رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 26 يوليو، 2018 0 تعليق

الأسرة.. حصن التربية المنيع..!


إنّ بداية الطريق الصحيح لإصلاح الفرد وتأسيسه على قيم الإسلام وما تمثله من حصانة دينية وأخلاقية للفرد، إنما يبدأ ويستمر في (الأسرة).. تماماً مثلما أن تقصير الأسرة في أداء رسالتها، يعد من أهم العوامل التي تؤدي إلى جنوح الفرد ثم إلى فساد المجتمع.

     تلكم هي الحقيقة الثابتة التي لابد أن يعيها المربون وينتبهوا لها، إنها أهمية (مؤسسة الأسرة)؛ التي ينبغي أن يحسنوا تأسيسها على الدين والتقوى، استعداداً لاستقبال الأبناء، ثم يأخذوا بكل أسباب قوتها وتحصينها ضد الاختراق التربوي الذي كثرت مصادره في زماننا، وليدركوا أهمية دورهم في توجيه الأبناء إلى الإيمان والاستقامة، يحدوهم في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «‏كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» – رواه الشيخان -.

ماذا تعنى كلمة (الأسرة)؟

قال ابن منظور: «أُسرةُ الرجل: عشيرتُه ورهطُهُ الأدْنَوْنَ؛ لأنه يتقوى بهم، والأُسرةُ عشيرةُ الرجل وأهلُ بيته» - لسان العرب، مادة (أَسَرَ) (1/141) -.

     و«الأسرة» من أعظم نعم الله -تعالى- على العباد: فقد جاء في كتاب الله-عز وجل- ذِكْرُ الأزواج والبنين والأحفاد، بمعنى (الأسرة)، وذلك في معرض الامتنان وتعداد النعم، قال -تعالى-: {والله جَعَلَ لَكُم من أَنفُسِكُم أَزوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِن أَزَوَاجِكُم بَنِين َ وَحَفَدَة وَرَزَقَكُم مِن الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَة اللَّهِ هُم يَكْفُرُون} -سورة النحل:72 -، يقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله-: «يُخبر -تعالى- عن منَّتِه العظيمة على عباده؛ حيث جعل لهم أزواجا، ليسكنوا إليها، وجعل لهم من أزواجهم أولاداً تَقَرُّ بهم أعينُهم، ويخدمُونهُم، ويقضُون حوائِجَهم، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة، ورزقهم من طيبات المآكل، والمشارب، والنعم الظاهرة، التي لا يقدر العباد أن يحصوها» (العلامة: ابن سعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص397 ).

حاجة الإنسان الفطرية إلى الأسرة

     يحتاج الإنسان إلى الأسرة في مراحل عمره جميعها؛ فالطفل يحتاج إلى النشأة الطبيعية في أسرة، وإلا كان شاذ الأخلاق، منحرف الطباع، وحاجته إلى أمه وأبيه أصيلة في نفسه، كذلك يحتاج المرء إلى الأسرة شاباً ورجلاً وكهلاً؛ إذ لا يجد الدفء والرعاية في غيرها، ولا يرضى عنها بديلاً. وبفضل الحياة في الأسرة يتكون لدى الفرد الروح العائلية والعواطف الأسرية المختلفة، وتنشأ الاتجاهات الأولى للحياة الاجتماعية المنتظمة.

أول مصادر المعرفة

     الأسرة هي أول مصادر المعرفة التي تؤثر على شخصية الطفل: من الثابت علمياً أنّ الإنسان يولد صفحة بيضاء، خالية من أي اتجاه أو تكوين للذات، وإنما يحمل الاستعداد لتلقي العلوم والمعارف وتكوين الشخصية والتكوين وفق خط سلوكي معين؛ لذا نجد القرآن الكريم يخاطب الإنسان وفق هذه الحقيقة، ويذكّره بنعمة العلم والتعليم، قال -تعالى-: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} - النحل:78-.

     فالآية الكريمة تحدد نظرية المعرفة في الإسلام وكيفية تكونها لدى الإنسان منذ نشأته الأولى، مؤصلة على قاعدة قرآنية عظيمة، وعلى هذا الفهم، وتلك الأسس العلمية لتلقي المعرفة وتتبنى الشخصية النظرية التربوية في الإسلام، ويبدأ تكليف الأبوين في إعداد الطفل وتربيته وتعليمه. ويضطلع بهذه المهمة العظيمة الوالدان في رحاب مؤسسة الأسرة.

تكامل دور الأب والأم

- أهمية تكامل دور الأب والأم داخل مؤسسة الأسرة: الأب والأم هما قطبا الأسرة؛ لذلك فإنّ التعاون والتنسيق والتفاهم بينهما أساس مهم لنجاح التربية القويمة للأبناء، ولبقاء الأسرة متآلفة، وقوية، لا تؤثر فيها العوارض والطواريء التي تمر في حياة الأسر جميعاً، فكما أنّ الطفل يحتاج لعطف الأم وحنانها ورعايتها وقربها منه، فإنه يتأثر بقدر عظيم بوالده، والطفل ينظر للأب على أنه يعرف كل شيء، وإن كان يطلب ما يريد من أمه ويشبع معظم احتياجاته من خلالها، وعادةً يتلقى الطفل توجيهات الأب باهتمام أكبر من الذي تناله توجيهات الأم؛ لأن الطفل يدرك بفطرته من صوت الأم نفحة الحنو الغامرة، وكيف أنها سرعان ما تعود إلى طبيعتها معه إذا انقبضت عنه لخطأٍ صدر منه..!

     فصورة الأم المرتسمة في فؤاد الطفل دائماً هي صورة الحنان والعطف والتسامح، أما صورة الأب عند الطفل وبرغم الحب المتبادل فهي صورة الصلابة والحزم ورفق القسوة، والمؤاخذة والتعزير، فإذا ما استثمر حنان الأم وحزم الأب تكامل العطاء التربوي الموجِّه للطفل داخل الأسرة، وتميز له الصواب والخطأ، ونشأ لديه الضمير، واتضحت في ذهنه المباديء والقيم الصالحة.

مصدر بناء القيم والأخلاق

     للوالِدَيْنِ في إطارِ الأسرة دور مهم في تكوين القيم الأخلاقية وبنائها لدى أبنائهم؛ فالتوجيهُ القِيَمِي يبدأُ في نطاقِ الأسرةِ أولاً، ثم المسجد والمدرسة والمجتمع. وفي أحضان الأسرة يكتسب الطفل قِيَمَهُ فَيَعْرِفُ الَحقَ والبَاطلَ، والخيرَ والشرَ، وَهو يَتلَّقَى هذه القيمِ دونَ مناقشةٍ في سِنيّهِ الأولى؛ حيث تتحددُ عناصرُ شخصيتِهِ، وتتميزُ ملامحُ هويتِهِ ويتميز سلوكه، وترتسم أخلاقه؛ لذلك فإن من أهم مسؤوليات رب الأسرةِ تعليمِ أهلِهِ وأولاده القيم الرفيعة، والأخلاق الحسنة، وليس التركيز فقط على السعيِ من أجل الرزق والطعام والشراب واللباس، قال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه -رضوان الله عليهم-: «ارجعوا إلى أهلِيكُم فأقيمُوا فيهم وَعَلِّمُوهم».- رواه البخاري، حديث 631 -.

مصدر الضبط السلوكي والاجتماعي

     إذا لم يستجب الأولاد بالإرشاد والتوجيه فقد يلجأ الأبوان إلى توجيههم بالوسائل التربوية الصحيحة لإعادتهم إلى الطريق الصحيح، متدرجين في ذلك ومراعين المراحل العمرية التي يمر بها الأبناء، وهذا القدر من الضبط هو ما ينبغي أن تسير عليه الأسرة، وألا تتهاون فيه. يقول ابن القيم -رحمه الله-: «فمن أهملَ تعليمَ ولدِهِ ما ينفعه، وَتَرَكَهَ سُدى، فقد أَساءَ إليه غايةَ الإساءة، وأكثرُ الأولادِ إِنما جاء فسادُهُم من قِبَلِ الآباءِ وإهمالِهِم لهم، وتركِ تعليمِهِم فرائضَ الدينِ وَسُنَنَه، فأضاعوها صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسِهِم ولم ينفعوا آباءَهُم كِبَارا».

الأداء الاجتماعي

     وفي أحضان الأسرة أيضاً يتعلم الأبناء مفردات الأداء الاجتماعي السليم، من خلال ما يشاهده الأبناء في محيط الأسرة من أنواع التفاعل الاجتماعي بين أفرادها، ومع الأقارب والجيران، ويتعلمون الآداب الأخلاقية الضابطة لتلك العلاقات المهمة في حياة الإنسان، مثل صلة الأرحام، وتوقير الكبير، وتعظيم حق القريب ذي الحاجة، وتقديمه على غيره في المواساة والصلة، ومن خلال إمدادهم بالمهارات اللازمة للعمل بفاعلية في خدمة المجتمع الكبير كالتطوع في الأعمال الخيرية، ومساعدة الأسر الفقيرة والمحتاجة.

ضبط العلاقات

     كما يتعلم الطفل أيضاً في رحاب الأسرة كيفية ضبط تلك العلاقات، وكيف يتصرف مع أصحاب الحقوق الاجتاعية العظيمة – مثل القريب والجار – إذا كانت لهم تصرفات سيئة تجلب عليه الضرر مثل التطفل والفضول، أوإسماعه للغيبة والنميمة، أو كانوا ممن يتنقّص من التزامه بشرائع الدين، ويتهكم عليها؛ فالأسرة الواعية فقط -متمثلة في الوالدين- هي التي تعلم الابن كيف يكون متوازناً، حكيماً في تصرفه في مثل هذه المواقف، بوعيٍ وأدب.

الأسرة الواعية

     وأخيراً أعزائي المربين: إذا كان واجبنا أن نتميز، وأن نحمل شعلة الهداية للضالين في شعاب الأرض.. فإن هذه المهمة الجليلة تبدأ من الأسرة الواعية بمسؤوليتها ودورها الكبير، التي تعرف كيف تمارس الريادة للتائهين لا أن تذوب معهم في ضلالاتهم..إنها (الأسرة) ما أحسنّا تأسيسها وبناءها على ما أرشدنا إليه ربنا -تبارك وتعالى-، ونبيه الكريم- صلى الله عليه وسلم -.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك