رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: فوزية المحمد 5 أبريل، 2015 0 تعليق

الأكاديميون للآباء: تعويد أبنائكم على استثمار الوقت..ليس من المستحيلات!

د. الجوهرة ناصر: استراتيجية تنظيم الوقت يدعونا إليها ديننا الحنيف لحفظ الإنسان من الضياع

د. الإنديجاني: يمكن للشباب حسن استغلال الوقت من خلال التخطيط الشخصي لحياتهم مبكراً

د. رجاء حزين: على الأسرة استكشاف طاقات الأبناء الفكرية والحركية والعمل على تطويرها

تحقيق: فوزية المحمد

 

دعا الإسلام إلى استثمار الوقت واستشعار قيمته والاستفادة منه في الأعمال والأنشطة المختلفة بما يعود على المسلم بالفائدة في الدنيا والآخرة؛ لأن الوقت هو العمر وهو كنز لا ينبغي أن يضيع هباء. ولقد حثنا الرسول الكريم على ذلك في أكثر من حديث نبوي، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه....».

     في البداية قالت الدكتورة الجوهرة بنت ناصر -استشارات نفسية متقدمة أستاذ مشارك وعضو أساسي في إدارة البحث العـــلمي بجـامعـة المــلك سعـود بالرياض-: تمر بالإنسان لحظات يكون فيها «في حالة انشراح»، لا سيما إذا كان يشغل وقته بما يفيد، ويستطيع ما بين الفينة والفينة إنجاز عمل مميز يدفعه إلى الأمام ويحثه نحو الأفضل، والوقت في عصرنا الحاضر، وهو كذلك في كل عصر «ثروة» من صنع الرحمن الرحيم ونعمة على الإنسان.. من المستحيل أن يقدر بثمن، شأنه شأن الماء والهواء إنه العمر وهو الحياة. والإنسان الراشد العاقل لا يمكن أن يفرط في وقته؛ إذ الوقت في واقع الحال هو الحياة.

علاج الملل

     وقديماً قيل: «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك»! ولمن يشكون الملل والفراغ نقول: من المستحيل أن يكون هناك فراغ مع عمل، وصاحب الشخصية السوية المدرك لأبعاد وجوده في الحياة يكون حريصاً على الوقت، منسجماً مع العمل، أما أن يكون ضعيف الهمة، واهن العزيمة فيتوهم أن إحساسه بالتعب هو من جراء ما يقوم به من عمل خلال يومه، وهذا إسقاط نفسي يتوهمه الشخص الملول، ضعيف الإرادة؛ مما يولد لديه شعوراً مضاعفاً بالتعب، والضغوط العمـــلية والإجــهاد. ومن هذا المنطلق على الإنسان أن ينظر إلى إحساسه «بالتعب» على أنه عدم إنجاز لأعماله، وكذلك شعوره بالضجر ليس بسبب الأعمال والمهام التي يقوم بها، أو بسبب قلة النوم والراحة – كما هو الاعتقاد الشائع لدى الكثيرين – فساعة واحدة من الراحة أو الاسترخاء كفيلة بتبديد التعب الجسدي، أما التعب النفسي فيبقى عالقاً على الرغم من ساعات النوم الطويلة، وأهم دلالة على ذلك هي أن الشخص قد يستيقظ صباحاً ولديه الشعور نفسه؛ ولذلك فإنه من المفيد جداً أن يتخلل وقتنا الخاص شيء من التأمل في مجال يريح النفس، وتصور أشياء سارة تمنحه دفعات أمل، وترفع من معنوياته، تدفعه لإنجاز أفضل، متجاوزاً كل ظروف الإحباط، وقد يكون هذا كل ما نحتاجه لدرء الإحساس بالتعب والضجر، وحبذا التأمل ساعة في بداية اليوم، فهي طريقة جيدة لتحسين وضع النظام الحياتي، والعمل بطريقة مدروسة ومخطط لها، ومن الأهمية بمكان الإقدام على الحياة برغبة ورضا وحبور، ومع هذا الترتيب المنظم، والشعور المتفائل تمضي ساعات اليوم سهلة، تلقائية ومريحة، كما يتم تفريغ النفس من التوتر والقلق والارتباك. ولا بد أن تخصص الأسرة بعض الوقت تكون فيه بعيدة عن العمل، وذلك للمتابعة والإشراف، فضلاً عن الأوقات المخصصة لبعض الشؤون الخاصة والعامة.

     فاستراتيجية تنظيم الوقت يدعونا إليها ديننا الحنيف لحفظ الإنسان من الضياع، وحفظ حقوق الآخرين ممن نرتبط بهم أسرياً واجتماعياً، ونظراً لأهمية «الوقت في حياتنا» يجب علينا غرس مبدأ استثماره بما يعود على نشئنا بالنفع والفائدة.

أهمية الوقت في الإسلام

     وتوضح الدكتورة رجاء حزين -أستاذ الحديث بجامعة الأزهر- أهمية الوقت في ديننا الحنيف قائلة: الوقت له أهمية كبيرة في الإسلام ومصداق ذلك أن الله -سبحانه وتعالى- أقسم في أكثر من آية بالوقت في فواتح عدد من سور القرآن الكريم، والله إذا أقسم بشيء دل على عظمته، بل إنه أقسم بجميع أجزاء اليوم فأقسم بالنهار وأجزائه، الفجر والضحى والعصر وأقسم بالليل: «والفجر وليال عشر والضحى والليل إذا سجى والعصر». كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم  بيَّن لنا أننا سوف نسأل يوم القيامة عن الوقت وكيف نقضيه؟ وبماذا نشغله؟ ويقول عليه الصلاة والسلام: «لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به» وأكد ذلك –صلى الله عليه وسلم  – بقوله: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».

أهمية حفظ القرآن

     وعن كيفية غرس قيمة استثمار الوقت، تطالب الدكتورة رجاء: بأن نعلم أبناءنا أهمية حفظ القرآن أو جزء منه ومراجعته وحفظ بعض الأحاديث النبوية وبعض الأذكار والأدعية والصلاة في المسجد. وتشير إلى ضرورة أن نعلمهم أن الإنسان المسلم ليس لديه وقت فراغ، فالله تعالى يقول: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر: ١-٣). فالله تعالى أقسم بالعصر ليعلمنا أن الدهر هو زمن تحصيل الأعمال والأرباح للمؤمنين، وزمن الشقاء للمعرضين، ولما فيه من العبر والعجائب للناظرين. وتطالب الأسرة باستكشاف طاقات أبنائها الفكرية والحركية والعمل على تطويرها وتوجيهها نحو السلوكيات الإيجابية القويمة، وبذل الجهد لتطوير مهاراتهم وقدراتهم واكتشاف المواهب لديهم وتدعيم خبراتهم وتنميتها ومساعدتهم على اكتساب مهارات جديدة مثل الحاسب الآلي والقراءة وتعلم اللغات والرياضة بأنواعها المختلفة وأن نعلمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة». ويجب أن تحرص الأسرة على تدريب الأبناء على تحمّل المسؤولية والمشاركة الاجتماعية سواء داخل الأسرة أم خارجها من خلال أداء الأعمال المنزلية أو زيارة المرضى وتكليفهم ببعض المسؤوليات الأسرية التي تناسب أعمارهم وتعليمهم معنى الانضباط والالتزام. وحثهم على حضور الدروس واللقاءات الدينية والثقافية والفكرية ومتابعتها وتشجيعهم على الاستفادة من الإجازات.

مسؤولية الوالدين

     ومن جانبه عبر الدكتور نجم الدين الإنديجاني -أستاذ الأسس الفلسفية والاجتماعية بكلية التربية في جامعة أم القرى- عن أسفه من عدم استغلال الآباء والأمهات وقت فراغ أبنائهم بالطريقة المثلى قائلاً: «كثير من الآباء والأمهات لا يهتمون بتنمية أو تربية أبنائهم على استغلال وقت الفراغ بالطريقة المثلى أو المناسبة، وللأسف ابتعدوا عن أبنائهم واتجهوا لحياتهم الخاصة غير آبهين بالاهتمام بأبنائهم، وهذا ما يشكل على الكثير من الأبناء في عدم استطاعتهم استغلال وقت الفراغ الذي يمثل نسبة كبيرة من حياتهم»، وأضاف: «نلحظ أن اهتمام الشباب بشكل كبير في قضائهم لذلك الوقت في التقنية الحديثة والاطلاع على الصحف والمجلات، وهم في أمس الحاجة لذلك الوقت الذي لا يستفيد منه بالطريقة الصحيحة، وللأسف الشديد لا يتقنون استغلال الوقت  استغلالا صحيحا، ولكننا نلحظ أنهم يندمون على ذلك عندما يفقدونه من حياتهم». وبين أنه يمكن للشباب أن يستغلوا أوقات فراغهم بطريقة صحيحة، وذلك بمقدراتهم الذكائية والعقلية من خلال التخطيط الشخصي لحياتهم مبكراً، ويبدأ هذا من الاهتمام بحايتهم الدراسية التي تكون بعد ذلك انتقالاً للاهتمام بحياتهم العلمية ثم الشخصية والعملية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك