رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 18 أبريل، 2016 0 تعليق

الأمن الفكري منظومة تبعث السكينة في النفوس

     الأمن الفكري هاجس أمني لكل مجتمع؛ لأنه يحمي عقول المجتمعات، ويحفظها من الوقوع في الفوضى، والولوغ في أتون الانسلاخ الأخلاقي، ويبعد الناس عن الشهوات والشبهات، والأمن الفكري مرهون بالحفاظ على مصادر التلقي، وهو سلامة ما يعرض عبر وسائل الإعلام والتواصل، وعدم الجرأة على العقيدة والنيل من الدين الحنيف.

     والأمن الفكري منظومة متناغمة الأجزاء متناسقة الأنحاء، إذا حدث خلل في إحداها تداعى له سائرها بالحمى؛ فالواجب على الجميع -كلٌّ في مكانه- أن يتقي الله فيما يكتب أو يلفظ أو ينشر أو يشيع بين أفراد المجتمع؛ حتى نعيش سلامة الاعتقاد والقول والعمل، وكل ذلك مرهون بسلامة القلب؛ لأنه بيت الفكر والإرادات والمشاعر وملك الجوارح، قال تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}(الشعراء: 88 - 89).

     فالواجب أن نستغل كونَ بلادنا عاصمة الثقافة العربية والإسلامية لنركز على ثقافتنا ومكوناتها وأصالتها ومنظومتها المستمدة من الوحيين أن يصيبها التشويه أو التشويش أو الاختراق أو الضبابية أو التعتيم؛ حتى يعيش الأفراد في ثبات ورسوخ وشموخ، لا تهزهم الشبهات أو المدلهمات أو البدع والضلالات. وقد حرص الأنبياء -عليهم السلام- على هذا المعنى فها هو ذا إبراهيم -عليه السلام- يناصح أباه قائلا: {يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا}(مريم: 44)، ويطلب الأمن بأنواعه كلها للبلد الحرام وساكنيه {رب اجعل هذا البلد أمنا}.

     في تصوري أن الأمن الفكري هو السبيل لبلوغ الأمة عزها ومجدها وإحرازها خيريتها وتمكينها؛ فوحدة الفكر على عقيدة الإسلام الصحيحة تثمر وحدة الشعور بالمسؤولية، وتدفع إلى المعالي، فتتحقق للأمة سعادتها وفلاحها وعزها وكرامتها، بل توفر أعظم مناخ للإبداع والنبوغ والعبقرية والرقي من خلال بيئة آمنة مطمئنة.

     فبالأمن الفكري نحمي شبابنا الذين يمثلون عماد نهضتنا وأمل المستقبل من الشبهات وضبابيات الأفكار الدخيلة المنحرفة، ونرشدهم دوما إلى المصادر الصحيحة المنسجمة مع مقاصد شريعتنا التي تدور مع المصلحة والمنفعة حيث دارت، وتحقق الوسطية والعدل، ولا مجال لمتأول منحرف، ولا متفلسف عقلاني، أو متعولم اختلط عليه الطريق، قال تعالى: {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور}(النور: 40)، وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قائد الجيش في غزوة اليرموك: «فاعلم أنكم لا تقاتلون عدوكم بقوتكم ولا بكثرتكم، وإنما تقاتلونهم بأعمالكم الصالحة؛ فإن أصلحتموها نجحتم، وإن أفسدتموها خسرتم؛ فاحترسوا من ذنوبكم كما تحترسون من عدوكم».

الأمن الفكري يتطلب إظهار وسطية الإسلام واعتداله وتوازنه، وترسيخ الانتماء لهذا الدين، وإشعار المسلمين بالاعتزاز، ومعرفة الأفكار المنحرفة وتحصين الشباب لمواجهتها. قال تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}(الأنعام: 55).

     وكذلك يتطلب فتح الحوار الحر الرشيد داخل المجتمع، وتقويم الاعوجاج الفكري بالحجة والإقناع مع القيادة العلمية والسياسية والاقتصادية، وفتح المجال للمخطئ للرجوع والتوبة، ووجوب الأخذ على أيدي المخطئين ومنعهم من الإخلال بالأمن، ونهيهم عن مجالسة أهل الانحراف، والابتعاد عن قراءة كتبهم والاستماع إلى كلماتهم، قال تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره}(الأنعام: 68).

نسأل الله أن يجعل بلادنا وبلاد المسلمين واحة أمن وأمان، وأن يصلح الأحوال، وأن يجعلنا جميعا مفاتيح للخير مغاليق للشر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك