رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 31 يوليو، 2017 0 تعليق

الأوقات المناسبة لتوجيه الأبناء

 

إن تربية الأبناء هي نتاج احتكاكهم الدائم بالكبار في شتى المواقف والأوقات؛ فنحن لا نجمع الأبناء مرة كل أسبوع ونقول لهم هذا موعدنا معكم لنربيكم!

     ولكن عملية التربية تتم بطريقة سلسلة ومتواصلة، ومن خلال الأوقات الطويلة التي يقضيها الأبناء مع الأهل، وتلقيهم توجيهاتهم وتعليقاتهم في مواقف الحياة اليومية، ورؤيتهم لهم كيف يتصرفون في كل موقف؟ ثم أخذهم عنهم بوصفهم قدوات ورموزاً أمام أعينهم، يتعلمون منهم ويقلدونهم في كل ما يقولون ويفعلون.

     والأصل أن الكبار لا يألون جهداً في تربية الصغار وإبداء القدوة الحسنة لهم، ولكن قد لا ينتبهون إلى أن هناك أوقاتاً بعينها يكون الصغار فيها أكثر استعداداً واستجابة لتلقي التوجيه من الوالدين أو المربين، وأوقات أخرى يكون الأبناء فيها غير مستعدين لتلقي أي أوامر أو توجيهات.

     وإن اختيار الوالدين للوقت المناسب في توجيه ما يريدان وتلقين أطفالهم ما يحبان دوراً فعّالاً في أن تؤتي النصيحة أُكلها، وأن يستجيب الأبناء للتوجيه، كما أن اختيار الوقت المناسب المؤثر في الطفل يُسهِّل ويقلل من الجهد المبذول في العملية التربوية، فإن القلوب تقبل وتدبر، فلنتعرف على الأوقات الأكثر مناسبة لتوجيه الأبناء حتى يغتنم الوالدان إقبال قلوب أبنائهم.

منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- في اختيار أوقات توجيه الصغار:

لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- دقيق النظر في اختيار الزمان والمكان المناسبين لتوجيه الطفل وبناء عقيدته وتصحيح سلوكه الخطأ؛ ولذلك نلقي الضوء على هذه الأوقات التي تعد فرصة ذهبية لكل مرب:

1- في النزهة والطريق والمركب:

من حق الطفل أن يصحب الكبار ليتعلم منهم، فتتغذى نفسه، ويتلقح عقله بلقاح العلم والحكمة، والمعرفة والتجربة، فتتهذب أخلاقه، وتتأصل عاداته، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قدوة في ذلك، فعلمنا أنه صحب أنساً، وكذلكم صحب أبناء جعفر ابن عمه، والفضل ابن عمه، وها هو ذا عبد الله بن عبّاس ابن عمه -صلى الله عليه وسلم- يسير بصحبته -صلى الله عليه وسلم- على دابته، فينتهز النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الفرصة من الصحبة في الهواء الطلق، والذهن خالٍ، والقلب مفتوح، فيعلمه كلمات، على قدر سنّه واستيعابه، في خطابٍ مختصر ومباشر وسهل، مع ما يحمله من معانٍ عظيمة يسهل على الطفل فهمها واستخلاصها، فيروي ابن عباس ويقول:

     كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».

     إنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو المعلم الأول؛ يراعي عمر الطفل وقدراته العقلية، فيعطيه جرعة التعليم والتوجيه التي يستوعبها فهمه، ويدركها عقله، ويتخير لهذا التوجيه أنسب الأوقات والأماكن؛ فلم تكن هذه التوجيهات في غرفة محدودة ومغلقة، وإنما في الهواء الطلق؛ حيث نفس الطفل أشد استعداداً للتلقي وأقوى على قبول النصائح والتوجيهات، ثم يلقي الموعظة الإيمانية على الطفل؛ فتعلق في ذهنه، ويعتقدها قلبه، وتظهر على سلوكه، فيجتمع فيه العلم والعمل.

2- وقت تناول الطعام:

     من أكثر الأوقات التي يكون الطفل فيها منبسطاً، لديه استعداد كبير لتجاذب أطراف الحديث مع الوالدين، وإذا كان الابن صغيرا (في مرحلة الطفولة المبكرة) فحينها سيحب أن ينطلق على سجيته، وينال بغيته من وليمة الطعام المعدّة أمامه، وقد يضعف أمام شهوة الطعام، فتصدر منه أفعالاً شائنة أحياناً، وقد يخل بالآداب أحياناً أخرى، وإذا لم يجلس والداه معه باستمرار أثناء الطعام، ويصححا له أخطاءه فإن الطفل سيبقى في براثن العادات السيئة المنفرة، وسيفقد الوالدان وقتاً مناسباً لتوجيه الصغير وتعليمه، وعند جلوس الطفل مع الوالدين أو الكبار أثناء الطعام؛ سيكون سعيداً لمشاركته الكبار في وليمتهم، فإذا صدر منه- حينئذ- سلوك خطأ وقاما بتوجيهه برفق، مع توضيح السلوك الصحيح، لاقى- ذلك التصحيح- قبولاً عنده ورسوخاً في القيمة التي تعلمها أثناء تناول الطعام مع الكبار، وهذا عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنه- يصف ذلك ويقول: كنت غلاماً في حجر النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانت يدى تطيش في الصحفة؛ فقال لي رسول الله: «يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك وكل مما يليك» فما زالت طعمتي بعد.

وفي رواية أبي داود والترمذي وابن حبان في صحيحه: «ادنُ يا بني فسمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك».

3- وقت مرض الطفل:

إذ كان المرض يلين قلوب الكبار القاسية، فما بالنا بالأطفال الذين مازالت قلوبهم غضة طرية، عامرة باللين وحسن الاستقبال!

والطفل في المرض تجتمع لديه صفتان حميدتان:

- الأولى: فطرية الطفولة، والثانية: رقة القلب عند المرض؛ ولذلك تعد أوقات مرض الصغير من الأوقات التي يرتفع فيها استعداده لتلقي الوصايا والتوجيهات على أن تُسدى إليه بطريقة بهدوء وغاية في اللطف بما يتناسب مع ظرف التوعك الذي يمر به، ومن غير إثقال عليه؛ فعن أنس -رضي الله عنه - قال: كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم-  فمرض فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: « أسلم» فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النار»، وعلى الرغم من أن هذا الطفل كان يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أنه لم يدعُه إلى الإسلام بعد، إلى أن وجد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الوقت المناسب لدعوته، فأتاه وعاده في مرضه ودعاه إلى الإسلام، فكانت هذه الزيارة مفتاح النور وسبب النجاة لهذا الطفل.

     وعن السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختى وَجِعٌ، قال: فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زر الحجلة (نوع من البيض لبعض الطيور).

فأوقات مرض الطفل أو توعكه من الأوقات المناسبة لمراجعته في بعض الأخطاء التي يقع فيها، أو تصحيح السلوك غير السليم وعقد الاتفاقات معه على ذلك.

     وهكذا نرى، أعزائي المربين والمربيات، أن هذه الأوقات التي لابد أن تمر علينا بصحبة الأحباب الصغار، تعد فرصة طيبة لتوجيههم إيمانياً وخلقياً مع فرحهم بهذا التوجيه وقبولهم له؛ لأن رسائل محبتنا وتقديرنا لهم تصلهم بوضوح مع رسائل التوجيه التي نسديها إليهم، فلا يفوتنا اغتنامها والاستمتاع بها معهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك