الأشهر الحرم – حقيقتها وتعظيمها والأعمال المحرمة فيها
شرع الله مواسم للطاعات وخصص أوقاتًا للقربات يزداد فيها المؤمن إيمانًا ويتزود فيها من العبادات ويجتنب المعاصي والموبقات
الأشهر الحرم هي الأشهر التي خصَّها الله بالتحريم من شهور السنة وهي أربعة أشهر: واحد فرد وهو: شهر رجب، وثلاثة سرد وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم.
الظلم في الأشهر الحرم أشدّ من الظلم في غيرها لأن الله سبحانه وتعالى أكَّد على حرمة الظلم فيها وخصَّها بذلك
الأشهر الحرم تتضمن أيامًا عظيمة ومواسم جليلة للطاعة والعبادة وينبغي للمسلم تعظيمها بالوسيلة التي أمر الله تعالى بها
استدلّ أهل العلم بما ورد عن النبي- صلى الله عليه وسلم -باستحباب صيام شهر الله المحرم
مِن أجَلِّ نِعَم الله -تعالى- على المسلم أن شرَع له دينًا متنوِّع العبادات؛ فهو يتنقّل بين العبادات البدنيّة كالصلاة، والعبادات المالية كالصدقة والزكاة، والعبادات البدنية المالية كالحجّ والعمرة، والعبادات القلبية كالخشوع والتوكل والخشية والإنابة، ثم شرع له مواسم للطاعات وخصَّص أوقاتًا للقربات، يزداد فيها المؤمن إيمانًا، ويتزوَّد فيها من العبادات، ويجتنب فيها المعاصيَ والموبقات، ويبتعد عن الظلم والمفسِّقات، فجعل ليلةَ القدر خيرًا من ألف شهر، وجعل صومَ الستّ من شوال كصوم الدّهر، وجعل العمل في عرفة تباهيا أمام الملائكة، وعظَّم أجر العمل في عشر ذي الحجة، ومن تلك المواسم الأشهر الحرم.
ما الأشهر الحرم؟
الأشهر الحرم هي الأشهر التي خصَّها الله بالتحريم من شهور السنة؛ حيث قال: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (التوبة: 36)، وهي أربعة أشهر: واحد فرد وهو: شهر رجب، وثلاثة سرد وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم.
أدلة حرمتها
الدليل على تحريمها واضح صريح في كتاب الله -تعالى-، وهي قول الله -تعالى-: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (التوبة: 36)، والمقصود بمطلع هذه الآية «أن الله -سبحانه وتعالى- لما ابتدأ خلق السماوات والأرض جعل السنة اثني عشر شهرًا».
يقول الإمام الطبري (310هـ) -رحمه الله- في تفسيرها: «يقول -تعالى- ذكره: إن عدة شهور السنة {اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ}، الذي كتبَ فيه كل ما هو كائن في قضائه الذي قضى {يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}، فهذه الشهور الاثنا عشر منها أربعة أشهر حرم، كانت الجاهلية تعظمهن وتحرِّمهن، وتحرِّم القتال فيهن، حتى لو لقي الرجل منهم فيهن قاتل أبيه لم يَهِجْهُ، وهن: رجب مُضر، وثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ».
بيان حرمتها في السنة
وكذلك وردت الأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة في بيان حرمة هذه الأشهر، فقد ورد في المتفق عليه من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان».
وفي بيان معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض»، يقول ابن كثير (774هـ) -رحمه الله-: «تقرير منه -صلوات الله وسلامه عليه- وتثبيت للأمر على ما جعله الله -تعالى- في أول الأمر من غير تقديم ولا تأخير، ولا زيادة ولا نقص، ولا نسيء ولا تبديل، كما قال في تحريم مكة: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وهكذا قال هاهنا: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض» أي: الأمر اليوم شرعًا كما ابتدأ الله ذلك في كتابه يوم خلق السموات والأرض».
سبب تسميتها بالأشهر الحرم
وقد سمِّيت الأشهر الحرم بهذا الاسم لآكدية حرمة الظلم والقتل فيها مع كونه محرمًا في غيرها، ولا يعني ذلك جواز القتال في غيرها كما كان الأمر في الجاهلية، بل إن تسمية غالب أشهر السنة عند العرب التُفت فيها إلى حرمة الأشهر الحرم، فأول شهور السنة سمِّي المحرَّم؛ لكونه من الأشهر الحرم، يقول ابن كثير (774هـ) -رحمه الله-: «وعندي أنه سمي بذلك تأكيدًا لتحريمه؛ لأن العرب كانت تتقلب به، فتحله عامًا وتحرمه عامًا، وثاني شهور السنة سمِّي بصفر؛ لأنهم ينطلقون فيه للقتال والأسفار، فتخلو بيوتهم من الناس، فصفر بمعنى الخلوّ، وكذلك سمِّي شهر رجب بهذا الاسم من الترجيب وهو التعظيم؛ تعظيمًا لحرمة هذا الشهر، فهو من الأشهر الأربعة الحرم، وسمِّي الشهر الذي يليه بشهر شعبان؛ لأن القبائل كانت تتفرق فيه وتتشعب للقتال بعد أن حُبست شهرًا كاملًا عنه أعني شهر رجب، وكذلك سمِّي شهر ذي القعدة بهذا الاسم لقعودهم عن القتال والترحال فيه؛ لأنه من الأشهر الحرم؛ وبهذا يظهر ارتباط الأشهر الإسلامية بهذا الأمر العظيم، وهو تعظيمُ الأشهر الحرم التي حرمها الله واحترامُها».
حِكَم وأحكام في الأشهر الحرم
أول ما أمر الله به حين تكلم عن الأشهر الحرم هو النهي عن الظلم فيها، فقال سبحانه: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} (التوبة: 36)، أي: «فلا تعصوا الله فيها، ولا تحلُّوا فيهن ما حرَّم الله عليكم، فتكسبوا أنفسكم ما لا قِبَل لها به من سخط الله وعقابه، فينبغي للمسلم تعظيم هذه الأشهر التي عظَّمها الله -سبحانه وتعالى- باجتناب المعاصي والابتعاد عن المحرمات وعن الظلم بكل أنواعه».
الظلم فيها أشدّ من الظلم في غيرها
الظلم فيها أشدّ من الظلم في غيرها؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- أكَّد على حرمة الظلم فيها وخصَّها بذلك، وهو الراجح من أقوال العلماء أن هاء الضمير في قوله -تعالى-: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ} (التوبة: 36) عائد إلى الأشهر الأربعة الحرم، ولا يُفهم من كون الضمير عائدًا إليها وتخصيصها بالنهي عن الظلم أن الظلم في غيرها جائز، «بل ذلك حرام علينا في كل وقتٍ وزمانٍ، ولكن الله عظَّم حرمة هؤلاء الأشهر وشرَّفهن على سائر شهور السنة، فخصّ الذنب فيهن بالتعظيم، كما خصّهن بالتشريف».
يفتتح بها العام الهجري
الأشهر الحرم يفتتح بها العام الهجري بالمحرَّم، ويختتم بها بشهري ذي القعدة وذي الحجة، كما أنها كذلك حاضرة في وسط العام وهو شهر رجب؛ لتذكِّر المسلم بتعظيم الله -جل وعلا- وتردعه عن الظلم بشتى أنواعه في السنة كلها، وهذا من النكات اللطيفة كما نبَّه على ذلك الحافظ ابن حجر: «للأشهر الحرم مزية على ما عداها، فناسب أن يبدأ بها العام وأن تتوسطه وأن تختم به، وإنما كان الختم بشهرين لوقوع الحج ختام الأركان الأربع؛ لأنها تشتمل على عمل مال محض وهو الزكاة، وعمل بدن محض؛ وذلك تارة يكون بالجوارح وهو الصلاة، وتارة بالقلب وهو الصوم؛ لأنه كفٌّ عن المفطرات، وتارة عمل مركب من مال وبدن وهو الحج، فلما جمعهما ناسب أن يكون له ضعف ما لواحد منهما، فكان له من الأربعة الحرم شهران».
الأشهر الهلالية هي الأشهر الإسلامية
الأشهر الهلالية هي الأشهر الإسلامية المعتدّ بها شرعًا، ولا سيما في الأعياد والصيام والحج، وغالب المسلمين اليوم -مع الأسف- يعتدّون بالأشهر الميلادية، يقول القرطبي (671هـ) -رحمه الله-: “هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب، دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط وإن لم تزد على اثني عشر شهرا؛ لأنها مختلفة الأعداد، منها ما يزيد على ثلاثين ومنها ما ينقص، وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين وإن كان منها ما ينقص، والذي ينقص ليس يتعين له شهر، وإنما تفاوتها في النقصان والتمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج.
الإكثار من الأعمال الصالحة فيها
الإكثار من الأعمال الصالحة فيها تعظيمًا لهذه الأشهر؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- عظَّمها وحرَّمها، {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج: 32)، قال الإمام الطبري (310هـ) -رحمه الله-: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله -تعالى ذكره- أخبر أن تعظيم شعائره، وهي ما جعله أعلاما لخلقه فيما تعبّدهم به من مناسك حجهم، من الأماكن التي أمرهم بأداء ما افترض عليهم منها عندها، والأعمال التي ألزمهم عملها في حجهم: من تقوى قلوبهم، لم يخصّص من ذلك شيئا، فتعظيم كل ذلك من تقوى القلوب، كما قال -جل ثناؤه-، وحق على عباده المؤمنين به تعظيم جميع ذلك»، فضلا عن ذلك فإن العمل الصالح مانع للإنسان من الانزلاق في مهاوي الظلم والظلمات ومساوئ الشهوات والشبهات، أعاذنا الله منها.
استحباب الصوم فيها
استحباب الصوم فيها، وقد استدلّ أهل العلم على ذلك بما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم - باستحباب صيام شهر الله المحرم؛ حيث جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل، يقول الإمام النووي (676هـ) -رحمه الله-: «ومن الصوم المستحبّ صوم الأشهر الحرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وأفضلها المحرم».
ورد في الآية النهي عن القتال في الأشهر الحرم، ولقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فبعضهم يقول بأن النهي منسوخ، وبعضهم يقول بأن ذلك من المحكم لا المنسوخ، والأول أرجح؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم - غزا هوازن فيها، يقول الألوسي: «الجمهور على أن حرمة المقاتلة فيهن منسوخة، وأن الظلم مؤول بارتكاب المعاصي، وتخصيصها بالنهي عن ارتكاب ذلك فيها، مع أن الارتكاب منهي عنه مطلقًا لتعظيمها، ولله سبحانه أن يميز بعض الأوقات على بعض، فارتكاب المعصية فيهن أعظم وزرا كارتكابها في الحرم وحال الإحرام».
تتضمن أيامًا عظيمة ومواسم جليلة
كذلك فإن الأشهر الحرم تتضمن أيامًا عظيمة ومواسم جليلة للطاعة والعبادة، وينبغي للمسلم تعظيمها ومن ذلك:
أيام عشر ذي الحجة
خير أيام الدنيا، وهي أيام عشر ذي الحجة؛ حيث أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها أفضل الأيام، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟» قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء»، فمن تعظيم الأشهر الحرم تعظيم هذه الأيام واستغلالها بالصيام والصدقة والصلاة وقراءة القرآن وإعمار للأوقات الفاضلة بالطاعات.
يوم عاشوراء
ومن تعظيمه العمل بما أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فيه، ففي المتفق عليه من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟»، قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه، وأمر بصيامه، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: «ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر» يعني شهر رمضان.
يوم عرفة
وقد عظمه المولى -سبحانه وتعالى- وجعله يومًا من الأيام المشهودة التي يباهي بعباده ملائكته، ويعتق فيه خلقًا كثيرًا من النار، وعلى المسلم تعظيم ما عظَّم الله بالوسيلة التي أمر بها.
يوم النحر
وهو العيد الثاني من أعياد المسلمين، وفيه يقوم الحاج بمجموعة من أعمال الحج من رمي جمرة العقبة والطواف بالبيت والحلق أو التقصير وذبح الهدي؛ كما أن غير الحاج يسنّ له فيها أن يضحِّي، وهذا من أوجه تعظيم هذا اليوم بالانشغال فيه بطاعة الله -سبحانه وتعالى- كل بحسبه، ومن ذلك استحباب التوسع في الأكل فيه؛ لأنه يوم أكل وشرب وذكر لله.
أيام التشريق
وتعظيمها يكون بذكر الله -تعالى- فيها وشكره وتعظيمه وتكبيره.
لاتوجد تعليقات