رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عبدالعزيز بن محمد النغيمشي 3 مارس، 2017 0 تعليق

الإرشاد النفسي للشباب-خطواته وكيفيته في التصور الإسلامي

التوجيه أو الإرشاد النفسي عملية تتضمن مجموعة من الخدمات التي تقدّم للأفراد لمساعدتهم على فهم أنفسهم، وإدراك مشكلاتهم، والانتفاع بقدراتهم في التغلب على هذه المشكلات وفي تحقيق أقصى ما يستطيعون الوصول إليه من نمو وتكامل في شخصياتهم.

     وهذه العملية بهذا الوصف الذي يجمع بين معظم التعريفات الواردة عن الإرشاد بوصفه مصطلح حديث عملية ليست جديدة، وليست سهلة، أما عدم جدتها فلأننا نعتقد أن المنهج الرباني المتمثل بالإسلام – بصفته ديناً شاملاً – قد تضمن عملية الإرشاد والتوجيه وأصلها وفرعها؛ فالقرآن كتاب هداية وإرشاد، والسنة والسيرة تفصيل وتطبيق لذلك، وأما عدم سهولتها فلأن عملية الإرشاد المذكورة تحتاج إلى علم وقدرة ومهارة في آن واحد.

     وفي هذا البحث المختصر لن نتناول تفصيلات موضوع الإرشاد والخلفيات النظرية المتعددة له، ولن نتعرض إلى المدارس المختلفة في النظر والتطبيق في ميدان الإرشاد النفسي، إنما نعرض صورة إجمالية لعملية الإرشاد تتضمن بعض الشروط والأساليب وبعض النظرات والحقائق الأساسية في عملية الإرشاد مما تفتقده عملية الإرشاد في البيئة الإسلامية الحالية، ونحاول في هذا البحث الإجابة عن السؤال الآتي: كيف تتم عملية إرشاد الفرد في ظل المنهج الإسلامي؟

     وإجابة هذا السؤال تتضمن مراحل متلاحقة من حيث الزمن والإجراء ينبغي أن تشتمل عليها العملية الإرشادية، وأن تكون هذه المراحل واضحة لمن يقومون بالإرشاد النفسي بوصفها خطوات منطقية لكل عملية تتضمن علاقة إنسانية تقصد التأثير بالاتجاه الإيجابي، وهذه المراحل لا يتصور الانفصال بينها إلا في الإطار النظري بل هي مراحل متداخلة يخدم بعضها بعضاً؛ لأن الإرشاد يعد عملية، وليس أدباً أو وعظاً أو فلسفة.

الواجبات قبل الإرشاد

     تجتمع مقاصد الإرشاد في استثمار طاقات الشباب الذاتية والتهيئة لبناء فكرهم وسلوكهم أو تعديلهما، وتوجيه اهتماماتهم، ورفع مستوى الاستجابة الداخلية للتهذيب النفسي والخلقي ويمكن أن تفصل بعض هذه الأهداف بما يأتي:

- الكشف عن الحاجات الحقيقية لدى الشباب والمشكلات التي يتعرضون لها.

- مساعدة الشباب على فهم أنفسهم في مراحل النمو المختلفة، والوصول بنمو الشباب إلى أحسن مستوياته.

- إمداد الشباب بمجموعة من الخدمات مثل: التعريف بالوسط التعليمي وبكيفيات بناء العلاقات الأسرية والاجتماعية والطلابية، وبالإِرشاد النفسي والمساعدة على وضع الأهداف الدراسية والمهنية.

- استخدام الوسائل الإِرشادية المختلفة التي تدعم العملية التعليمية وتؤدي إلى الشوق والشغف بها.

- المساعدة على حل المشكلات النفسية والتعليمية التي يواجهها الشاب في الوسط التربوي.

     وهذه الأهداف عامة للإرشاد والتوجيه، ولابد عند القيام بالإِرشاد النفسي من تحديد الأهداف الخاصة للحالة المراد علاجها، وللعملية التوجيهية التي سيقوم بها المرشد على نطاق فردي أو جماعي أو داخل الوسط التعليمي، فإذا كانت الحالة مثلاً هي إخفاق طالب في دراسته أو تخلفه عن زملائه، فيجب وضع أهداف محددة للعملية الإرشادية التي سيقوم بها الموجه لعلاج هذه المشكلة بالنسبة لهذا الطالب.

جزء من مهمة الداعية

     والإرشاد بهذه الأهداف يمثل جزءاً من مهمة الداعية في الإسلام. والإسلام منهج شامل للحياة ييسر للناس السعادة والصحة النفسية، ويرشد المرشدين إلى الطريق الأمثل لتحقيق الذات، ونمو الشخصية، وترقي النفس في مدارج الكمال الإنساني، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}، وقال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}.

     والقرآن يعالج الإِنسان ويرشده بأساليب مختلفة، فتارة بطريق القدوة، وتارة بالاستدلال العقلي وتارة بمخاطبة الوجدان بالموعظة والعبرة، وتارة بغير ذلك. فالطريقة الاقتدائية مثل قوله -تعالى-: {فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُريَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُوَن مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}.

      والطريقة الاستدلالية مثل قوله -تعالى-: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}.

     والطريقة الوعظية مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ}.

     وكأن من مقاصد القرآن استخدام الأساليب المتنوعة في الإِرشاد وتنبيه المرشدين لذلك مع أن الهدف واحد وهو معالجة النفس البشرية وتزكيتها في المواقف المختلفة.

معرفة المسترشد

ثم لابد من معرفة الشاب الذي هو موضوع الإرشاد، وهذه المعرفة تأخذ اتجاهين:

- معرفة حال الشاب عامة في هذه المرحلة (مرحلة الشباب).

- معرفة حال الشاب الخاص الذي سيتم إرشاده، صفاته وتاريخه وظروفه، وتاريخ الحالة.. إلخ.

     والأمر الأول يتم الاستعداد له من قبل المرشد منذ أن كوّن ثقافته حول الإِرشاد فهو لابد أن يكون قد أطلع على الثقافة المتخصصة في هذا الميدان في فروع علم النفس والتربية والاجتماع من جانب، والسيرة والتاريخ والثقافة الإِسلامية وما يلزم من معلومات شرعية من جانب آخر.

أما الأمر الأول فلابد من إلمام المرشد الداعية بالأساليب والكيفيات التي توصله إلى معلومات شرعية من جانب آخر.

     وأما الأمر الثاني فلابد من إلمام المرشد الداعية بالأساليب والكيفيات التي توصله إلى معلومات كافية وصحيحة عن الحالة، وإلى تفسير هذه المعلومات وتحليلها من أجل إعطاء إرشاد مناسب للحالة.

ويتناول هذا البحث الجوانب التي ينبغي الإِشارة إليها حول الثقافة الإسلامية والتخصصية في مجال معرفة الشباب.

تحديد فترة الشباب

     ليس هناك قول حاسم وواحد في تحديد سن البلوغ أو سن الشباب عند علماء الإسلام، فبعض الفقهاء يقرر أن الحد الأدنى للبلوغ يقع في بداية العاشرة والأعلى بالثامنة عشرة، كما هو قول أبي حنيفة (رحمه الله)، ويتفق الجمهور وفيهم أحمد والشافعي على أن سن خمسة عشر يعد هو حد البلوغ على ما في حديث ابن عمر، عندما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه، ثم لما عرض يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة أجازه، وقد جعل هذا عمر بن عبدالعزيز حداً بين الصغار والكبار.

     ويستدل أيضاً على البلوغ بالتغيرات الخارجية مثل نبات شعر العانة، ويترتب عليه تحمل المسؤولية، كما ورد في استعراض بني قريظة لمعرفة صبيانهم من رجالهم، عن عطيه القرظي، قال: كنت في سبي بني قريظة فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت.

     أما سن الأشد فقد ورد في قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نَعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ}.

وحدد ابن عباس بداية الأشد بثماني عشرة، وفسر الأشد ببلوغ مرحلة النكاح، قال تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ}.

     والمتخصصون المحدثون في علم النفس ليس لديهم تحديد قاطع لفترة المراهقة والشباب، فهناك وجهات نظر مختلفة؛ ذلك أن التغيرات التي تحدث فيهما تتم في مدة تتراوح ما بين تسع سنوات وخمس عشرة سنة، ويختلف الأطفال فيما بينهم في السن التي يبدؤون فيها بالدخول في مرحلة المراهقة، ويرى – مثلاً – الدكتور سعد جلال أن فترة المراهقة والشباب تقع بين سن العاشرة إلى سن الثلاثين، ويقسمها إلى ثلاث فترات، فترة ما قبل الحلم، وفترة الفتوّة وهي تقابل في نظره المراهقة، وتمتد إلى سن الواحدة والعشرين، وفترة الرشد إلى سن الثلاثين.

     ويرى عمر الشيباني أن بداية مرحلة الشباب ونهايتها يمتد من سن الثانية عشرة إلى سن الخامسة والعشرين بالنسبة للغالبية من أبناء المدن، الذين ساروا سيراً طبيعياً في نموهم وتعليمهم، وهو يرى أنهما بهذا التحديد تتقابل مع مراحل التعليم في البلاد العربية المتوسطة والثانوية والجامعية، أي أن طلاب كل هذه المدارس يعدون من الشباب ومعنيون ببرامج الشباب.

     ومن هذه الآراء المتعددة يمكن الخلوص إلى أن هناك فترة يتفق عليها المختصون، تلك الفترة هي الواقعة ما بين (15 إلى 25)، وهذه الفترة مشتملة في سن الشباب أو الأشد عند علماء الإسلام؛ حيث تكون بداية بلوغ القوة البدنية والإِدراكية والمعرفية، وهؤلاء هم الذين خاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج». وللحديث بقية إن شاء الله

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك