رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ شريف الهواري 14 أكتوبر، 2019 0 تعليق

الأمن والأمان مطلب ضروري للأفراد والمجتمعات


الأمن والأمان مطلب لا يختلف عليه العقلاء؛ فهو ضرورة شرعية ملحة للأفراد والمجتمعات والمؤسسات والدولة والأمة؛ فلا استقرار ولا اقتصاد، ولا استثمار ولا نماء إلا به، والباطل حريص على استبدال الفوضى الهدامة الأمن والأمان حتى يصل لأهدافه الخبيثة ليقع الاحتراب الداخلي، وتعم الفوضى والهرج؛ فيعمل على إضعاف الجميع لينهب الثروات، وليؤمن مصالحه، وليطلق العنان لقوى الشر والفساد في المنطقة.

     وتحقيق الأمن والأمان مسؤولية تضامنية، الجميع مكلف بها، وسيحاسب عليها، وأخطأ من ظن أنها مسؤولية مؤسسات الدولة وحدها، وما أروع طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في نشر ثقافة الوعي الأمني لعموم المسلمين وعلى المستويات جميعها وفى الدوائر المحيطة! حين قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»، رواه البخاري في (الأدب المفرد)، فلو ملك الإنسان المليارات وصحة البدن دون الأمن والأمان فلا قيمة لهذا كله.

     وعن أَبي هريرة أَن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ: مَنْ يا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذي لا يأْمنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرمْ ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقلْ خيراً أو ليسكت» متفق عليه.

ترويع المسلم

     ونهى - صلى الله عليه وسلم - عن ترويع المسلم ولو بالمزاح، ونهى أن تشير لأخيك بحديدة ولو مازحا، كل هذا من باب سد الذرائع وحقنا للدماء لعظيم حرمتها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما»، وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لزوال الدنيا أهون على الله -عز وجل- من سفك دم مسلم بغير حق». وروي بلفظ: «لهدم الكعبة حجراً حجرا أهون من قتل مسلم».

تحصيل الأمن والأمان

وهناك أسباب عدة مشروعة لتحصيل الأمن والأمان في الدنيا والآخرة، نذكر منها ما يلي:

تحقيق مقامات الدين الثلاث

١- تحقيق مقامات الدين الثلاثة الإسلام، والإيمان، والإحسان، وإذا ورد ذكر الإسلام والإيمان معا يكون الإسلام بمعنى الشريعة والإيمان والعقيدة، والمعنى: عظموا الشريعة وأذعنوا لها، واسمعوا وأطيعوا لها وأنتم على يقين أنها جامعة شاملة صالحة لكل زمان ومكان، غنية بنفسها مستغنية عن غيرها؛ لكونها من عند من خلق الخلق ويعلم ما يصلحهم، ومبناها على العدل والمساواة والحرية والكرامة وهى تسوي بين الجميع، الحاكم والمحكوم، والغنى والفقير، والمسلم وغير المسلم ممن أقام في بلاد المسلمين فيها أحكام وحدود للردع والحسم للجميع بلا تفريق، وما قصة الغامدية إلا مثالا على ذلك، قال -تعالى-: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} الجاثية: (18). فلو صح إيمانك وصحت عقيدتك في قلبك لجلبت لك الأمن والأمان في الدنيا والآخرة.

     قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (الأنعام:82)، وقال -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، وأما مقام الإحسان فهو أن تؤدي الواجبات والحقوق وكأنك بين يدي الله -تعالى-، تؤديها وأنت على يقين أن الله يراك، هنا ستحقق الاستقامة وتضبط وتستشعر المراقبة.

ترك الذنوب والمعاصي

     ومن أعظم أسباب تحصيل الأمن والأمان في الدنيا والآخرة ترك الذنوب والمعاصي؛ فالذنوب والمعاصي أخطر علينا من أعدائنا، قال -تعالى-: {قل هو من عند أنفسكم}، وقال -تعالى-: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}، وقال -تعالى-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم:41)، والواقع لا يخفى علينا، لا أقول المجاهرة فقط بل الإعلان بها والتنافس فيها والتفاخر بها بل وجد من يسوغها ويحللها ألا ترى أن هناك ملايين من المسلمين يطلبون المدد من غير الله ويذبحون وينذرون ويستعينون ويستغيثون بغير الله؟! نفاق تفشى في أوطاننا من أجل المال والمدح والثناء والمناصب، كذب صراح أصبح مما عمت به البلوى، حتى أضحى دينًا للكثير إلا من رحم ربى، وحدث ولا حرج عن قضايا المخدرات والمسكرات وماذا صنعته بأبنائنا وكيف دمرت كوادر وكفاءات فأصبحوا عالة على أسرهم وعلى المجتمع، فضلا عن القضايا الأخلاقية التي تفشت في مجتمعاتنا.

عدم شكر النعم

     إن النعم التي أنعم علينا بها -سبحانه وتعالى- نعجز عن عدها وشكرها، ولا شك أن عدم شكر النعم من أعظم أسباب ضياع الأمن والأمان قال -تعالى-: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (النحل:112)، وروي عن أيوب -عليه السلام- ومع شدة الابتلاء الذي كان يعانى كان يناجى ربه ويقول: يا رب لو كان لي بكل شعرة من شعري لسانين يشكرانك الليل والنهار ما وفيتك حق أصغر نعمة أنعمت بها علىَّ. وكان بعض السلف يقول: لقد أصبحنا مغرقين في النعم عاجزين عن شكر الله، إنا لا ندرى أيهما نشكر: جميل ما يسر أم قبيح ما ستر وأنت أدرى بنفسك؟

الالتفاف حول العلماء

     ومن أسباب الحفاظ على الأمن والأمان الالتفاف حول العلماء في الرخاء والشدة، وفي الأمن والخوف، لم لا؟ وهم أمنة لنا وأجدر على قراءة الواقع وأحداثه، وترتيب الأولويات، وتفعيل فقه المصالح والمفاسد بفروعها، ومن أجل ذلك فالباطل حريص على الطعن فيهم والتشهير بهم وإسقاطهم حتى لا يكونوا مرجعية لأحد وعندها لا يبقى إلا رؤساء جهالا فيفتون بغير علم فَيَضِلُّون ويُضِلّون، قال -تعالى-: {وإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء:83).

تفعيل دور المسجد

     ومن وسائل الحفاظ على الأمن والأمان تفعيل دور المسجد بوضعه في أيد أمينة، تتقى الله في الناس، وتقوم على أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالمعروف، وتعمل على نشر الخير والبر والإحسان، وتبين حجم التحديات والمخاطر، ومع الأسف من بيننا من يعمل على تفريغ المسجد من رسالته وتعطيل دوره.

الإعلام الهادف

     إيجاد إعلام هادف من أهم وسائل الحفاظ على الأمن والأيمان؛ لأنه يصل إلى ملايين الناس، ولديه القدرة على تفنيد شبهات الأعدا؛ فالإعلام المغرض والمضلل أخطر على الأمة من أعدائها، لأنه ينشر الفساد في كل مكان، والإعلام الهدام بضاعة يهودية، يصدرها اليهود إلى سائر أنحاء العالم وإلينا -نحن المسلمين- خاصة، ومما يزيد خطورة هذه البضاعة الخبيثة أن لها وكلاء بيننا من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، وكلاء لهذه البضاعة الخبيثة، إنهم الطابور الخامس المندس في صفوفنا يبث سمومه في صفوفنا وفي قلوبنا وفي بيوتنا وفي أولادنا وفي مجتمعاتنا، هم في الحقيقة يدعوننا إلى التخريب والتدمير مع أنهم ثلة قليلة ضئيلة، أقلية خبيثة تمارس التخريب والتدمير في مجتمعنا ونحن الأكثرية، نحن -سائر الأمة- واقفون نتفرج عليهم مكتوفي الأيدي لا نتحرك أبدًا ولو في سبيل الدفاع عن أنفسنا وبيوتنا وآدابنا وديننا ومعتقداتنا.

الدعاء والتضرع

     ومن أهم وسائل الحفاظ على الأمن والأمان وله أثر بالغ في ذلك الدعاء والتضرع إلى الله -تعالى- لحفظ البلاد والعباد قال الله -تعالى-: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (النمل:62)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تعجِزوا في الدُّعاءِ، فإنه لن يَهلِكَ مع الدُّعاءِ أحَدٌ».

     والدعاء عند الله -تعالى- عظيم، ومقامه من دينه -سبحانه- كبير، وهو السلاح الذي لا يُكسر، والحصن الذي لا يهدم، والقوة التي لا تقهر، وما أُتي المستهينون بسلاح الدعاء إلا من جهة مرض قلوبهم، وضعف عقولهم، وهزيمة نفوسهم، وانهيار معنوياتهم، وسيرهم خلف من لا يفقهون.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك