رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 18 نوفمبر، 2014 0 تعليق

الأقلية المسلمة في بولندا

بولندا إحدى دول وسط أوروبا ظهرت واختفت على خارطة أوروبا السياسية مرات عدة، فلقد أخذت مكانتها قديما بوصفها دولة في العصور الوسطى، واتسعت مساحتها في القرن الحادي عشر الميلادي (الخامس الهجري)، ثم تقلصت مساحتها في القرن الخامس عشر الميلادي (التاسع الهجري)، وذلك أمام توسع الألمان، وظلت تتقاذفها القوى الكبرى المجاورة لها، وصحب هذا تغيير في خارطتها وسكانها بين انكماش واتساع، وسيطر الشيوعيون على حكمها منذ سنة 1372هـ - 1952م، وتسودها الآن حركة شعبية ضد الحكم الشيوعي، ويعد الوضع الراهن في بولندا ضد الهيمنة الشيوعية مثلها في ذلك مثل دول شرق أوروبا، ولا سيما بعد انهيار النظام الشيوعي.

المسلمون في بولندا

     يقدر عدد المسلمين في (بولندا) بحوالي 30 ألف نسمة؛ من إجمالي عدد السكان الذي يصل إلى 37.800.000 نسمة، أي بنسبة أقل من 1%، وفي «وارسو» العاصمة يعيش حوالي 5 إلى 7 آلاف مسلم، أي بنسبة 30 % تقريبًا، وأغلبهم تجار، ومنهم لاجئون سياسيون، وطلاب من الثمانينيات قرروا البقاء في (بولندا)، وترجع أصول المسلمين إلى أصول: تركية، وسورية، وباكستانية، وشيشانية، كما يشمل أيضا عددًا من البولنديين الذين تزوجوا من المسلمات بعد إسلامهم أو الذين أسلموا، وخارج (وارسو) تفتخر (بولندا) بجامعين تاريخيين، يعودان إلى القرن السابع عشر والثامن عشر، وكانت هذه مناطق أول المسلمين في (بولندا) في القرن الرابع عشر.

كيف وصل الإسلام إلى بولندا؟

     بدأ أول اتصال بالمسلمين عندما هاجم التتار بولندا في القرن (الثالث عشر الميلادي) (1249م)، وتحول هذا العداء إلى مهادنة، وذلك عندما استعان البولنديون بالتتار المسلمين لصد هجمات الألمان، فانضم الكثير من التتار إلى الجيش البولندي شريطة أن تكون لهم الحرية في القيام بشعائرهم الإسلامية، وهكذا تكونت أول جالية إسلامية في بولندا، وفي القرن (الخامس عشر الميلادي) التاسع الهجري كانت حدود بولندا تشترك مع دولتين إسلاميتين هما: دولة تتار القرم المسلمة وعاصمتها (بفش سراي) ويسميها الروس الآن سفربول، والدولة الإسلامية الثانية هي الدولة العثمانية، ومرت العلاقات بينهما وبين بولندا بحروب متعددة، وبرغم هذا كانت الجالية المسلمة تتمتع باحترام ملوك بولندا، وبنيت المساجد والمدارس الإسلامية في مدينة (لوبلان) في شرقي بولندا حاليا، وفي القرن العاشر الهجري تعرض المسلمون إلى موجة من الاضطهاد نتيجة التعصب الصليبي فهاجر الكثير منهم، وتسبب هذا في توتر العلاقات بين بولندا وجارتها دولة التتار فاشتعلت الحرب بينهما في سنة 1050هـ - 1640م.

     وتكررت هذه الحروب في عهد السلطان إسلام جراي الثالث 1644م – 1654م، وتحسنت العلاقات بعد ذلك أيام السلطان محمد الرابع التتري، وعندما اتحدت بولندا مع لتوانيا تطوع الكثير من التتار المسلمين في جيش لتوانيا، فزادت الأقلية المسلمة بالبلاد، وعندما اقتسمت ألمانيا والنمسا وروسيا بولندا في أواخر القرن (الثامن عشر الميلادي) الثاني عشر الهجري، أصبح المسلمون ضمن المناطق المقسمة، وكانت الأكثرية من نصيب روسيا القيصرية.

     وبعد الحرب العالمية الأولى ظهرت بولندا للوجود بوصفها دولة مرة أخرى وكان عدد المسلمين آنذاك يتراوح بين 100 ألف و150 ألفا، وانتعشت أحوال الأقلية المسلمة، فبنوا المساجد والمدارس، وكانت مدينة فلنيوس في شمال شرقي البلاد مركز المفتي ومقر الجمعية الإسلامية في بولندا وهي الآن تتبع لتوانيا، وحاول المسلمون بناء مسجد بوارسو ولكن الحرب العالمية الثانية حالت دون ذلك، وفي سنة 1944م أحرق ستالين 15 مسجدا وبداخلها المصلون يوم عيد الفطر، وعندما خرجت بولندا من الحرب العالمية تغير وضعها السياسي، وتقلصت مساحة البلاد وقل عدد سكانها، وكانت نتيجة ذلك وخيمة على المسلمين في بولندا؛ حيث كان عددهم في سنة 1383هـ - 1963م أحد عشر ألفا، منهم عشرة آلاف مسلم بولندي.

الرابطة الإسلامية في بولندا

     من أهم المؤسسات الإسلامية في بولندا الرابطة الإسلامية، التي تأسست في 14 يناير 2001م في مدينة وارسو، وخلال 3 سنوات كانت جميع الجهود منصبة على تسجيلها رسميا، وتم بالفعل تسجيلها بوصفها رابطة دينية في بولندا في دائرة الأديان بوزارة الداخلية، في سجل الكنائس والاتحادات الدينية الأخرى بتاريخ 6 يناير 2004م.

وقد تأسست هذه الرابطة بوصفها اتحادا دينيا بمبادرة من المؤسسات الإسلامية العاملة في بولندا، ومباركة من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا عن طريق المسلمين من أصحاب البلاد الأصليين ومن الحاملين للجنسية البولندية المقيمين على أرض بولندا من بلدان إسلامية مختلفة.

     وكان الدافع الرئيسي لتكوينها هو الزيادة المطردة للمسلمين في بولندا في العقدين الأخيرين، وتلبية للاحتياجات الكبيرة للمسلمين في بولندا والمكفولة من خلال القوانين الخاصة بالطوائف والاتحادات الدينية، التي لا يمكن الحصول عليها دون وجود جهة رسمية تمثل المسلمين، وتسعى لإيصال هذه الحقوق لهم، فضلا عن التوسع الملحوظ لساحة العمل الإسلامي ومتطلباته.

     وتتعاون الرابطة مع المؤسسات الإسلامية الأخرى في بولندا، مثل الجمعية الإسلامية للتأهيل والثقافة، وجمعية الطلبة المسلمين في بولندا، وتسعى بوضفها اتحادا دينيا بالتوافق مع هذه المؤسسات إلى ضمها في عضويتها والعمل في إطار الرابطة بوصفها مؤسسة رئيسة، وهذه الرابطة تعد عضوا عاملا في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا.

وتعتمد الرابطة الإسلامية في مرجعيتها على القرآن الكريم والسنة، وما أقره السلف الصالح وعلماء المسلمين المعتبرين قديما وحديثا.

مساجد بولندا

وإذا نظرنا إلى مساجد بولندا اليوم نجد في العاصمة البولندية (وارسو) مسجدا وحيدا يقع في حي هادئ من الصعب ملاحظته من بعيد؛ لأن البيوت تحيطه، ويعد هذا المسجد مركزا للمسلمين، وخارج (وارسو) تفتخر (بولندا) بجامعين تاريخيين، يعودان إلى القرن السابع عشر والثامن عشر.

     وهناك مشروعات كثيرة لتشييد مساجد جديدة على الأراضي البولندية، فالعاصمة البولندية (وارسو) التي يعيش فيها ما بين 11 و13 ألف مسلم، تشهد قيام الاتحاد الإسلامي بمشروع لبناء مركز إسلامي كبير بوسط المدينة، وسيتم بناؤه بجوار مركز (المدينة الزرقاء) التجاري، ويتكون من مسجد ذي مئذنة يبلغ ارتفاعها ثمانية عشر مترا، ومكتبة ومطعم ومقهى ومعرض للأعمال الفنية الإسلامية، والمركز سيقوم بتمويله أحد المستثمرين السعوديين.

ولمحاولة سد العجز في المساجد، يقوم المسلمون هناك بإنشاء المساجد الخشبية قليلة التكلفة، والصغيرة الحجم إلى حد ما، ولذلك تنتشر هذه المساجد في الأحياء الإسلامية بالعاصمة وارسو وغيرها من المدن البولندية.

 التحديات

     مما يؤسف له أن وضع المسلمين حاليا في بولندا مؤلم؛ والسبب يرجع إلى انقراض جيل أئمة المساجد، لذلك هجرت المساجد بعد الحرب العالمية الثانية، وشارك في هذا التحدي الشيوعي، وأغلب المسلمين البولنديين من التتر، وهم يتحسرون على مجد الإسلام الضائع، ونسيان العالم الإسلامي لهم، وبرغم ذلك للمسلمين مقبرة إسلامية، بالقرب من منطقة بياليستوك، قرب حدود لتوانيا ولاتفيا في يرهونسكي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك