الأعيــــاد المشروع منهــــــا والممنوع
ألقيت هذه المحاضرة في الرياض عام 1912 هـ
فكان على أهل العلم البيان والنصح للأمة فيما يتعلق بهذه الأمور الخطيرة، وبآثارها السلبية على المسلمين في دينهم ودنياهم، وفي هذه الأيام تكثر أعياد أهل الكتاب، وغالب الأعياد عند الأمم مرتبطة بالشعائر الدينية عندهم، وسبب وجودها قد يعود إلى شيء مشروع عندهم أو غير مشروع أو مشابهة لمن سبقهم؛ لذلك يقول الدهلوي نزانة: «أما من عيد في الناس إلا وسبب وجوده تنويه بشعائر دین، أو موافقة أئمة مذهب، أو شيء مما يضاهي ذلك».
بين المشروع والممنوع
وقد يقع كثير الأعياد بين المشروع والممنوع - من المسلمين في المحظور، إما بالمشاركة في هذه الأعياد مشاركة كاملة، قال ابن القيم تكلفة: «وكما إنهم لا يجوز لهم إظهاره (أي العيد)، فلا يجوز للمسلمين ممالاتهم عليه ولا مساعدتهم ولا الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله، وقد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم، وإما ببعض المشاركة الجزئية كالتهيئة، أو إتاحة الفرصة للكفار لإظهار أعيادهم بين المسلمين أو نحو ذلك، فكان من الضروري الحديث عن الأعياد وأحكامها، لبيان الحق والنصح للخلق».
مفهوم العيد
العيد لغة: مأخوذ من عاد يعود أي إذا تكرر ورجع بعد انصراف، وهو أيضا: اسم لكل ما يعود ويتكرر من زمان أو مكان أو هما معا، ويدخل في ذلك: المناسبات والآثار ونحو ذلك كما سيأتي تفصيله.
والعيد في الاصطلاح: يطلق العيد في اصطلاح غالب الأمم- على كل ما يعود ويتكرر زمانه أو مناسبته، أو يحتفل ويحتفي به، أو يجتمع عليه من الأيام، أو المناسبات، أو الأمكنة التي تهتم بها الأمم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية حنة: «العيد: اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائد: إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك».
العيد يجمع أمورا
فالعيد: يجمع أمورا منها: یوم عائد، كيوم الفطر، ويوم الجمعة، ومنها اجتماع فيه، ومنها: أعمال تتبع ذلك: من العبادات والعادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقا، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيدا، فالزمان: كقوله - صلى الله عليه وسلم- ليوم الجمعة: «إن هذا اليوم جعله الله للمسلمين عيدًا»، والاجتماع والأعمال: كقول ابن عباس - رضي الله عنه -: «شهدت العيد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»، والمكان: كقوله: «لا تتخذوا قبري عيًدا» وأعياد الجلوس، وأعياد الأوطان، أو الاستقلال، أو نحو ذلك.
اسم لمجموع اليوم والعمل فيه
وقد يكون لفظ العيد: اسما لمجموع اليوم والعمل فيه، وهو الغالب كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «دعهما يا أبا بكر: فإن لكل قوم عيدا، إن هذا عيدنا»، فالعيد يطلق على أي نوع من أنواع الاجتماع. ومنها على سبيل الإجمال أنواع:
النوع الأول
الاحتفال بالذكريات السارة: على أي شكل من أشكال الاحتفال الذي لم يرد في الشرع- فإذا تكرر وأخذ صبغة التقليد والعادة والتكرار: صار عيدا، مثل أعياد الميلاد وأعياد الوطن أو الاستقلال ونحوها.
النوع الثاني
الذكريات غير السارة: كذكرى الأربعين والسنوية؛ حيث يعقد بعض الناس مجلسا يقرأ فيه القرآن داخل سرادقات كبيرة بعد موت الشخص بأربعين يوما أو بعد سنة من وفاة الميت، وهي عادة فرعونية قديمة كما ذكر غير واحد من أهل العلم، وإحياء ذكرى الكوارث المؤلمة.
النوع الثالث
الأماكن التي تتخذ مزارا: كالمشاهد ويطلق عليها الموالد التي تقام عند المشاهد التي دفن فيها بعض الصالحين وقد توسع الناس فيها في بعض البلدان وقد يستمر الاحتفال بهذه الموالد على مدى سبعة أيام أو أكثر في بعض الأحيان وتشتمل هذه الاحتفالات على مفاسد كثيرة منها الاختلاط بين الرجال والنساء والرقص الصوفي وشرب الدخان وانتشار اللصوص وشرب المخدرات وترك الصلوات وتلويث المساجد واتخاذها مقيلا ومبيتا من قبل الصوفيين المخرفين وغير ذلك من المفاسد، والآثار والمزارات، والقبور، والبقاع والأماكن التي تهتم بها الأمم أو الشعوب ولم تشرع زیارتها، فإن الزيارة لها على وجه متكرر تكون عيدا، ويعتبر المكان الذي يزار ويتخذ مزارا من الأعياد، كما ورد في صحيح السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل أنه قال: «لا تتخذوا قبري عيدا».
النوع الرابع
إحياء الآثار والأسواق القديمة على شكل عوائد وآثار أو تراث، ونحو ذلك، فإن التعبد بهذه الأمور والاحتفاء بها أو الاهتمام بها على وجه غير مشروع، وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم من دعا إلى إحياء السنن الجاهلية، والسنن السيئة فقال: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ إلى الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه». وقال: «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها». لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور أعيادا، أي: اتخاذها أماكن للتجمع أو زیارتها على وجه التعظيم أو التعبد غير الزيارة المشروعة؛ لذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تتخذوا قبري عيدا».
النوع الخامس
ما أخذ طابع الاهتمام المتكرر الثابت: كل ما أخذ طابع الاهتمام والالتزام المتكرر الثابت من مكان أو زمان أو أي شيء من الأشياء، فإن هذا يكون عيدا كالأيام التي تهتم بها الأمم أو بعض الدول في العصر الحاضر؛ كيوم الأم، - وهو من بدع أهل الكتاب وقد جعلوه في يوم خاص ليحتفلوا بالأم نظرا لتقصيرهم في حقها بل وجدت بعض الحالات في الغرب لأناس لم يرعوا حق أمهاتهم، فقد تموت أم شخص ما في بيتها ولم يدر عنها أحد ولا تعرف إلا بانتشار رائحتها بينما ولدها على بضع خطوات منها يسكن في الشارع نفسه، ولا يدري أن أمه تسكن فيه؛ لأنه أهملها، أما في الإسلام فبر الوالدين لا يحدد بيوم ولا بشهر بل البر مستمر وطاعة الوالدين واجبة في غير معصية، ويكفي أن الله -تعالی- قرن حقهما بحقه فقال -تعالى-: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا}.
حكم الاحتفال بعيد الأم
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن حكم الاحتفال بعيد الأم فكان الجواب: لا يجوز الاحتفال بما يسمى عيد الأم ولا نحوه من الأعياد المبتدعة لقوله: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»، وليس الاحتفال بعيد الأم من عمله صلى الله عليه وسلم ولا من عمل أصحابه، ولا من عمل سلف الأمة، وإنما هو بدعة وتشبّه بالكفار فيكون من الأعياد الممنوعة.
من خصائص الأمم وسماتها
الأعياد من خصائص الأمم وسماتها وشرائعها وشعائرها: والأصل في الأعياد أنها من أبرز مظاهر حياة الأمم التي تعتز بها؛ لأن للأعياد من الخصائص والسمات والشعائر والشرائع التي تخص كل أمة، ويؤيد ذلك قوله -تعالى-: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} (الحج:34)، وقال -تعالى-: {لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} (الحج:67)، وقد تجتمع بعض الأمم في نوع أو أكثر لسبب أو لآخر؛ ولذلك أمر الله المسلمين بالتميز في الأعياد ويؤيد ذلك قوله: «إن لكل قوم عيدا وإن هذا عيدنا»، وجعل لهم أعيادهم الخاصة بهم لا يعدونها ولا يزيدون عليها، ولا يقلدون غيرهم فيها ولا يلغون شيئا منها، فلكل أمة أعيادها التي تتميز بها وتعتز بها.
شعائر توقيفية
الأعياد في الإسلام من شعائر الدين التوقيفية: فالأعياد من الشرائع والشعائر التعبدية، فهي تدخل في العقيدة من جانب، وفي الشريعة من جانب آخر، فعلى هذا، فهي توقيفية بمعنى أنها موقوفة على ما جاء عن الله تعالى، وعن رسوله بل حيث شرع عيدي الفطر والأضحى، ولا يجوز لأحد بحال أن يشرع عيدا جديدا، أو ينشئ نوعا من أنواع الأعياد بأي وجه من الوجوه، كما أنه لا يملك أحد من الناس أن يلغي عيدا من الأعياد التي شرعها الله تعالى؛ لأن العيد من شعائر الدين، وأنه من شرع الله الذي لا يجوز فيه الزيادة ولا النقص، وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا بقوله وبفعله وبتقريره وبأمره ونهيه، بأمره بالأعياد وبنهيه عن أعياد جديدة، أو إحياء أعياد قديمة، أو اتباع أعياد الكافرين، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مشابهة الأمة الإسلامية لليهود والنصاری... وغيرهم في سنهم وحذر من ذلك فقال - صلى الله عليه وسلم -: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم»، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصاری؟، قال: «فمن؟» قال النووي: «المراد بالشبر والذراع وجحر الضب: التمثيل بشدة الموافقة لهم في المعاصي والمخالفات»، وقال شيخ الإسلام تعليقا على الحديث: «وهذا كله خرج مخرج الخبر عن وقوع ذلك، والذم لمن يفعله، كما كان يخبر عما يفعله الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمات، فعلم أن مشابهة هذه الأمة اليهود والنصاری، و فارس والروم، مما ذمه الله ورسوله وهو المطلوب.
عيدان في السنة
فالله -تعالی- شرع للمسلمين عيدين في السنة، وهما: عید الفطر، وعيد الأضحى، ويوم الجمعة، ونهی عن الزيادة عنها: كما ذكر النبي بها في الحديث الصحيح الذي رواه أنس بن مالك روعه قال: قدم رسول الله بين المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: «ما هذان اليومان؟» قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر»، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: «واستنبط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين، والتشبه بهم، وبالغ الشيخ أبو حفص الكبير النسفي من الحنفية فقال: من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيما لليوم فقد كفر بالله -تعالی-» (ولعله يقصد الكفر العملي الأصغر).
حرمة التشبه بهم
وكان علقمة يقول: اللهم إن هؤلاء اعتكفوا على كفرهم ونحن على إيماننا فاغفر لنا، وقال المجد ابن تيمية: الحديث يفيد حرمة التشبه بهم في أعيادهم؛ لأنه لم يقرهما على العيدين الجاهليين، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، وقال: «أبدلكم»، والإبدال يقتضي ترك المبدل منه إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه، ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا في ترك اجتماعهما»، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث وفي غيره، استنكر ما رآه عند أصحابه في المدينة من نوع عید لم يكن مشروعا في الإسلام، مع أنهم حديثو عهد بالإسلام وعهدهم بالجاهلية قريب، ومع ذلك لم يتسامح معهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل نهاهم أشد النهي، لأن الانحراف إلى مشابهة اليهود والنصارى أمر مذموم وهو على درجات قد يكون كفرا أو ما دونه.
إحياء تلك الأعياد
وحينما استأذنوه بأن يسمح لهم بإحياء تلك الأعياد، منع من ذلك، ونصح، وبين أن الله تعالی بدل ونسخ أعياد الجاهلية ومنها أعياد الأديان الأخرى بالعيدين المعروفين: عید الفطر وعيد الأضحى، وعيد الأضحى كما هو معلوم يشمل العاشر من ذي الحجة وأيام التشريق، أي: الأيام الثلاثة التي تلي العاشر، وكلها أيام عيد، وأيام أكل وشرب، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يوم الفطر، ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب».
قال شيخ الإسلام تعليقا على الحديث: «فيه دليل على مفارقتنا لغيرنا في العيد، والتخصيص بهذه الأيام الخمسة؛ لأنه يجتمع فيها العيدان المكاني والزماني، ويطول زمنه، وبهذا يسمى العيد الكبير، فلما كملت فيه صفات التعييد: حصر الحكم فيه لكماله، أو لأنه هو عيد الأيام، وليس لنا عيد هو أيام: إلا هذه الخمسة». ويوم عرفة يوم عيد مكاني للحجاج، ولا يشرع فيه التعبيد، إنما يشرع فيه الصوم لغير الحاج، أما الحاج فلا يصمه.
إذا: فما عدا عيد الأضحى وعيد الفطر للسنة وعید الجمعة للأسبوع، فهو محرم قطعا بموجب النصوص القاطعة في القرآن والسنة، وإجماع الصحابة والتابعين وأئمة السلف وعلماء الأمة إلى يومنا هذا، فالأعياد المحرمة هي كل ما شرعه الناس وأنشؤوه أو قلدوا فيه غيرهم.
يتبع إن شاء الله
لاتوجد تعليقات