رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.عادل المطيرات 28 يناير، 2018 0 تعليق

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(2)

 تحدثنا في المقال السابق عن قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكرنا من ذلك حكم القضية وأهميتها، وشروط الآمر بالأمر بالمعروف والناهي عن المنكر، واليوم نتحدث عن شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشروط الفعل الذي يجب إنكاره، وأمثلة على المنكر المعروف الذي يجب إنكاره.

 

شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- الإسلام: لأن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة وتكليف شرعي لا يصح إلا من مسلم ،  وفيه نصرة للدين، فلا يقوم به من هو جاحد لأصل الدين؛ ولأن الأمر والنهي فيه قوة وسلطة وعلو، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا.

- التكليف: بأن يكون الآمر الناهي عاقلا بالغا؛ لأنه شرط لوجوب سائر العبادات، فلا يجب على مجنون ولا صبي؛ لأن القلم مرفوع عنهما ، وقد صح في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «رفع القلم عن ثلاث: النائم حتى يستيقظ والصبي حتى يحتلم، والمجنون حتى يعقل».

- الاستطاعة: لأن الله -سبحانه- يقول: {فاتقوا الله ما استطعتم}، ويقول -سبحانه-: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وصح في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم».

     نقل القرطبي في تفسيره ( 4/32 ) قول ابن عبد البر: «والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تأكيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جدا ولكنها مقيدة بالاستطاعة». وضابط القدرة والاستطاعة ألا يلحقه أذى متحقق بسبب الإنكار، وهو خاص بالإنكار باليد واللسان، أما القلب فلا يتصور عجزه، وحديث: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه» يدل على وجوب الإنكار بالقلب مطلقا دون تقييده بالاستطاعة؛ ولذلك قال عبد الله بن مسعود: بحسب المرء إذا رأى منكرا لا يستطيع تغييره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره.

شروط الفعل الذي يجب إنكاره

     أن يكون منكرا سواء كان صغيرا أم كبيرا وأن يكون موجودا، فلا إنكار بعد الانتهاء من فعل المنكر إلا من باب النصح والإرشاد، وهذا ما يشير إليه حديث: «من رأى منكم منكرا»، أي شاهد المنكر تلك الساعة ، أو علمه فشاهده.

     أن يكون المنكر ظاهرا بلا تجسس؛ فمن ستر معاصيه في داره فلا يجوز التجسس عليه ما لم يظهر معصيته ويجاهر بها، قال -سبحانه-: {ولا تجسسوا}، قال الماوردي في الأحكام السلطانية (314): وأما ما لم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يتجسس عنها، ولا أن يهتك الأستار حذرا من الاستتار بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله؛ فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله -تعالى- عليه».

أن يكون المنكر معلوما بغير اجتهاد، فينكر على من خالف نصا أو إجماعا، أو قياسا جليا، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه.

أمثلة للمعروف والمنكر

     توحيد الله -سبحانه- وإفراده بالعبودية وحده دون ما سواه، الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته وطاعته وتصديقه وعبادة الله بما شرعه، إقامة الصلاة والمحافظة عليها، إيتاء الزكاة وأداؤها في وقتها بشروطها، الصوم وفعله في وقته بشروطه، الحج إلى بيت الله الحرام، الصدق والأمانة في الأقوال والأفعال، بر الوالدين وصلة الأرحام، حسن العشرة مع الأهل والجيران، العطف على الفقراء والمحتاجين وتفقد أحوالهم.

 أمثلة للمنكر الذي يجب إنكاره

     الشرك بالله -سبحانه- والكفر به، أو ترك الصلوات وإضاعتها والتهاون بها، أو مسابقة الإمام في الركوع والسجود، أو ترك الطمأنينة في الصلاة، أو أكل الربا والتساهل في أخذ القروض الربوية، أوالبيوع القائمة على الغرر والتدليس والجهالة، أوالغش في المعاملات، أو تبرج النساء واختلاطهن بالرجال، أو نظر الرجال إلى النساء والعكس، أو التلذذ بذلك، أو سماع الأغاني والموسيقى، أو آفات اللسان من الغيبة والنميمة والكذب والاستهزاء والسخرية، أو شرب الخمر وتعاطي المخدرات.

ليس تدخلا في شؤون الغير

      الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس تدخلا في شؤون الآخرين: يظن بعض الناس بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعد تدخلا في شؤون الآخرين ، وهذا الظن خطأ لأمور:

      إن الذي أمر به هو الخالق -سبحانه- ولا يمكن للخالق أن يأمر بما فيه ضرر على الناس أو مضايقة لهم؛ فهو -سبحانه- أعرف بمصالح عباده؛ لأنه الحكيم الخبير -سبحانه.

      إن الله -سبحانه- بين أن الأمر والنهي من أخلاق المؤمنين ومن لوازم عيشهم فقال -عز وجل-: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}.

      إن مسؤولية حفظ المجتمع مسؤولية مشتركة على الفرد والجماعة، وعلى الحاكم والمحكوم؛ ولذلك جاء في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته؛ فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».

     إن إنكار المنكر أمر حتمي لنجاة الجميع من الهلاك؛ فقد صح عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها ، فتأذوا به، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم»، وقد ذكر ابن النحاس في تنبيه الغافلين (77-78) ثماني فوائد مستنبطة من هذا الحديث تبين أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

     دعوى أن الأمر والنهي مما ينافي الحرية الشخصية دعوى غير صحيحة؛ فإن الشرع كفل للإنسان حريته الشخصية، لكن قيد هذه الحرية بضوابط وشروط؛ فحينما تتعدى الحرية الشخصية شرع الله الحنيف وجب إيقافها والحد منها بالطرائق الشرعية المرعية، وهذا أمر لا يخالف فيه أحد حتى من يعارض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنهم يقولون: بأن الحرية الشخصية لها حدود، فلا حرية شخصية مع مخالفة القانون ، ولا حرية شخصية مع مضايقة الناس أو الاعتداء عليهم.

مما ينفر الناس من الدعاة

     ويدعي بعضهم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما ينفر الناس من الدعاة، وهنا قول غير صحيح، والواقع بخلاف ذلك إن قام الداعية بالشروط الواجبة والتزم بأحكام الشرع.

      وهذا من وساوس الشيطان ومكايده، قال ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/110): «ومن مكايده أنه يسحر العقل دائما حتى يكيده، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله؛ فيزين له الفعل الذي يضره حتى يخيل إليه أنه من أنفع الأشياء إلى أن قال: وزين لهم عبادة الأصنام، وقطيعة الأرحام، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب التودد إلى الناس وحسن الخلق معهم والعمل بقوله: عليكم أنفسكم.

فرض على الحاكم والمحكوم

      فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبة على الحاكم والمحكوم على حد سواء؛ فيجب على الحاكم أن يكلف من يراه أهلا للحسبة للقيام بهذه الفريضة العظيمة ، كما يجب على الناس أن يكون بينهم الأمر والنهي وفق الشروط التي ذكرناها سابقا ، وأن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة كما قال -سبحانه-: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، والنصوص العامة السابقة دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون فرق بين حاكم ومحكوم.

      وإذا أذن الحاكم – عن طريق السلطة التنفيذية أو التشريعية – بوضع لجنة تختص بإحياء هذه الفريضة وجب الالتزام بذلك بالشروط والضوابط المنصوص عليها، ويكون عمل هذه اللجنة بمرأى ومسمع من الجميع ووفق القانون والنظام المتبع.

الحكمة في مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

      مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لها حكم كثيرة من أهمها: إقامة الحجة على الخلق، قال -سبحانه-: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}.

      الإعذار إلى الله بأداء الأمانة، والخروج من عهدة التكليف والمسؤولية، قال -سبحانه-: {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون}، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم الذي أدى الأمانة: {فتول عنهم فما أنت بملوم}.

      رجاء انتفاع المدعو بتقوى الله -سبحانه- باجتناب المنهيات وفعل المأمورات، قال -عز وجل- عن الفرقة الناهية في قصة أهل السبت: {قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون}، وقال -تعالى-: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}.

لماذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

     الباعث والحامل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمور منها : ابتغاء الأجر والثواب من الكريم -سبحانه وتعالى-، والطمع فيما لديه من المثوبة جزاء على أداء هذه الوظيفة العظيمة.

الخوف من عقاب الله وعذابه من ترك أداء هذه الفريضة العظيمة أو التفريط فيها 

     الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الرسل الكرام، الذين حملوا لواء هذه الفريضة، كما قال -سبحانه-: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}.

      الغيرة لله والغضب لمحارمه لئلا تنتهك، كما جاء في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله -عز وجل.

      النصيحة للمؤمنين والرحمة لهم ورجاء نفعهم وإنقاذهم من عقوبة الله في الدنيا والآخرة ، كما جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة»، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم».

تعظيم الخالق -سبحانه- وإجلاله ومحبته؛ فهو أهل لأن يطاع فيما يأمر وينهى، وإن المؤمن ليفدي ماله ونفسه حتى لا تنتهك محارم الله.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك