رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 6 يونيو، 2017 0 تعليق

الأسرة في رمضان- في رمضان: القرآن يربي أبناءنا


تُعلمنا آيات الصوم العظيمة بأن هناك ارتباطاً قوياً بين شهر رمضان والقرآن الكريم، قال -تعالى-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنزِلَ فيهِ القُرْآن} -البقرة:185-، وتشعرنا أنه من أعظم مقاصد الصوم تصفية الفكر لأجل فهم معاني القرآن، وإذا كانت وظيفة رمضان الكبرى هي الاعتناء بالقرآن الكريم تلاوةَ، وتدبراً وقياماً به لرب العالمين؛ فوظيفة المربي هي نقل هذه العقيدة لأبنائه وتنشئتهم عليها حتى تصير لهم عادة تمتزج بكيانهم.

     وفي شهر رمضان تتهيأ الفرصة الزمانية للمربي كي يؤسس في نفوس أبنائه هذا الارتباط الوثيق بالقرآن العظيم؛ لأنهم يروْن الوالديْن والمحيطين بهم يقبلون أكثر من ذي قبل على تلاوة القرآن، ويفرّغون لها أنفسهم، سُئل الزهري – رحمه الله - عن العمل في رمضان فقال: {إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام} – وظائف رمضان:42 - فمن خلال ربطهم بالقرآن الكريم وهم صغار تمتليء قلوبهم بالإيمان وبتعظيم الخالق جلّ وعلا، كما تتكون لديهم الأفكار الصحيحة تجاه أنفسهم وتجاه الكون والحياة التي يعيشونها، وبالتالي يصيرون محصَّنين أمام المؤثرات الوافدة من الثقافات غير الإسلامية، لاسيما وأن لديهم في مراحل النمو استعدادا كبيرا للتقليد والمحاكاة.

كيف يربط المربي أبناءه بالقرآن الكريم؟

     يعطي المربي الأهمية الشديدة لحلقة القرآن التي يعقدها لأسرته في المنزل، فيحترم المربي موعدها ويفرّغ لها نفسه، وإن توفر لأبنائه حلقة قرآنية في المسجد القريب فلا يتردد في إلحاقهم بها؛ فهي نور على نور وتوكيد لعمله في الحلقة المنزلية، وليكن ذلك بمجرد أن يعقلوا، وتفصح ألسنتهم بالكلام بما يناسب أعمارهم حتى تصير الجلسة القرآنية عادة أسرية راسخة في نفوسهم.

متابعة الأبناء

     متابعة الأبناء للوقوف على مدى مواظبتهم على قراءة وِردهم اليومي من القرآن الكريم، وتعليمهم أن المحافظة على وِرد القرآن من عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه -رضي الله عنهم-؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نام عن حزبه أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كُتِبَ له كأنما قرأه من الليل» – رواه مسلم:747 –.

تخصيص وقت من الليل

     تخصيص وقت من الليل لمدارسة القرآن مع الأبناء، ففيه تشبه بالسلف -رحمهم الله- ومتابعة لهدْيهم، وإذا كان رمضان بتمامه زماناً شريفاً للتلاوة والذكر، فإن لياليه أنسب لذلك؛ فهي أرق في الشعور، وأدق في التدبر، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبرائيل فيدارسه القرآن، وكان جبرائيل يلقاه كل ليلة من شهر رمضان» – متفق عليه – قال ابن رجب – رحمه الله – معلقاً على هذا الحديث «دلَّ على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً، فإن الليل تقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر، كما قال -تعالى-: {إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا} – المزمل:6-.

بناء العقيدة

     استغلال مدارسة القرآن مع الأبناء في بناء عقيدتهم في الإيمان بالكتب السماوية المنزّلة من عند الله -تعالى- وآخرها القرآن الكريم، وهو ركن من أركان الإيمان الستة التي لا يصح إيمان العبد حتى يؤمن بها جميعا، قال -تعالى-: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة: 285)؛ ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى الإيمان قال: {أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, وتؤمن بالقدر خيره وشره»  (متفق عليه).

معجزة الله الخالدة

- وهذا الإيمان يقتضي أن يتعلم الأبناء أنّ القرآن الكريم هو معجزة الله الخالدة، بمعنى أنّه نزل ليكون منارًا ومرجعًا للأجيال المتعاقبة إلى يوم القيامة، ولا يختص بفترة زمنية معينة.

ناسخ لما قبله

- أن القرآن الكريم ناسخ لما قبله من الكتب ومهيمن عليها جميعا، قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} - المائدة: 48-، وأنّ كل كتاب سابق كان يأمر أتباعه باتباع القرآن إذا أدركوا زمان نزوله، وأنّه انتقل إلينا من جيل إلى جيل سالمًا من التحريف؛ لأنّ الله -تعالى- قد تكفّل بحفظه، في حين أنّ باقي الكتب لم تسلم من التحريف، قال -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} - الحجر:9-  (الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة، حنان الطوري، ص:105، بتصرف).

نعمة الله الكبرى

- وهو نعمة الله الكبرى على عباده؛ إذ أذن لمخلوقات ضعيفة مثلنا أن تناجيه، وتبحث في كتابه وتتدبر معانيه، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} - العنكبوت: 51-.

يقول ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-: «ينبغي لتالي القرآن العظيم أن ينظر كيف لطف الله -تعالى- بخلقه في إيصال معاني كلامه إلى أفهامهم، وأن يعلم أن ما يقرأه ليس من كلام البشر، وأن يستحضر عظمة المتكلم -سبحانه- ويتدبر كلامه».

الأجر العظيم

- ترغيب الأبناء في الأجر العظيم لقاريء القرآن، إذ يحوز أكبر الحسنات، ويرتقي أرفع الدرجات، قال -تعالى-: «إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ» - فاطر: 29-30 -. بل إنّ الله -تعالى- اصطفى لنفسه أهل كتابه التالين له، والعاملين به؛ فجعلهم أهله وخاصته، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله -تعالى- أهلين من الناس، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: هم أهل القرآن أهل الله وخاصته». - صححه الألباني في صحيح الجامع، (2165) – (روح الصيام ومعانيه، د.عبد العزيز مصطفى، ص:53).

تدريب الأبناء على التدبر

     تدريب الأبناء على تدبر القرآن الكريم؛ ففي حلقة القرآن يتلقى الأبناء تدريبًا عمليًا على تلاوة القرآن الكريم، وتعلم أحكامه، والتهجد به في الصلوات، كما يتدربون أثناء التلاوة على آدابها المستحبة مثل الوضوء و الهيئة الحسنة، والإقبال على التلاوة بفهم وتدبر، فإذا مروا بآية رحمة سألوا الله من فضله، وإن مروا بآية عذاب استعاذوا، وإذا مروا بآية سجدة كبّروا وسجدوا، كذلك يؤدبون على احترام القرآن والإنصات له عندما يتلى عليهم.

     قال الإمام النووي: «ومما يُعتنى به، ويتأكد الأمر به احترام القرآن من أمور يتساهل فيها بعض الغافلين، فمن ذلك: اجتناب الضحك، واللغط، والحديث أثناء التلاوة إلا كلامًا قد يضطر إليه، ومن ذلك العبث باليد، والنظر ما يلهي ويبدد الذهن، وليمتثل قول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} - الأعراف: 204-» (الأسلوب الأمثل في تربية البنات،يوسف رشاد،ص:94).

تغيير الأفكار والتصورات

     اجتهد في تربية أبنائك وتحصينهم بالقرآن الكريم؛ فالقرآن يغير أفكارهم وتصوراتهم عن مفردات الحياة، ويرسي قواعد التصور الإسلامي في عقلهم ووجدانهم، ومن ثمّ تتغير اهتماماتهم تبعًا لذلك، لترتقي أهدافهم ويصبح همّهم وتطلعاتهم نحو ما يرضي الله تعالى، والقرآن بما تضمنه من ترغيب وترهيب، يولّد في نفوسهم الطاقة الإيجابية، ويجعلهم يتوجهون تلقائيًا إلى تصريفها في أعمال البر المختلفة دونما توجيه من أحد.

كما يزرع القرآن الكريم في نفوسهم الحصانة الإيمانية والأخلاقية؛ حيث يعرّفهم بالله عزّ وجلّ؛ فتمتليء قلوبهم بتعظيم مولاهم وخوفه ورجائه، فيبتعدون طواعية عن اقتراف أي فعل أو قول يغضب الله تعالى.

وهكذا يستمر القرآن في زيادة الإيمان إلى أن يحرر القلب من الهوى، وينطلق بهم إلى السماء نفوساً طاهرة وقلوبًا ربانية موصولة بالله عز وجل، في رمضان وبعده إن شاء الله عز وجل.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك