رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة – أحمد الفولي 12 يونيو، 2018 0 تعليق

الأقليات المسلمة في رمضان ألم وأمل

 

 

انطلاقا من قول الله -عز وجل-: {إنما المؤمنون إخوة}، رصدت مجلة (الفرقان)، أحوال بعض الأقليات المسلمة حول العالم خلال شهر رمضان، الذين كان من أبرزهم أقلية الروهينجا المسلمة الذين تم إخراجهم من بيوتهم في ولاية أراكان الواقعة تحت سيطرة حكومة ميانمار إلى حدود بنجلاديش ليتحول مسلمو الروهينيجا من مواطنين داخل الدولة لهم كامل الحقوق، إلى مطاردين بين مشرد أو قتيل أو لاجىء في خيمة تغرقها الأمطار، وكذا أقلية الإيجور التي تسكن تركستان الشرقية الواقعة تحت حدود الصين الآن، وغيرهما من أقليات حول العالم.

 

الروهينجا: صيام بلا إفطار أو سحور

«إننا لا نجد طعاما للإفطار ولا للسحور ومع ذلك نسرد الصوم»، بهذه الكلمات بدأ نور الله شيخ يوسف -الباحث الروهينجي بجامعة الأزهر بالقاهرة- وصف معاناة مسلمي الروهنيجا اللاجئين في خيام بنجلاديش الذين زاد عددهم عن المليون لاجيء تقريباً.

     وأضاف نور الله في تصريح خاص لـ(الفرقان): إنني كنت أقرأ قديماً فتاوى عن حكم صيام من يسرد الصيام سردا لأنه لا يجد إفطارا أو سحورا، وكنت أظن أن هذه الفتاوى يذكرها بعض الفقهاء بوصفها طُرفة للمزاح، إلى أنني رأيت ذلك بنفسي مع إخواني اللاجئين الذين ما زالوا مستمسكين بصيامهم، ويتساءلون حقيقة عن حكم سرد الصيام في حالة عدم وجود طعام أو شراب في الإفطار أو السحور، مضيفا: أن الأمر لم يتوقف على الرياح التي تقتلع خيام اللاجئين أو الأمراض التي انتشرت في أوساطهم، ليزداد البلاء بعرض بعض المنظمات الأوروبية الجنسية على لاجئي الروهينجيا في مقابل ترك الإسلام، والتحوّل إلى أديان أخرى.

أزمة تتزايد

     وتابع، إن أزمة أقلية الروهينجيا في شهر رمضان تتزايد؛ إذ تعد مدينة (كوكس بازار) التابعة لبنجلاديش من أكثر المدن في العالم تعرضا للأمطار الغزيرة والرياح؛ مما يعرض الآلاف من مسلمي الروهينجا للمجازفة بحياتهم؛ فاللاجئون بين كماشة الأمطار والرياح من جهة، والجوع والأمراض الفتاكة من الجهة الأخرى؛ حيث تقتلع الرياح الخيام أو تغرقها الأمطار، في الوقت الذي ينتشر فيه وباء الدفتيريا ويحصد أرواح الآلاف من المسلمين.

     وأردف الباحث الروهينجي، أن مخيمات اللاجئين شهدت أول زيارة لوفد من مجلس الأمن قبل شهر رمضان، اطلع على أحوال اللاجئين، وأكد الوفد عقب الزيارة على أن مسلمى الروهينجا تمارس عليهم إبادة عرقية واضحة، في الوقت الذي لم تغير زيارة وفد مجلس الأمن شيئا.

وباء الدفتيريا

     وأشار، إلى أن عدد من تسبب وباء الدفتيريا بموتهم حتى الآن يزيد عن 42 حالة وفاة، فضلا عن أكثر من 7 آلاف حالة تم الإبلاغ عنها حتى الآن دون أدنى تغيير، مشيراً إلى أن الأوضاع في شهر رمضان كارثية؛ حيث إن كل 40 أسرة روهينجية تستخدم دورة مياه واحدة، ويتم استخدام الآبار والمياه بصورة عشوائية؛ مما يؤدي إلى نقل العدوى بين اللاجئين دون الحصول على أي تطعيمات لإيقاف نزيف الديفتيريا، مضيفا: أن لقاح الدفتيريا يستوجب 3 حقن تقريبا، آخرها وصل إلى المخيمات في ديسمبر الماضي، وطيلة شهر يناير وفبراير ومارس وأبريل وحتى الآن لم تصل إلى مخيمات اللاجئين أي تطعيمات وقائية.

     وقد شَنَّ الجيش البورمي بالتعاون مع الشرطة حملة عسكرية مستمرة على مسلمي شعب الروهينجا في ولاية أراكان التي تطلق عليها حكومة ماينمار حالية (ولاية راخين)ذات الأغلبية المسلمة الموجودة في المنطقة الشمالية الغربية لاتحاد ماينمار؛ حيث صُنف الجيش البورمي بالطائفية، ولا سيما عقب قيامه بانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات القتل خارج نطاق القانون، والاغتصاب الجماعي، وقتل الأطفال والشيوخ.

الإيجور: بين مطرقة الفقر وسندان القمع

     وفي شهر رمضان؛ بينما ينعم المسلمون بالشهر الفضيل، بين صيام وقيام، وإفطار بين الأهل والأصدقاء، تُحرم الأقلية المسلمة بإقليم الإيجور المسمى حاليا بإقليم (شينغيانغ) والواقع حاليا في شمال غربي الصين، من حقوقها الطبيعية التي كفلتها العهود والمواثيق الدولية جميعها.

أوضاع يندى لها الجبين

     يقول الدكتور (عقيل جاتييف) -الباحث بجامعة الأزهر بالقاهرة، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في قرغيزستان-: إن أوضاع المسلمين في إقليم تركستان الشرقية أو الإيجور -ولاسيما خلال شهر رمضان- يندى لها الجبين، في الوقت الذي لا ينشر الإعلام عنهم أي شيء.

     وأضاف (جاتييف) في تصريح خاص لـ(الفرقان): إن الحكومة الصينية فرضت ابتداء من مطلع عام 2018، برنامجا جديدا يسمى (برنامج الإقامة المنزلية)؛ وذلك لينفذ على الأسر المسلمة في إقليم (شينجيانج) فقط، الذي يقطنه مسلمو الإيجور؛ حيث يقيم مع كل أسرة مسلمة بالإقليم موظف حكومي شيوعي لفترة محددة لا تقل عن الشهر، ويطلب منهم خلالها معلومات حول حياتهم وآرائهم السياسية، وهذا مستمر حتى الآن مع شهر رمضان.

انتهاك واضح

وتابع، أن هذا البرنامج يعد انتهاكاً واضحا لحقوق الخصوصية والحياة الأسرية، والحقوق الثقافية للأقليات العرقية المحمية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان؛ حيث يقع ضمن قائمة طويلة من الانتهاكات الحقوقية أبرزها سحب المصاحف وسجادات الصلاة.

وأردف الباحث بجامعة الأزهر، أن أقلية الإيجور تحتاج إلى تعاون الجمعيات الحقوقية والاجتماعية، لنقل صورتهم الحقيقية للناس، ومحاولة مساعدتهم بما يمكن تقديمه خلال شهر رمضان.

كشمير: ابتلاء وتضييق

     وفي مفارقة عجيبة؛ إذ ينشغل بعض المسلمين عن قضية القدس والقضية الفلسطينية، فوجئت الحكومة الهندية باندلاع تظاهرات احتجاجية كثيفة في كشمير، رفضا لقرار الولايات المتحدة الأمريكية باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، كما قام المحتجون بحرق علم أمريكا وعلم الكيان الصهيوني.

ليسوا أقلية

     يقول حبيب الرحمن بن رفيق الإسلام الباحث بجامعة الأزهر والداعية البنغالي المتخصص في شؤون الأقليات المسلمة، في تصريح خاص لـ(الفرقان): إن مسلمي كشمير لا يمثلون أقلية داخل دولتهم، إلا أنهم عقب الاحتلال صاروا يتعاملون معهم بوصفهم أقلية هندية، والحقيقة خلاف ذلك تماما، فمسلمو كشمير أغلبية كاسحة تربو على 13 مليون مسلم تقريبا، وهي أغلبية ملتزمة، تتحلى بالتدين والتمسك الشديد بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

غاية الصعوبة

     وتابع، أن رمضان يمر على الكشميريين هذه الأعوام مرورا في غاية الصعوبة، لا سيما مع ظهور عدد من العصابات البوذية المتطرفة، التي تشن اعتداءات متتالية على المسلمين داخل كشمير، في الوقت الذي ينشغل فيه المسلمون بالأعمال البدائية أو التقليدية، مما يزيد أوضاعهم المادية والاجتماعية فقرًا؛ مؤكدًا أن قضية مسلمي كشمير من القضايا الشائكة التي يهملها الإعلام، في الوقت الذي تعانيه الأغلبية المسلمة في كشمير من انتهاكات لحقوقهم.

     يذكر أن نزاع الهند لاحتلال كشمير بدأ مباشرةً بعد تقسيم الهند في عام 1947م، وقد تنازعت الهند وباكستان حول كشمير ثلاثَ مرّات، ما يشمل الحروب الهنديّة-الباكستانيّة في عاميْ 1947م و1965م، وحرب كارجل كذلك في عام 1999م؛ حيث تدعي الهند أن كشمير ملك لها؛ إذ تسيطر حتى الآن على جامو، ووادي كشمير، ولاداخ، ونهر سياتشين الجليديّ.

لندن: شعائر بطريقة أفضل

     وفي بريطانيا؛ حيث الأقلية المسلمة التي تتميز بأداء شعائرها بطريقة أفضل بكثير من غيرها من أقليات مضطهدة حول العالم؛ يقول الدكتور (جنيد دار) -إمام المركز الإسلامي بغرب لندن والباحث بجامعة الأزهر الشريف-، إن المسلمين في بريطانيا يعيشون رمضان بطريقة طبيعية؛ حيث يؤدون التراويح في المساجد، ويصومون نهار الشهر الفضيل، وما يمارس عليهم من اعتداءات فهي في الحقيقة اعتداءات فردية وليس من الحكومة.

عوائق عدة

     وأضاف دار في تصريح خاص لـ(الفرقان»: إن الأقلية المسلمة في بريطانيا أمامها عوائق عدة أبرزها ظهور تنظيم (داعش) والجماعات التكفيرية التي تشوه صورة الإسلام، ويستغلها الإعلام الكاره للإسلام والمسلمين في إلصاق التهم الزائفة بالإسلام، وترويج (الإسلاموفوبيا)؛ مما يصد بعضهم أحيانا عن الدخول في الإسلام أو التأثير على المسلمين المتدينين ممن لا علاقة لهم بهذه الجماعات، بل يرفض أفكارها الإجرامية التي تعادي المجتمعات.

جزء حقيقي من المجتمع

     وتابع، المسلمون في بريطانيا مسالمون، وهم جزء حقيقي من المجتمع؛ إذ يمثل الإسلام الدين الثاني داخل الدولة من جهة عدد السكان بنسبة تزيد عن 5% تقريبا، والأعداد في ازدياد يوميا؛ حيث يأتي إلى المراكز الإسلامية يوميا، وفي صلاة الجمعة، أعداد كبيرة من المسيحيين وغيرهم لإشهار إسلامهم.

الانعزال المجتمعي

     وأردف، إن من المعوقات للأقلية المسلمة في بريطانيا، ظاهرة الانعزال المجتمعي التي تكون عند بعض المسلمين، الذين يستشعرون مع وجود بعض الفوارق بينهم وبين غيرهم، بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية؛ مما يعطيهم شعورا بضرورة العزلة عن المجتمع، رغم أن الإسلام ليس دين عزلة، والأصل فيه الشمولية، وأنه يجمع مناحي الحياة جميعها، ورغم ذلك إلا أن المسلمين في بريطانيا يتبنون القيم البريطانية التي تتوافق مع إسلامهم، وبالتالي يندمجون داخل المجتمع ليكونوا جزءا حقيقيا منه؛ إذ يتولون وظائف كثيرة داخل الدولة، ومنها وظائف سياسية.

أهمية وجود المسلمين

     وتابع، إن الحكومة في بريطانيا بدأت تستشعر أهمية وجود المسلمين، ولاسيما عقب زيادة عدد الأطفال المولودين خارج العلاقة الزوجية، التي وصلت إلى 47.9% في بريطانيا، وفقا لإحصائية منظمة (يوروسستات) للإحصائيات، فضلا عن تزايد نسبة الإلحاد داخل المسيحيين وغيرهم.

أستراليا: الإسلام أكثر الأديان انتشارًا

     وإلى القارة الأسترالية؛ حيث تعيش الأقلية المسلمة وسط أجواء هادئة، وازدياد متواصل لأعداد معتنقي الإسلام؛ حيث يُصنف الإسلام في قارة أستراليا ثاني أكبر دين حالياً وفق الإحصائيات الرسمية. يقول الشيخ أبو مالك الصباغ -إمام وخطيب مركز الشباب المسلم بأستراليا، وعضو مجلس الأئمة الأسترالي-: إن الأقلية المسلمة في أستراليا تعيش أجواء هادئة مختلفة عن الأقليات الأخرى؛ حيث يعم الاستقرار فضلا عن وجود حرية حقيقية في الدعوة.

أجمل شهور العام

     وأضاف الصباغ في تصريح خاص لـ(الفرقان): إن شهر رمضان هو أجمل شهور العام، ولاسيما في بعض المدن كمدينة (سيدني) وهي من أكبر المدن الأسترالية، وبها أكبر تجمع للسلمين وللمراكز الإسلامية والمساجد؛ حيث ينتشر الإسلام يوميا، وذلك بين جميع الطبقات، بما في ذلك الأستراليين الأصليين؛ حيث تعترف الحكومة بالإسلام دينا رسميا داخل الدولة.

انتشار الإسلام

     وتابع، إن انتشار الإسلام يعود إلى أسباب عدة، أبرزها: التقارب بين الأستراليين وكذا الإندونيسيين، وكذا المعاملة الطيبة التي تكون من المسلمين تجاه غير المسلمين. وأردف، يعوق انتشار الإسلام فقط، بعض الفرق التي تنتسب للإسلام وأشهرها في أستراليا فرقة (الأحمدية) وغيرها من الفرق؛ حيث يقومون ببعض الطقوس التي تؤثر بالسلب على صورة المسلمين، إلا أن الدعوة في المجمل تسير سيرا رائعا، والمسلمون يمثلون جزءا مهما في القارة الأسترالية.

المعنى الحقيقي للولاء والبراء

     وحول الأقليات المسلمة التي تتعرض للاضطهاد وغير الأقليات، يقول الصباغ، نقوم هنا في المراكز الإسلامية بجمع زكاة المال الفائضة، وكذلك تجهيز قوافل إغاثية وغذائية طوال شهر رمضان، ويتم إرسالها إلى إخواننا في فلسطين وأيضا في سوريا، وكذا إلى ميانمار؛ إذ يستشعر المسلمون في أستراليا المعنى الحقيقي لعقيدة (الولاء والبراء)، وأن المسلمين جميعًا جسد واحد كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».

ارتفاع عدد المسلمين

     يُذكر أنه في نهاية 2017 أظهر الإحصاء الأسترالي الجديد، لعدد سكان أستراليا وتوزيعهم الديني، ارتفاع عدد المسلمين في أستراليا ارتفاعا كبيرا جدا، إلى نسبة 2.2 بالمئة من إجمالي عدد السكان خلال عامي 2016 و 2017 ليصل عدد السكان إلى ما يربو عن 5% تقريبا من إجمالي عدد السكان، في الوقت الذي يرى فيه عدد من المراكز الإسلامية أن نسبة المسلمين في أستراليا الآن تجاوزت الـ10% تقريبا، ليكون ذلك بمثابة بشرى لجميع المسلمين، بوعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في حديث تميم الداري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك