الأسرة المسلمة 1288
المرأة المسلمة
الحياء ليس خلقًا عابرًا ولا زينةً مؤقتة، بل هو تاجٌ رباني تُتوَّج به المرأة المؤمنة، يرفع قدرها، ويحفظ جمالها؛ فالمرأة الحيّية لا تحتاج إلى زينة مُتكلّفة؛ فالحياء جمالٌ لا يشيخ، ورفعةٌ لا تزول، وعلامة إيمانٍ لا تتبدل، قال - صلى الله عليه وسلم -: «الْحَياءُ خَيْرٌ كُلُّه».
عَظَمة الحَياء في شخصية المرأة
يُعدّ الحياء من أجلِّ الأخلاق التي زيّن الله بها المرأة، ومن أعظم ما يُجمّل روحها ويصون مكانتها؛ فهو ليس مظهرًا خارجيا فحسب، بل هو نورٌ داخلي، ورقّة قلب، وشعورٌ يقظ يردّها إلى مرضاة الله في كل حركة وسكنة، والحياء علامة كمال الإيمان، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الحَياء شعبة من الإيمان».الحياء خُلُق الأنبياء والصالحين
ولقد أثنى الله -تعالى- على الحياء وأهله في مواضع من كتابه، فجعل الحياء سمةً للمؤمنات الطاهرات، ومن ذلك ما أشار إليه في قصة ابنة شعيب -عليه السلام-: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} (القصص: 25)، فجعل وصفها الأبرز «الحياء»، واختار القرآن هذا الوصف ليُعلّم المؤمنات أن الحياء زينة لا تفنى، وخلقٌ لا يُجارى، بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أشد حياءً من العذراء في خِدرها، كما جاء في الصحيح، فكيف بالمرأة التي جعل الله الحياء سمة طبيعتها ورفعة مقامها؟!الحياء حصنٌ يحفظ المرأة
الحياء ليس ضعفًا ولا عجزًا، بل هو قوةٌ داخلية تضبط السلوك وتوجه القلب، وتحفظ المرأة من الانزلاق إلى ما لا يليق، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن لكل دين خُلُقًا، وخُلُق الإسلام الحياء»، فحين تكون المرأة حيّية، تكون أقرب إلى الخير، وأبعد عن الريبة؛ حيث ينعكس الحياء على سلوكها كله؛ فتحفظ قلبها من التعلق بما يغضب الله، وتصون لسانها من اللغو والغيبة، ولا تخضع، وتختار كلماتها بِعفة ورقّة.الحياء زينة المؤمنات
ويؤكد القرآن الكريم أن جمال المرأة الحقيقي ليس في مظهرٍ عابر، وإنما في نقاء القلب وطهارة السلوك، قال -تعالى-: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33)، وهذا توجيه ربّاني يؤسس لحياءٍ عميقٍ يليق بأن تكون المرأة مسلمة تحمل رسالة وقيمًا.أثر الحياء في المجتمع
إنَّ المرأة الحيية تحمل في نفسها رسالة إصلاح؛ فهي القدوة في بيتها، والسكن لزوجها، والأمان لأبنائها، والطمأنينة لمن حولها، وإذا انتشر الحياء بين النساء ارتقى المجتمع كله؛ لأن المرأة هي القلب النابض في بيتها، فإذا صلح قلبها صلح البناء كله، قال - صلى الله عليه وسلم -: «الدّنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة»، والحياء هو أول معاني الصلاح وأوسع أبوابه.المرأة جسر المودة في بيتها
المرأة في بيتها هي جسر المودّة والأُلفة، وعماد الأسرة الذي يربط بين قلوب أفرادها، ويصنع الدفء والأمان، فبصبرها وحنانها ووعيها تسهم في بناء أسرة متماسكة، يعيش فيها الزوج والأبناء في رحمة وتعاون، كما أمر الله -تعالى- بالمعاملة بالحسنى والرحمة: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء: 19)، وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء مؤتمنات على راحة البيت وسعادته، فقال: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، المرأة التي تصنع المودة تُحسن اختيار كلماتها، وتغرس الحب بالمعاملة الحسنة، وتربّي الأبناء بالرفق واللطف، وتعامل زوجها بالصبر والتفاهم؛ فهي بذلك تحقق معادلة الإخلاص والرحمة، وتجعل من بيتها مأوى للسكينة والأمان.
حين تُفتح لكِ أبواب السماء
حين تُفتح لكِ أبوابُ السماء، تشعرين أن الدنيا -بكل ما فيها- تصغر أمام دمعةٍ خاشعة، ودعوةٍ صادقة خرجت من أعماق قلبكِ، وتدركين أن الطريق إلى الله ليس بعيدًا، وأن ما ظننتيه عسيرًا يلين بين يدي رحمته، وأن ما أرهق قلبكِ كان ينتظر لحظة صدق فقط؛ ليفتح الله لكِ فيه فرجًا ونورًا. حين تُفتح لكِ أبواب السماء، تجدين السكينة تنزل عليكِ كالغيث، وتدركين معنى قوله -تعالى-: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}، ومعنى قوله -جل جلاله-: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وحينها تُدركين أن رحمة الله أوسع من الألم، وأن لطفه أعظم من كل انتظار، وأن الدعاء ليس مجرد كلمات، بل حياةٌ تُعاد إلى القلب كلما ضاقت به الطرق. وحين تُفتح لكِ أبواب السماء حقًّا، لا يعود لليلِ ظلمته، ولا للهمّ ثقله، ولا للخوف مكانه؛ فالله هو الأمان الذي لا يزول، والنور الذي لا ينطفئ، والرحمة التي لا تُحرم منها مؤمنة رفعت يديها وقالت: يا رب: أنت حسبي وكافيني.قلبُ الأم يصنعُ المعجزات
ليس في الوجود قلبٌ يشبه قلب الأم؛ ذلك الينبوع الإلهي الذي يُغدق رحمة وحنانًا، ويمنح الحياة معنى أوسع مما نرى، جعل الله -سبحانه- الأمَّ سرًّا من أسرار لطفه في الدنيا، وبابًا من أبواب بركته ورحمته، وإذا كان الكون يقوم بنواميسه الكبرى، فإن قلوب الأمهات تقوم بمعجزة لا يقدر عليها غيرهن: معجزة الحب الذي لا ينفد، والعطاء الذي لا يُحصى، والدعاء الذي يشقّ أبواب السماء، قال الله -تعالى-: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} (الأحقاف: 15)؛ فجمع الإحسان كلَّه للأبوين، ثم خَصَّ الأمَّ بذكر التعب والرحمة والحنان في قوله: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا}، هذا التعب ليس مجرد ألمٍ جسدي، بل رحلة حبٍّ تُصنع فيها معجزة الإنسان.قيمة المرأة فيما تكون وليس فيما تملك
قد يظنّ بعض الناس أنَّ مكانة المرأة تقاس بما تملكه من مال أو سلطة أو نفوذ، لكن الحق أن قيمتها الحقيقية في شخصيتها، وسلوكها، وأخلاقها، وإيمانها؛ فالمرأة الصالحة هي التي تُثري بيتها وأهلها بالحب والرحمة، وتزرع الخير في كل من حولها، فتترك أثرًا لا يُقدر بثمن، فالله -تعالى- جعل أساس القيمة في النية والعمل الصالح فقال: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} (النساء: 124)؛ فالمرأة التي تتمسّك بالفضائل، وتحافظ على حيائها، هي من تصنع الفارق في بيتها ومجتمعها، إنها الجوهرة التي لا تبلى، والنور الذي لا يخفى، والقدوة التي يقتدى بها.حين يدعو قلب الأم تتحرك الأقدار
ما من قلبٍ يُرجى دعاؤه مثل قلب الأم؛ دعاؤها صادق لا تشوبه مصلحة، نقيّ لا تلوثه رغبة، يخرج من قلب مفعم بالرحمة. قال - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثُ دعواتٍ لا تُردُّ: دعوةُ الوالدِ لولدِه»، فكم من أبواب فُتحت، وكم من عسرٍ انفرج، وكم من طريقٍ مُهّد، وكم من حظٍّ كُتب لولدٍ؛ لأن قلبَ أمهِ دعا له في سجدةٍ خفيّة أو دمعٍ سال في جوف الليل، وإن أعظم ما يميز قلب الأم الرحمة التي أودعها الله إياه، قال -صلى الله عليه وسلم -: «إن اللهَ أرحمُ بعباده من هذه بولدها»، فجعل رحمتها مثالاً يقرب لقلوبنا رحمة الخالق، ويبقى قلب الأم أكبر من الكلمات وأوسع من الوصف، هو مدرسة، وهو وطن، وهو باب من الجنة يمشي على الأرض، وإذا أراد الله بالإنسان خيرًا، جعل له أمًا تدعو له، وتخاف عليه، وتُمسك بيده نحو النور؛ فاحرصي -يا ابنة الإسلام- على هذا القلب العظيم، وأكرميه، وكوني له عونًا وسندًا، فإن برّه بركةٌ في الدنيا ورفعةٌ في الآخرة. قال الله -تعالى-: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وما الإحسان للأم إلا طريقٌ إلى رضوان الله وجنته.المرأة المسلمة مسؤولة عن رسالتها
أيتها المرأة المسلمة أنتِ لستِ رقمًا في المجتمع، بل مؤثرة وصاحبة رسالة، قال - صلى الله عليه وسلم -» بلغوا عني ولو آية«، وقد جعل الله بيدكِ مفاتيح التأثير: كلمة، أو موقف، أو نصيحة، أو دعاء، ولا تهوّني من أثر عملك؛ فإن الله قد يفتح الهداية على قلب إنسان بسبب عبارة خرجت منكِ بصدق.
لاتوجد تعليقات