الأعمال بالخواتيم
والله إني لأتعجّب من حلم الله على من يداومون على فعل المنكرات، ويسمعون الفُحش ويرونه، ويأكلون الربا، ويتعاملون بالرشوة، ويشاهدون الأجساد العارية في الأفلام، ويأكلون السحت، ويظلمون الناس بأخذ حقوقهم، ويتكلمون بالسب، ويمرحون بالشتم، ويلعبون بأعراض الناس، يحلفون بالله كذبا وزورا من أجل الحصول على دنيا فانية، ألسنتهم لا تعرف طعم الحلال إلا قليلا.
لكن يزول عجبي حين يُهدى أحدهم فى آخر حياته إلى طاعة مولاه؛ فيتوب من الذنوب ويتقرّب بكل خير إلى علاّم الغيوب، فيرتاد المساجد ويقرأ القرآن، ويختم الله له بالصالحات من الأعمال، وفي اللحظة نفسها نري من عاش -ظاهرا- مع القرآن والتزام الطاعات، والسعي نحو القُربات، وتعظيم أهل الخيرات، ثم ينقلب في لحظة إلى شخص آخر، يشاهد المنكرات ويقع في المنهيات، ويفعل ما كان بالأمس يستهجنه، بل وكان يصرخ في وجه صديقه لئلا يفعله.
فتدبرت ذلك فوجدت أن الله هو الذي خلق الخلق، ويعلم سرهم ونجواهم، وأن هذا الطائع كانت فيه آفة عظيمة لم تظهر للخلق، هي التي أوردته المهالك، كمن كان هاتكا للستر الذي بينه وبين ربه ولا يأبه لذلك، وكمن كان معجبا بعمله منانا به على مولاه، وكمن كان مرائيا وطال به الحال! وكمن أصر على صغيرة فألِفها وهانت عليه، فكانت سببا في سوء خاتمته، وقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها في عهد رسول الله من الموبقات».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يختم له؛ فإن العامل يعمل زمانا من دهره، أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملا سيئا؛ وإن العبد ليعمل زمانا من دهره بعمل لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملا صالحا، فإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قبل موته فوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه»؛ لذلك بكى سفيان الثوري في ليلة حتى الصباح، فقيل له: أكل هذا خوفا من الذنوب؟ قال: «الذنوب أهون! إنما أبكي خوفا من الخاتمة».
وفي الحديث الصحيح: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها».
فيا أيها الطائع، لا تغتر بطاعتك ولاسيما إذا كانت مدخولة، ولا تنظر للعاصي نظرة استحقار لعل الله -عز وجل- يختاره لصحبة النبي المختار؛ فقد يحمل في قلبه مالا تعلمه ولكن الله يعلمه؛ فيؤخره ليختاره ويُدنيه والله بكل شيء عليم، ويا أيها العاصي، لا تغتر بمثل ذلك؛ فكما أن ربك غفور رحيم فهو شديد العقاب، فتُب إلى ربك قبل أن تندم؛ حيث لا ينفع الندم.
لاتوجد تعليقات