رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر المحلي 11 يوليو، 2017 0 تعليق

الإرجاف معول هدم في الأمة هدفه نشر الإشاعات وزعزعة الثقة والأمن

 

 

ابتُليتْ أمةُ الإسلام على مرِّ العصور والأزمنة منذ الصدر الأول-عهد النبوة- إلى وقتنا الحاضر بصنف من البشر قلوبُهم مريضة، وأقوالُهم خطيرة، وأخبارُهم موهنة، ابتلى اللهُ -جل وعلا- أمةَ الإسلام بهم، وجعلهم اختباراً وامتحاناً للمؤمنين، قلوبُهم سوداءُ على أهل الإسلام، يحبون الشر ويروِّجون له، وهم معولُ هدمٍ في الأمة، ليس لهم هدف في الحياة إلا الانشغال بما فيه إهانةٌ وضعفٌ للإسلام وأهله، يتخذون الإرجاف حرباً نفسية على المسلمين، وعن طريقه يزرعون الإشاعات، ويبثون وينشرون الأخبار المثبطة والمحبطة؛ بغرض إحداث الاضطراب، وزعزعة الثقة والأمن والإيمان في نفوس المؤمنين.

     والإرجاف أشد من الإشاعة؛ لأن الإشاعة عامة في نقل جميع الأخبار حسنها وسيئها؛ وأما الإرجاف فهو خاص بنقل الأخبار السيئة فقط، وهو حرام؛ لأنَّ فيه أذية للمسلمين، قال الله -تعالى- عن المُرجفين في المدينة ونحوهم: {لئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} (الأحزاب:60-61). واللَّعن لا يكون إلاَّ على الذنب الكبير.

أدوات الإرجاف

1- المصدر: وهم أعداء الإسلام من الداخل والخارج وكذلك المنافقون والمخذلون والمثبطون.

2- الناقل: وهم الدهماء الذين يتبعون كل ناعق وهم مروجو الإشاعات ومثيرو الفتن والاضطرابات.

3- المتلقي: وهم العوام والجماهير.

نماذج وصور للإرجاف

أما عن نماذج الإرجاف وصوره في حياتنا فحدث ولا حرج، فالإرجاف يضرب شتى مناحي الحياة، وسنذكر نموذجاً لكل منحى من مناحي الحياة:

الإنترنت

     ومن أمثلته نشر القصص الفاسدة والباطلة وتهويلها وتضخيمها سواء كانت صحيحة أم غير صحيحة، فيقوم بعضهم بتضخيمها وإعطائها أكبر من حجمها الحقيقي؛ ليظهر للناس أن هذا الوضع الفاسد هو الوضع القائم في المجتمع، وذلك ليزعزع الأمان في المجتمع، ويخذل المصلحين عن سلوك سبيل الإصلاح، ويعطي للناس صورة خطأ عن المجتمع، وأنه مجتمع فاسد لا سبيل إلى إصلاحه، ليزيد الناس وهناً على وهن، وإحباطاً على إحباط، ويثبطهم ويخذلهم، ويغلق أي بارقة أمل من الإصلاح في وجوههم.

     أما عن الإرجاف والطعن في العلماء والمصلحين في مجتمع الإنترنت فوصل إلى نتيجة خطيرة، ومن أمثلتها بعض الشباب يأتي بخطأ يسير لعالم من العلماء وينشره بعد تضخيمه وتهويله، ويبدع العالم ويفسقه بهذا الخطأ اليسير، ليصد الناس ويخذلهم عنه وعن دعوته، وخطورة الطعن في العلماء والمصلحين كبيرة؛ لأنه يصد ويخذل الناس عن كثير من العلماء والعاملين، كثير من الشباب يقوم بهذا الدور دون أن يدري خطورة ما يقوم به من صد عن سبيل الله وتعويق للدعوة ودعاتها، فيبدع ويفسق دون أن يكون مؤهلاً، فالجرح والتعديل علم كبير لا يتصدى له حدثاء الطلب وحدثاء السن بل يتصدى له العلماء الكبار الذين أمضوا حياتهم في العلم والتعليم، ووصلوا لدرجة كبيرة من الخبرة والدراية بالمصالح والمفاسد التي تترتب على الجرح والتعديل، فإياكم ثم إياكم من الجرح والتجريح في العلماء الربانيين والدعاة الصادقين، فلحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ فالله الله في كف اللسان عن العلماء والصالحين، إياكم والتخذيل عنهم والصد عن طريقهم؛ فهم مشاعل الهداية للناس ومنارات الطريق لهداية الضالين وانتشال والحائرين.

الصحف

     أما عن الإرجاف في الصحف فهو الطامة الكبرى والبلية العظمى؛ فهو أشد تأثيرا وانتشاراً من الإنترنت فهو بوتقة الإعلام الأولى، ومن أمثلته في حياتنا نشر الأخبار الكاذبة بل وتضخيمها وتهويلها لنشر فكرة فاسدة بين الناس عن المجتمع وما يجري فيه، والهدف من نشر تلك الأراجيف، هو الصد عن سبيل الله وإشاعة الفاحشة والفساد في المجتمع، ونشر الفتن، وعدم رغبة أن يعود الناس لدين رب العالمين، ورغبة استمرار الفساد في المجتمع، وتشويه صورة العلماء والمصلحين، كل ذلك نصرة ومعاونة لأهل الباطل في نصرة باطلهم وزخرفته أمام الناس. ومن أمثلة الإرجاف في الصحف نشر الأخبار السيئة التي قد تكون صحيحة مثل نشر الحوادث التي تحدث في المجتمع؛ مما يوحى للناس بفساد المجتمع وألا أمل في الإصلاح.

      ومن ذلك أيضًا الحكم بفساد المجتمع وألا أمل في إصلاحه وتقويمه، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من قال هلك الناس فهو أهلكهم»، والحكم بفساد المجتمع يؤدي إلى قتل العزائم والهمم التي تسير في طريق الإصلاح، ومن أمثلة الإرجاف أيضاً نشر سير أهل الباطل والعلمانيين وقصصهم وتلميعها، ومحاربة أهل الصلاح والإصلاح، وتشويه صورتهم بافتراء الأكاذيب عليهم.

الكتب

     أما الإرجاف في الكتب فكثير من الكتاب يقوم ببث الشبهات الفاسدة والشبهات غير الصحيحة التي تشكك الناس في دينها، وتفقدها ثقتها بالعلماء والصالحين، وكثير من الكتاب يكثر الكلام عن الفتن ليوحي للناس بأن الأمر قد انتهى، وأن زمن الإصلاح قد ولى، ويجب أن نعلم أن الكتاب وسيلة كبيرة من وسائل المعرفة وله أهمية كبرى، ينشر فيه ما ينفع الناس، ولكن عندما تنشر الأراجيف في الكتب تبقى مضرتها كبيرة، ألا فليتق الله كل صاحب قلم، وليعلم أنه موقوف بين يدي الله وبين يديه مسؤول.

الإرجاف من الأعداء

     بث الرهبة أساس في الحروب العسكرية؛ لأنه عندما تهزم نفس الإنسان تكون هزيمته عسكرياً من أسهل ما يمكن، ودليل ذلك حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ونصرت بالرعب مسيرة شهر»، لذلك يقوم الأعداء ببث الشائعات والأراجيف لهزيمة الأمة نفسياً ومن ثم هزيمة الجيوش عسكرياً، كما كان يفعل ذلك التتار، ومن بعدهم اليهود حتى أشاعوا مقولة: (الجيش الذي لا يهزم).

إرجاف المنافقين

     وأشد إرجاف يؤثر في الأمة إرجاف المنافقين والمثبطين وأعداء الدين المنسوبين للإسلام والمسلمين والمهزومين بدرجة جعلتهم أبواقاً لنصرة أعداء الأمة، فيقومون بتخذيل الأمة وتثبيطها عن مواجهة عدوها، ويثيرون الرعب في الأمة وذلك بالمبالغة في وصف قوة الأعداء وكثرة عددهم وعدتهم وقوة بأسهم وقدرتهم القتالية، وأنهم صناع القرار في العالم، ويبثون في الأمة الفرقة والشقاق والوقيعة والدس، ويبثون في الأمة اليأس من تحقيق النصر، فحرب هؤلاء في الأمة أشد من حرب الأعداء أنفسهم، وسورة التوبة تحكي خطورة الإرجاف والمرجفين على الأمة إن لم تأخذ حذرها والتمسك بإيمانها ونبيها، قال تعالى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً}.

 

 

أنواع الإرجاف 

- الأخبار الكاذبة التي لا أساس لها من الصحة: التd يفتريها أعداء الإسلام ومروجو الإشاعات والأكاذيب افتراء على الإسلام وأهله.

- الأخبار المشككة التي أصلها صحيح وفروعها لا أساس لها من الصحة: وهي عناوين صحيحة فقط والمضامين كاذبة، وكالعادة فالناس يحفظون العناوين وينسون المضامين.

- الأخبار السيئة التي أصلها وفرعها صحيح: الأخبار والعيوب التي يجب أن تستر فيفشيها ويضخمها أعداء الدين ومشعلو نار الفتنة ومنها أخبار الفتن والشر.

 

 

 

أسباب الإرجاف ودواعيه

 

- بث الفتن والاضطرابات والإشاعات بين الناس.

- الحرب النفسية والهزيمة النفسية.

- التخذيل والتثبيط للهمم.

- نقل الأخبار بلا روية وتثبت.

- دعوة إلى الخمول واليأس وفقدان الثقة.

- إسقاط الرموز.

- الصد عن سبيل الله.

- خذلان الجيوش.

 

 

آثار الإرجاف ومضاره

 

- الهزيمة النفسية والمعنوية: والهزيمة النفسية من أخطر أضرار الإرجاف على الأمة؛ لأن الحرب النفسية أعم وأشمل من أي حرب أخرى، لأن هدفها ذات الإنسان وعقله وفكره وعقيدته، والأمة كالفرد في ذلك، والانتصار والهزيمة بدايتها من العقل والقلب والنفس والإرادة.

- الخوف الشديد: والخوف الشديد يهزم الإنسان قبل أن تبدأ المعركة؛ فالذي يحرك الإنسان نفسيته وبالخوف تفقد نفسه إرادتها، وتبقى بلا حراك؛ مما يؤدي إلى الهزيمة الحقيقية.

- ضعف الثقة بالله: الإرجاف يؤدي إلى فقدان الثقة وإذا فقد الإنسان ثقته بنفسه فلن يصنع نجاحاً، وكذلك إذا فقد ثقته بربه قال تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله}، انظر يارعاك الله ماذا تفعل الثقة بالله؟!

- معاونة أهل الباطل في باطلهم: عندما يجد أهل الفساد المساعدة والمعاونة يزدادون نصرة في باطلهم، ويحثون السعي وراء مآربهم ومصالحهم؛ لذلك نهى القرآن الكريم عن التعاون على الإثم والعدوان، قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}؛ لأن المعاونة والتشجيع على الإثم والعدوان إنما يضر المجتمع ضرراً كبيراً، ويشيع الفاحشة والفساد في الأمة.

- زرع اليأس في نفوس المسلمين: لما يجد المسلمون سطوة المرجفين وأبواقهم وكثرة الفساد والباطل وانتشاره كانتشار النار في الهشيم ينبت اليأس في قلوبهم، ويكثر القنوط في ديارهم، وتخور عزائمهم من السير في طريق الإصلاح، ويموت الأمل الذي يشجعهم على المسير.

- قتل الهمم: وقتل الهمة مصيبة كبرى ترزأ بها الأمة؛ مما يؤدي إلى توقف العمل الدؤوب لنصرة الحق وأهله، وتوقف العمل نحو تقدم المجتمع ورقيه.

- سقوط الرموز والعلماء والمصلحين في نظر الجماهير.

- انتشار الاضطرابات والإشاعات بين الناس.

- الصد عن سبيل الله.

 

 

 

ما يجب على المسلم نحو الإرجاف

  

- التثبت من الخبر وتمحيصه قبل نقله وإشاعته بين المسلمين، وهو منهج قرآني، فما أجمل أن يكون الحل قرآنياً ليكون من الدواء الناجع! قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.

- عدم التشبه بالمرجفين والمخذلين والمثبطين من أعداء الإسلام.

- إدراك خطورة الكلمة؛ لأن الكلمة ربما تودي بصاحبها في النار وربما تقود صاحبها إلى الجنة مصداقاً لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً» أو كما قال.

- تقوية الرجاء في الله والتوكل عليه.

- الثقة بالله، وفي موعود الله بالنصر لعباده المؤمنين، قال تعالى: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله لقوي عزيز}. وقال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}.

- استشعار معية الله واليقين فيه، قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.

- مناصحة المرجفين بالحكمة والموعظة الحسنة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- -: «الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».

- الإيمان بقضاء الله وقدره، والرضا به.

- نشر المبشرات في مقابل الأراجيف، لتدوم الثقة في نفوس الجماهير.

- السعي للإصلاح والتشبه بنبي الله صالح «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله».

- طلب العون من الله، قال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة}.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك