رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 27 مايو، 2017 0 تعليق

الأسرة في رمضان.. تعويد الأبناء على الصيام

 

روي عن محمد بن مسلمة  رضي الله عنهعن النبي  صلى الله عليه وسلمأنه قال: « إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا» - رواه الطبراني في الكبير رقم: 2398 - إنّ من بركات مواسم الخيرات ما تثيره في النفس من مشاعر روحانية عالية مصدرها استشعار القرب من الله -تعالى- في أيام وعد فيها بالمغفرة والرحمة ومضاعفة الأجر والثواب، وفي الأيام المعدودات في شهر الصيام، تتوفر للمربي فرصة جيدة ليغرس الإيمان في نفوس أبنائه، وللاستمرار في المتابعة والتقويم مع جميع أفراد أسرته، ولن يجد الوالدان ميداناً للتربية الإيمانية للأبناء، ولا مجالاً للتقويم والتغيير الإيجابي داخل الأسرة أفضل من تلك الأيام المعدودات المباركات.

متى يبدأ الصغير بالصيام؟

     إنّ من أهم حقوق الأبناء على الآباء تعليمهم وإعدادهم لسن التكليف، وقيام المربي بهذا الدور من أعلى القربات إلى الله تعالى، وهي من أخصّ معاني الأبوة والأمومة؛ إذ لو قصّر المربي في تدريب ولده على أداء العبادات المكلف بها منذ الصغر؛ فسيكبر وقد انطبعت نفسه على إهمالها والتفريط في أدائها، ولن يجد الولد من يقوم تجاهه بهذا الدور بعد الوالدين؛ لذلك كان الصالحون منذ عهد الصحابة -رضوان الله عليهم- وإلى يومنا هذا يدركون أن التدريب العملي على العبادات وغيرها من الأعمال التي لا غنى للطفل عنها هي من صميم مسؤوليات الوالدين التي لا يُقبل أبداً منهما تساهل في أدائها أبداً، وما يقال في الصلاة يقال في الصيام أيضاً، فقد روي عن الصحابة -رضوان الله عليهم- أنهم كانوا يدربون أبناءهم الصغار على الصيام، ويعودونهم عليه، وأقرهم على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن الربيع بنت معوذ قالت:أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليهم، قالت: فكنا نصومه بعد ونصوّم صبياننا. ونجعل اللعبة من العهن (الصوف المصبوغ)، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار. – صحيح البخاري: باب/صوم الصبيان ج/3،ص:82-

التدرج في تعويد الطفل على الصيام

      لا يعني تدريب الأولاد على الصيام فرضه عليهم؛ فإن جمهور العلماء يفتون بأن الصيام غير واجب على من هو دون البلوغ ؛ لكن المقصود من هذه الأحاديث مشروعية تمرين الصبيان على الصيام وتعويدهم عليه واستحباب ذلك على أنّ تعويد الطفل على الصيام يحسن أن يكون بالتدريج؛ فذلك أدعى لثبات الطفل عليه إن شاء الله، وقد كان بعض السلف -رضوان الله عليهم- يُوقِّتون بداية أمر الصبي بالصيام إذا أطاقه، ويراعى أنّ الأطفال الكبار دون البلوغ أولى بهذا التمرين، ولاسيما إذا قاربوا الحلم؛ حيث يكونون أقدر على تحمُّل الصوم ومشقته.

وليراعَ التدرج في الجوانب كلها هكذا:

- الصوم الجزئي: كأن يتعود الطفل على الإمساك عن الطعام والشراب إلى منتصف النهار أو إلى العصر، حتى إذا قوي على ذلك و تعود عليه انتقل إلى مرحلة تالية.

- التدرج في الصوم: يبدأ الطفل صوم يوم كامل، ثم يفطر أياماً، ويزيد أيام صومه بعد ذلك تدريجياً.

- يُجنب الطفل الصوم في الأيام شديدة الحرارة.

- يراعي المربي أن يجنب الطفل الإفراط في النشاط الحركي والرياضي أثناء الصوم.

- لابد من إيقاظ الطفل لتناول وجبة السحور؛ فالسحور بركة، وحتى يقوى على الصيام.

- في حال أحسّ الطفل بجوع أو عطش شديد ينصح بالإفطار وعدم المكابرة؛ لأنه مازال في مرحلة التدريب. (د.مصطفى أبو سعد: التربية الإيجابية من خلال إشباع الحاجات النفسية للطفل، ص:191).

     كما يمكن للأب أن يقدم لأولاده اللُّعب المختلفة، عند الحاجة ليلهيهم بها عن طلب الطعام، اقتداء بالسلف الصالح، ولا بأس أن يخرج بهم للنزهة أو المسجد إذا احتاج الأمر، فإن بعض السلف كانوا يأخذون الأولاد إلى المسجد في يوم عاشوراء، ويجعلون لهم الألعاب من الصوف ليتلهوْا بها عن طلب الطعام. (د.عدنان حسن باحارث: ملف التربية التعبدية للطفل: شبكة الانترنت).

الصوم والبناء التعبدي للطفل

     إنّ أهم قضية ينبغي على المربي أن يهتم بها بعد التربية الإيمانية للطفل هي غرس مفهوم العبودية للخالق -سبحانه وتعالى- في نفس ولده من خلال تدريبه عملياً على الالتزام بفرائض الإسلام والتمسك بأحكامه وتعظيم شعائره. لقد اهتم الإسلام بمرحلة الطفولة؛ لأنها أكثر قابلية للتعليم والتأثير والمحاكاة؛ لذا يؤمر الآباء والمربون بتدريب أطفالهم على أداء الفرائض والعبادات حتى إذا بلغوا سن التمييز كان أداؤها سهلاً عليهم؛ وصارت تنبع منهم كالعادة المتأصلة بلا مشقة أو كلفة، ويستطيع المربي من خلال تدريب الطفل على الصيام أن يغرس فيه الكثير من عبادات القلب والجوارح، ومع التكرار والمتابعة والمداومة تصير له عادة أصيلة طوال حياته إن شاء الله، ومن أهمها:

الإخلاص

     يطيب للمربي أن يبدأ الغرس المبارك بتلقين أبنائه معاني الإخلاص ومراقبة الله -تعالى- في أقوالهم وأعمالهم كلها، وامتداد ذلك إلى علاقاتهم بمن حولهم.. والصوم مدرسة الإخلاص الكبرى؛ لأنه لا يطلع عليه أحد إلا الله تعالى، ففي الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» – رواه البخاري ومسلم -، ومعناه أنّ الصوم بعيد عن الرياء لخفائه، وأنه لا يعلم عظيم أجره إلا الله سبحانه. ولأن شهر رمضان حافل بالعبادات، فعلى المربي أن يداوم على الربط بين أداء تلك العبادات وبين ضرورة الإخلاص لله فيها، معلِّماً ولده هذا الأساس التعبدي المتين، فعند إخراج زكاة أو صدقة يذكّرهم بأنها تقع في يد الله -تعالى- قبل يد الفقير، وعند تهنئة جيران أو أصدقاء في مناسبةأو مواساتهم في أمر نزل بهم، أو تقديم مساعدة، وعند اصطحابهم لزيارة الأقارب وصلة الأرحام يذكرهم بمعاني الإخلاص في كل ذلك. وهكذا يتقلّب الجميع كبارا وصغارا في نعيم العبودية، الذي لو علمه الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليه بالسيوف! (د.فوزية الخليوي: مقال: نعيم العبودية - شبكة الإنترنت).

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك