهدة التي يمارسها الشاب مع نفسه، ومن ذلك حديث: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله..» ويذكر منهم: «شاب نشأ في عبادة ربه»؛ لما يتميز به الشاب من غرائز عنيفة وحاجات ملحة تطلب الإِشباع السريع، وقد ضرب الله المثل بقصة يوسف الشاب وانتصاراته المذهلة على الرغبات النفسية والبيئية والنوازع البشرية الأرضية، قال تعالى: {قَالَتْ فَذَالِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءَامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ، قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ}.

     والاطلاع أيضاً على الدراسات التي تبين هذا النزوع وتلك الطبيعة وبروزها في مرحلة الشباب ضروري للمرشد، الذي يريد أن يتعامل مع الواقع، وقد دلت الدراسات على أن الصراع النفسي يحدث في هذه المرحلة بكثرة؛ ففي الدراسة التي أجراها كونكلين على عينة من طلبة المدارس الثانوية، وجد أن 26% منهم يمارسون (ذاتين) مختلفتين في وقت واحد، والتقارير والبحوث التي تتحدث عن أنسب مراحل العمر لظهور الفصام ذات دلالة في هذا الصدد؛ فقد ذكر ستركير (E.A. Srecker) في بحث له أن حوالي 70% من حالات المرض تحدث بين الخامسة عشرة والثلاثين، وذكر ترد قولد (A.F. Tred Gold) أن مما له دلالة فعلاً أن ما لا يقل عن 75% من الحالات تبدأ بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين، ويشير مصطفى سويف إلى أن الإحصائية المستخلصة من سجلات الاستقبال بمستشفى الأمراض العقلية بالعباسية في مصر تبين أن حوالي 67% من الفصاميين تتراوح أعمارهم بين 16، و25 سنة.

الاستعداد المعرفي للاسترشاد

     ثم لابد من العلم بالاستعداد المعرفي للاسترشاد عند الشباب ومعرفة موقف الشباب من الكبار، والنظرة التي من خلالها يحكم الشاب على من هم أكبر منهم، ووجود أو الجسور بين الطرفين أو انعدامها، وهذه المعلومة ضرورية للمرشد الذي يريد أن يصل إلى عقول الشباب، ويخاطب وجدانهم، في هدايتهم وحل مشكلاتهم، وفي هذا المجال يدّعى الشباب ولاسيما في المراهقة أن الراشدين لم يعودوا يفهمونهم ويدركون ظروفهم، ومشكلاتهم، ويؤيد ذلك بحوث عديدة، منها: بحث أجرى في تركيا وزع فيه استخبار على 3000 من المراهقين وكان من بين الأسئلة: «هل تظن أن الكبار يفهمونك على حقيقتك؟» فكانت النتيجة أن معظم المراهقين الذين تزيد أعمارهم على 14 سنة أجابوا بالنفي.

     ولعل انصراف الشباب إلى الفئات من العمر نفسه، وقرب بعضهم من بعض يدل على وجود الشعور بالتفاهم بينهم؛ حيث يرى الشاب أن صديقه فقط هو القادر على فهمه، ومن ثم فإنه يكون هو مصدر الاستشارة والتأييد والتوجيه. على أن هذه النزعة إلى الإعراض عن الراشدين، وعدم استشارتهم تخف، ويبدأ الشاب بعد المراهقة أو في نهايتها يعود أدراجه ليستأنس برأي الكبار، ويطلب التفاهم معهم، والنصيحة منهم، وقد أشارت بعض الدراسات إلى ذلك؛ فقد دلت دراسة قام بها الباحث على عينة من (1560) طالباً وطالبة من المدارس الثانوية بمدينة الرياض على أن الطلاب في عمر (16، 17، 18) أقل توجهاً إلى الأساتذة، بينما الشباب في عمر (20، 21، 22 وما فوق) يكثر توجههم إلى الكبار للاسترشاد والاستشارة. وفي دراسة (لكيورتز) (Curtis) على عينة حجمها (9056) مراهقاً استنتج منها أن الإِعجاب والإِقبال على آراء الكبار يضعف في سني المراهقة الأولى، كما أن الإِعجاب بآراء الأصدقاء أو الزملاء يكون محدوداً في نهاية المراهقة بخلاف الحال في السنوات الأولى للمراهقة.

     ويرى عدد من الباحثين ضرورة حساب هذه الاتجاهات عند التعامل مع الشباب، ومحاولة بناء صداقة وأخوة يتم من خلالها ممارسة الإرشاد والنصيحة، وأن يحاول المرشد إزالة الحواجز والعقبات التي يرى المراهقون والشباب وجودها بينهم وبين الكبار، وذلك بفهمهم وتقدير حاجاتهم ومطالب نموهم مع المحافظة على صفة الأستاذية في الفكر والسلوك، التي تهيئ للاقتداء والقناعة بطلب المشورة من قبل الشباب.

مطالب النمو في مرحلة الشباب

     معرفة مطالب النمو لدى الشباب وحاجاتهم النفسية كالحاجة إلى الأمن والرفقة، والتقدير والنجاح، والمكانة الاجتماعية، وغير ذلك مما هو مفصل في كتب علم النفس والتربية، وقد أشار المتخصصون في هذا المجال إلى قوائم بالحاجات المهمة للشباب، منها ما ينطبق على الشباب عموماً، ومنها ما لا ينطبق إلا على بيئات معينة، ولا ينطبق على البيئة الإِسلامية. وللشباب في المنهج الإسلامي حاجات أخرى تضاف إلى قوائم الحاجات، كالحاجة إلى الهداية، وإلى السكن النفسي المتمثل بالزواج المبكر، والحاجة إلى التوبة من ثقل الخطايا والذنوب.

قال تعالى: {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}، وقال تعالى: {وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا}، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّئَاتِ}.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك