الإبادة الجماعية في جمهورية رواندا بـيـن الــــمحنة والـمنحة
تاريخ جمهورية رواندا له مرحلة فاصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل وكذلك بين الإنهيار والتقدم، ولاشك أن هذا الفاصل هو حرب الإبادة الجماعية التي مرت بها جمهورية رواندا عام 1994م, ولا شك أن كل حدث يمر بأي دولة ينظر إليه الناس بعين المصالح والمفاسد, والإبادة الجماعية التي حدثت في جمهورية رواندية هي بمثابة الحد الفاصل لهذا التاريخ, والحكومة الرواندية تُعَلِّم أبناءها تاريخ هذه المجزرة الجماعية التي راح ضحيتها قرابة المليون شخص, وتُعَلَّمهم الدروس والعبر المستفادة من هذا الحدث العظيم.
تاريخ حرب الإبادة الجماعية:
يظن بعضهم أن تاريخ الإبادة الجماعية في دولة رواندا كان لمدة مائة يوم فقط ولم يكن له سوابق, وهذا الكلام فيه نظر, فتاريخ الإبادة الجماعية في جمهورية رواندا مر بمراحل وهي:-
- في عام 1959م كان ملك جمهورية رواندا هو (موسينجا), وقام القساوسة بطرده وذهب إلى الكونغو (غرب رواندا), وتولى بعده ابنه روداهيجوا الذي ولد في عام 1931م.
- في عام 1961م قام القساوسة بدعوة (روداهيجوا) لحضور مؤتمر كبير في (بوجومبورا) عاصمة دولة بروندي, وأعدوا له الطعام، ووضعوا له السم في الطعام فمات في ذلك الوقت.
- وفي عام 1961م تولى (مبونيوتوا) حكم جمهورية رواندا, وكان نصرانيًا ولا يحب المسلمين.
- وفي عام 1961م قام وزير الحكومة (سيبازونغو) بحرق ميدان ومسجد للمسلمين في رواماجانا بشرق رواندا, وكذلك في (كيبونغو) في ولاية (إنجوما) بشرق رواندا, وفي (نياميرامبو) في (كيجالي) عاصمة رواندا, وفي (غيتاراما) التابعة لولاية نيانزا في جنوب رواندا, وكذلك في (بوتاري) في جنوب رواندا, وكذلك (شانغوغو) في غرب رواندا, ولم يستطع طالب من الالتحاق بالمدارس حتى يغير دينه من الإسلام إلى النصرانية.
- وفي عام 1962م حصلت جمهورية رواندا على استقلالها من دول الكونغو, وكانت معها في هذا الاستقلال دولة بروندي, ومنذ ذلك الوقت أصبحت جمهورية رواندا مطمعاً للكثير, ظنًا منهم أنها صغيرة الحجم وضعيفة القوى, واستمرت هذه المناوشات حتى حدثت الإبادة الجماعية في عام 1994م, وكان مما يتميز به (روداهيجوا) حبه للمسلمين ومساعدته لهم, ولم يفرق بين مسلم وغير مسلم , وكان ذلك يثير غضب القساوسة, حتى قتلوه, أما بالنسبة في عهد (مبونيوتوا) فكان يحارب المسلمين في حياتهم كلها, ويضيق عليهم في كل شيء.
- وفي عام 1962م تولى الرئيس (كايباندا)وكان معروفًا عنه أنه لا يحب المسلمين, وكان يجهز لهذه المجزرة في السر, وتم قتله في عام 1973م.
- وفي عام 1973م تولى بعد الرئيس (كايباندا)الرئيس هابياريمانا وكان هو الآخر على دراية بالإعداد للمجزرة وكان يعد لها سِرًا, وتم قتله هو الآخر في الطائرة التي كانت تنقله من رواندا إلى تنزانيا ليتم الموافقة بينه وبين RPF في عام 1994م لحدوث المجزرة.
- وفي عام 1994م تولى الرئيس (سينديكوبواجو) حكم جمهورية رواندا وكانت مدة حكمه أربعة أشهر فقط؛ لأنه في عهده حدثت المجزرة ظاهرًا, وفرّ هاربًا إلى الكونغو.
الإبادة الجماعية دروس وعبر:-
فإن هذا الحدث الذي أثر في أفريقيا كلها عامة, ودول الكونغو ورواندا وبروندي خاصة؛ حيث قُتِل أكثر من مليون شخص من المسلمين وغير المسلمين, وأصيب الكثير بجراحات وبتر بالأعضاء, والإصابة بالحالات النفسية والعصبية من جراء القتل, والفرار إلى دول كثيرة خشية القتل, كان له أثره العظيم, وكان انطلاقة لازدهار جمهورية رواندا حتى فاقت كثيراً من الدول على مستوى العالم في أمور كثيرة, ومن أهم هذه الفوائد التي لحقت بالشعب الرواندي عامة والشعب الرواندي المسلم خاصة:-
- أولا: حب الحكومة الرواندية والشعب الرواندي للمسلمين:
من أكبر الآثار التي عادت على المسلمين الروانديين حب الحكومة الرواندية والشعب الرواندي كله لهم, وإجلالهم وتقديرهم, ويرجع ذلك لعدم مشاركة المسلمين في هذه الحرب, ومع ذلك مات منهم الكثير من الرجال والنساء والأطفال, وأصيب منهم الكثير بالإصابات والإعاقات والحالات العصبية والنفسية؛ بسبب فقد أهليهم وذويهم, ومن هذا حُب رئيس الحكومة الرواندية الرئيس بول كاجامي الذي تولى رئاسة جمهورية رواندا بعد المجزرة والذي كان سببًا في وقف هذه المجزرة؛ حيث قال: «لو خُيِّرتُ بين الأديان لاختَرتُ الإسلام» وبَرَّرَ ذلك بقوله: إن المسلمين لم يشاركوا في هذه المجزرة, وبعد أن تولى الحكم اجتمع مع المسلمين في نياميرامبو بالعاصمة كيجالي في المركز الإسلامي، واختار الشيخ عبد الكريم (هرريمانا) ليكون وزيرًا للداخلية في جمهورية رواندا في عام 1995م, وكذلك تم تولية الشيخ موسى فاضل وزيرًا للأمن في جمهورية رواندا وذلك في عام 2004م, ومن ذلك أيضًا أن الرئيس بول كاجامي بعد هذه المجزرة قال للمسلمين: «اذهبوا إلى كل مكان هنا في بلاد رواندا ومعكم كتاب الله (القرآن) وتُعلِنُوا أن كُل الذين قَتَلُوا الناس هم الكافرون», ففرح المسلمون بهذا الكلام فرحًا شديدًا, ومن مشاركة الرئيس (بول كاجامي) للمسلمين في يوم العيد فرحتهم، ويساعدهم في كل حال.
- ثانيا: نزع روح العصبية القبلية بين الشعب الرواندي:
قبل المجزرة كانت دولة رواندا تنقسم إلى قبيلتين وهما قبيلة الهوتو وتمثل 80%من سكان جمهورية رواندا, وقبيلة التوتسي وتمثل20%من سكان جمهورية رواندا, ولكن بعد هذه المجزرة لا يسمح لأي شخص أن يتكلم بالعصبية القبلية, وإنتهت هذه العصبيات القبلية في جمهورية رواندا ويعاقب عليها القانون أشد العقاب, وتجد هذا ملحوظًا في الاحتفالات التي تقام كل عام بمناسبة المجزرة، ويشارك فيها كل الطوائف, ولا فرق بين رواندي وغير الرواندي أمام القانون، وهذه من أبرز السمات التي خلفتها المجزرة.
ثالثًا: انـتـشـار الأمن والعدل
في جمهورية رواندا:
ذاق الشعب الرواندي الويلات من الحكام الذين كانوا يحاربون الإسلام من حرق للمساجد والقتل والتهجير من البلاد والبيوت, ولما جاء حاكم يحب الإسلام والمسلمين فتح الله عليهم بنعمة الأمن, وكذلك العدل والمساواة بين الناس جميعًا صارت صفة بارزة للحكومة الرواندية, فالناس جميعًا سواء, لا فرق بين غني وفقير, ولا مسلم وغير مسلم, ولكن كل من أخطأ يعاقب على قدر جريمته, ومن أبرز ما تتميز به دولة رواندا من الأمن والعدل عدم وجود الرشوة, التي لا تكاد توجد في أمة من الناس إلا وأهلكتهم؛ حيث يأخذ الغني حق الفقير ويأخذ القوي حق الضعيف, وكذلك من الأمن والعدل في جمهورية رواندا لا يُمنَعُ أحد من إقامة شعائر دينه, وتجده ملحوظًا في كل مكان في جمهورية رواندا؛ حيث تجد المسجد وبجواره كنيسة ولا يعترض أحدٌ منهم الآخر, ولا يُظلَمُ أحد إذا دَعَا الناس إلى دينه طالما أنه لا يُخَالِفُ القوانين.
رابعًا: عودة الروح الإسلامية لجمهورية رواندا:
وقد أدى حب الحكومة الرواندية والروانديين عامةً للروانديين المسلمين إلى عودة الروح الإسلامية لجمهورية رواندا, ويتمثل ذلك في إنشاء جمعية تسمى جمعية مسلمي رواندا وتعيين مفت لجمهورية رواندا ويقوم بالإشراف على جمعية مسلمي رواندا, وتقوم بالإشراف على المساجد في جمهورية رواندا, وتقوم بالإشراف على الدعاة في هذه المساجد, وكذلك إعادة بناء المساجد التي هدمت قديمًا وكذلك بناء مراكز للمسلمين لتعلم أحكام الإسلام, وللمهتدين الجدد, ومدارس إسلامية تابعة لجمعيات إسلامية بالتنسيق مع الحكومة للطلاب المسلمين وغير المسلمين, وأيضًا في إعطاء تصاريح للمسلمين لعمل اللقاءات الدعوية للإسلام, وكذلك عمل بعثات للطلاب المسلمين للدول العربية للتعلم هناك مثل المملكة العربية السعودية؛ حيث الحرمين الشريفين, وجمهورية مصر العربية؛ حيث الأزهر الشريف, والجمهورية الليبية, وغيرهم الكثير.
خامسًا: عودة المسلمين الروانديين لجمهورية رواندا:
لا شك أن أحداث المجزرة جعلت كثيراً من الشعب الرواندي المسلم وغير المسلم من خاف على أهله ونفسه ففر خوفًا من القتل, وذهبوا إلى تنزانيا وأوغندا وبروندي والكونغو, وبعد أن انتهت أحداث القتل بغير ذنب رجعوا إلى بلادهم, وأهليهم الذين لم يقتلوا, ويتكاتفون في البناء والارتقاء ببلادهم مما أصابها من الهدم والخراب.
وختامًا: مع كل ما مرت به جمهورية رواندا من قتل وظلم إلا أن الشعب الرواندي لم يهلكه هذه المحنة، ولكن قام من ركضته وشمر عن ساعد الجد للنهوض بدولتهم حتى صارت من الدول المتقدمة على مستوى العالم.
لاتوجد تعليقات