رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: forqan 3 يناير، 2011 0 تعليق

الأعشاب الطبيعية.. منحة قد تتحول لمحنة!

 

تحقيق: هالة الصاوي

 

عرفت الحضارات القديمة الأعشاب الطبيعية بوصفها وسيلة فعّالة للقضاء على الأمراض، بدءاً من الحضارة الفرعونية وحتى الحضارة الهندية التي تحظى فيها الأعشاب الطبيعية بمكانة كبيرة في علاج الكثير من الأمراض، وقد كان العرب أصحاب السبق في التداوي بالأعشاب الطبيعية، بل التعامل معها بوصفهاعلماً له قواعد وأصول، وهم أول من قاموا بتأليف موسوعات ومذكرات تتناول بالتفصيل كيفية التداوي بالأعشاب الطبيعية، ومازال المختصون يعتمدون هذه المؤلفات بوصفها مراجع طبية قيمة حتى عصرنا الحالي.

     وقد شهد هذا العلم تطوراً كبيراً على أيدي علماء المسلمين في العصر الذهبي للطب الإسلامي كابن البيطار الذي أطلق عليه إمام النباتيين وعلماء الأعشاب، والبيروني صاحب كتاب الصيدلة وهو من كبار العشابين الذين كانوا يعالجون المرضى بالنباتات الطبيعية.

     ومع التطور الذي يشهده قطاع التصنيع الدوائي في العصر الحديث استبدلت العقاقير التقليدية بالعلاجات المتطورة الحديثة، وفي الآونة الأخيرة ومع ظهور دعاوى العودة إلى الطبيعة أصبح عالم الأعشاب الطبيعية سوقاً رائجة مربحة، ووصل الأمر حد المتاجرة بصحة الكثيرين ممن ينساقون وراء هذه الدعايات التي تزخر بها وسائل الإعلام المختلفة سواء أكانت مكتوبة أو مرئية تحت مسمى “الطب البديل”، وللأسف.. يلجأ الكثيرون لمثل هذه الوصفات مجهولة المصدر دون اكتراث لما قد يترتب على استخدامها من آثار جانبية، وسنحاول من خلال هذا التحقيق الوقوف على مدى الإقبال على مثل هذه الوصفات، وهل هي داء أم دواء، وأهم الضوابط التي تحكم استخدام هذه الأعشاب بوصفها وسيلة للتداوي سواء استخدمت في صورتها الطبيعية أو ضمن وصفة علاجية.

ضوابط

     ويرى د. خالد عبد الرحمن استشاري الجراحة أن للتداوي بالأعشاب الطبيعية أهمية كبيرة، فقد تداوى بها رسولنا الكريم [ وأصحابه، لكن العلاج بالأعشاب لا بد أن يكون له ضوابط وأهمها أن تكون هذه الأعشاب مضمونة المصدر، وأن يقتصر التعامل مع الأعشاب على المراكز الطبية والعلمية المعتمدة، وذلك لتحديد الجرعة الملائمة لكل مريض ومدى ملاءمة العشبة لحالة المريض العامة حتى لا يترتب على استخدامها بشكل عشوائي تعارض مع عقاقير أخرى يتناولها أو ما شابه ذلك، فلا بد أن تستخدم العقاقير معلومة المصدر التي أقرتها هيئة الغذاء والدواء ووزارة الصحة. ويضيف د. خالد: إن من الخطأ أن نتصور أن التداوي بالأعشاب آمن تماماً، فهناك أعشاب يسبب استخدامها أضراراً جسيمة للصحة العامة مثل استخدام الأعشاب الطبيعية كبديل للأنسولين في حالات السكري فقد يترتب على مثل هذا حدوث مضاعفات حادة للمرضى مثل غيبوبة السكر، ويلجأ البعض أيضاً لاستخدام هذه المواد المجهولة مع الجروح مما يترتب عليها آثار بالغة الخطورة، مشيراً إلى أنه يجب التعامل مع وسائل الإعلام التي تروّج لمثل هذه الأشياء بكل حزم، وأن تفرض عليها رقابة مشددة لخطورة الأشياء التي تروّجها على الصحة العامة.

الفائدة المرجوة

     وأوضح رضا الشمري الخبير في الأدوية العشبية أن كل شيء في الحياة له ضرر ونفع حتى الماء له أضرار ومنافع، وأن الأدوية العشبية تعد أقل ضرراً من غيرها؛ لأن الأغلب في الأدوية العشبية هو ما يُسمى بالأعشاب اللطيفة التي ليس لها سميات ويمتد استخدامها حتى للأطفال حديثي الولادة.  وأشار الشمري إلى أن المختصين أكدوا قدرة الأدوية العشبية على علاج أمراض مستعصية مشددين على أنه لكي تحصل الفائدة المرجوة من التداوي بالأعشاب يجب أن يخضع هذا النوع من الأدوية لعدة شروط من أهمها أن تكون العشبة أو الأجزاء النباتية التي تحتوي على المادة الفعَّالة قد جمعت ونظفت وجففت وخزنت تحت معايير علمية صحيحة، فضلاً عن تعبئتها بشكل سليم ونظيف مع ذكر تاريخ صلاحيتها وأضرارها الجانبية وتحديد الجرعة الملائمة للصغار والكبار، وإخضاعها للرقابة الصحية كما هو الحال بالنسبة للأدوية المصنعة وأن تطبق عليها شروط وإجراءات التسجيل بوزارة الصحة.

      وأردف الشمري قائلاً: إن من النادر جداً وجود أضرار للأدوية العشبية في حال استخدامها حسب وصفة الخبير بها، إلا أن الأخطاء الدوائية واردة في أنواع الطب كلها، ونسبة كبيرة منها تحدث في الطب الحديث، فقد أثبتت التحاليل أن هناك خلطات لأدوية عشبية وأخرى طبية حديثة تستخدم لتخفيف الوزن تسبب الفشل الكلوي وتلف الكبد وسرطان القولون، مشيراً إلى أن هذه الوصفات وغيرها من الخلطات التي تروّج على أنها صالحة لعلاج أكثر من عشرة أمراض في آن واحد الهدف الأول والأخير وراءها هو هدف ربحي بحت، مطالباً بضرورة تدخل وزارة الصحة لتصحيح أوضاع مراكز العلاج بالأعشاب، ووضع ضوابط لها لمنع الدخلاء على المهنة من العمل باسمها، وإلحاق الضرر بمن يتعاملون بها من المرضى فضلا عن رواج سمعة سيئة لهذا النوع من الطب.

تأثير لطيف

      ومن جانبه أشار الدكتور محمد رأفت عبد الله رئيس قسم الأدوية بكلية الصيدلة في جامعة أم القرى، إلى أن الأعشاب الطبيعية منحة من منح المولى عزَّ وجلَّ لبني البشر خلقها للتداوي بها من الأمراض تحقيقاً للحديث الشريف: «إن الله لم يخلق داء إلا جعل له دواء»، ونوضح بداية أن التأثير العلاجي للأعشاب الطبيعية لطيف – لا نقول ضعيف – أي إنه غير حاد ومعتدل، ويحدث تدريجياً ويعود ذلك إلى أمرين، أولهما: أن كمية المادة الفعالة في العشب نسبة إلى وزن أو حجم المتناول لها تعد قليلة مقارنة بالدواء المستخلص أو المصنع، وثانيهما: أن الأعشاب في حالتها الطبيعية توجد بها مواد أخرى كثيرة قد تخفف من تأثير المادة الفعالة بها أو تحد من سرعة امتصاصها، ومن هنا فاستخدام الأعشاب لعلاج الحالات الطارئة أو الأمراض الحادة التي تحتاج إلى تدخل علاجي سريع قد يكون غير ملائم.

      أما في الحالات المزمنة أو الوقاية من بعض الأمراض كحساسية الصدر والأرق والإمساك فهناك من الأعشاب ما يستخدم لعلاجها بكفاءة عالية، فمثلاً في حالات التهاب جدار المعدة غير البكتيري فاستخدام الشيح أو البابونج يعالجه بكفاءة ليس لها مثيل، في حين أنه لا يجدي في العلاج الطارئ لقرحة المعدة النازفة، والزنجبيل مثلاً له تأثير فائق في تنشيط الدورة الدموية وزيادة سيولة الدم ولكن هذا التأثير يحتاج إلى أسبوع أو أسبوعين ليبدأ في الظهور وهو ما لا يلائم منع الجلطات المتوقعة بعد قسطرة القلب أو جراحات الشرايين التاجية على سبيل المثال.

عنصر أمان

      ويوضح د. محمد عبد الله أن لطف تأثير الأعشاب وبطء مفعولها يعد عنصر أمان ضد الوصول إلى جرعات مفرطة أو سامة، أي إنها من هذه الناحية تعد أكثر أماناً من الأدوية المستخلصة أو المصنعة، وخلاصة القول أن الفوائد العلاجية للأعشاب الطبيعية لا ينكرها منصف، ولكن يجب معرفة متى تستخدم وكيف؟ فنحن لا نرجحها على الأدوية المصنعة ولا نرجح الأخيرة عليها، فلكل موقعه على الخريطة العلاجية، والقاعدة هي اتباع الإرشادات العالمية في مجال التداوي من الأمراض، وعدم اللجوء من تلقاء أنفسنا أو بنصائح يوجهها لنا الأصدقاء من دون علم.

      وأردف د. محمد عبد الله قائلاً: هناك كلمة أخيرة لا بد منها وهي أن هناك شروطاً للاستخدام الآمن للأعشاب، أهمها هو الحصول عليها من مصدر موثوق منه، فهناك العديد من الشركات المتخصصة التي تقوم بزرع هذه الأعشاب في بيئة زراعية ملائمة وآمنة، وجمعها بطريقة علمية سليمة، وغالباً ما تكون معتمدة من وزارة الصحة في بلد المنشأ ومرخصا لها بالعمل في هذا المجال، مضيفاً أن من الشروط المهمة أيضاً للتداوي بالأعشاب أن تكون هناك معايير لهذه الأعشاب من قبل الشركة المنتجة لتحديد نسبة المادة أو المواد الفعالة بطريقة علمية سليمة، وتجهيز العشب على شكل جرعات محددة في أكياس أو أقراص مثلاً حتى يتجنب المريض الحصول على جرعة زائدة منه.

     ويشير د. محمد عبد الله بأصابع الاتهام لوسائل الإعلام التي تروّج للوصفات مجهولة المصدر موضحاً أن القاعدة التي يجب أن تتبع إعلامياً هي أن الدواء ليس سلعة استهلاكية يمكن تشجيع المستهلك على شرائها، فهذا منحى شديد الخطورة يجب عدم الانسياق فيه، فالمريض أسير لآمال الشفاء، ويجب عدم العزف على أوتار الأمل بالشفاء بأي وسيلة إعلانية لا تلميحاً ولا تصريحاً؛ لكي يظل المفهوم السائد هو أن كل دواء سم لا يتم اللجوء إليه إلا للضرورة، فكل دواء سم، والجرعة هي التي تحدد النفع أو الضرر من ورائه -حتى الفيتامينات والأملاح والمعادن التي يظن الكثيرون أنها خالية من الأعراض الجانبية والأضرار؛ إذ يؤدي تجاوز الحاجة إليها إلى استنزاف وظائف الكبد والكلى للتخلص منها.

      ويلقي بالمسؤولية الكبرى على وسائل الإعلام التي تسمح بهذه الإعلانات سعياً وراء الربح المادي على حساب الوعي الصحي للمتلقي، ثم الشركة المنتجة لهذه الأدوية، ثم المتلقي الذي يجب توعيته ضد الانسياق وراء هذه الدعاوى دون حساب للعواقب والتي قد يكون أقلها هو تفاقم المرض لعدم الحصول على العلاج الصحيح في الوقت الصحيح.

أمر متوارث

     تقول سلمى (طالبة جامعية): إن استخدام الأعشاب الطبيعية ووصفاتها معروف منذ القدم، وهو أمر متوارث في مجتمعاتنا ولكن ليس كل ما هو موروث صحيحاً، فهناك عادات يجب مكافحتها والقضاء عليها، فبالرغم من ورود بعض هذه الأعشاب والنباتات الطبيعية في الأحاديث النبوية الشريفة التي توضح لنا فوائدها، إلا أن هناك استغلالاً لهذه الأحاديث الشريفة في الترويج لوصفات ليست لها أساس وقد يترتب على استخدامها ما لا يحمد عقباه، وتؤيد سلمى اللجوء لمثل هذه النباتات الطبيعية في علاج الأشياء البسيطة مثل المغص أو نزلات البرد البسيطة مع استشارة ذوي الخبرة من الأطباء المتخصصين لتصحيح بعض موروثاتنا الخاطئة.

مبالغات

     وتشير معالي العتيبي (مدرسة): إلى أن المبالغات التي تحملها الدعايات الإعلانية هي التي تدفع البعض إلى تجريب هذه الوصفات أملاً في الوصول إلى النتائج التي يقدمونها على هيئة قبل وبعد، وتوضح العتيبي أن أكثر الفئات تأثراً بمثل هذه الإعلانات هي النساء، فإعلانات العناية بالشعر والبشرة تخاطب رغبتهن في الوصول للجمال بأسرع وقت ممكن، فالأمر يحتاج إلى توعية وحملات مضادة تعرض حالات تعرضن بالفعل لتشوهات وآثار جانبية خطيرة نتيجة استخدام مثل هذه المنتجات التي تباع باسم «جمالك من الطبيعة» وغيره.

فئران تجارب

      أما خالد بازهير موظف فقال: إنه لا يلجأ لمثل هذه الوصفات؛ لأنه يرى أن من الأفضل اللجوء إلى الأطباء من ذوي الخبرة واعتماد على وصفاتهم من الأدوية الطبية المجربة والمعروفة والمحددة بجرعات معينة تختلف باختلاف السن أو الوزن، وكذلك هذه الأدوية تكون آثارها الجانبية معروفة ومحددة، ويرى أن مروّجي مثل هذه الوصفات مجهولة المصدر يعدون المرضى فئران تجارب ويتجاهلون آلامهم ويستغلون أملهم في الشفاء لتحقيق الثراء السريع، وأردف قائلاً: إن استخدام هذه الوصفات من مظاهر التخلف والجهل خاصة في الوقت الذي يشهد تطورات كبيرة في مجال معالجة هذه الأعشاب بشكل علمي متطور يضمن استخدامها بشكل آمن يتناسب مع طبيعة حالة المريض.

وصفات محيرة

     وتقول نورا (ربة منزل): إن الكثيرين من أقاربها وجيرانها يقبلون على هذه الوصفات المعلن عنها في وسائل الإعلام المختلفة أو التي توصف لهم من خلال أحد العطَّارين المشهورين بتقديم مثل هذه الأشياء، وتستخدم أحياناً لعلاج أمراض خطيرة مثل السرطان أو الحصوات وحتى لمن يرغبون في الإنجاب، وتضيف أن هذه الوصفات تأتي فعلاً بنتائج إيجابية مما يشجع الآخرين على استخدامها، فهذه الحالات التي تُشفَى باستخدام هذه الوصفات هي أفضل دعاية لها، وإن كانت هذه النتائج الإيجابية على المدى القريب من دون أن نعرف تبعاتها، وفي المقابل أعرف أشخاصاً تعقّدت حالاتهم المرضية وازدادت سوءاً مع استخدام هذه الوصفات، فالأمر حقيقة محير ويحتاج لنوع من التوعية من خلال الجهات المعنية بالصحة كافة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك